اهالي الوعر جريمة التهجير الجماعي ومحاولات مواصلة الحياة
تهجير أهالي الوعر: الوقائع والمسارات
جورج.ك.ميالة
انتهى في الحادي عشر من أيّار تنفيذ ثاني أكبر اتّفاق تهجير قسريّ منظّم للمدنيّين السوريّين بعد اتّفاقية حلب، تمّ فيه إجبار ما يقارب 20 ألف شخص على الانتقال إلى ثلاث مناطق هي: ريف حلب وإدلب وريف حمص الشماليّ، جميعهم من معارضي النظام.
بنود الاتّفاقيّة:
تضمّنت الاتّفاقيّة خمس نقاط أساسية، أبرزها خروج جميع المقاتلين وعائلاتهم والراغبين من المدنيّين بشكل أسبوعيّ، وبمعدل ألفي شخص في كل دفعة حتى نهاية الاتّفاق، نحو مناطق ريف حمص وجرابلس وإدلب، على أن تتحمّل القوات الروسية وجيش النظام حماية القوافل حتى وصولها إلى مناطق المعارضة، واتّفق الطرفان على تشكيل هيئة مفاوضات موسّعة مؤلّفة من لجنة من حيّ الوعر مكلّفة من الأهالي بالمفاوضات، ولجنة أمنيّة تابعة للنظام، وضباطاً روساً.
ونصّ الاتّفاق على نشر كتيبة من الشرطة العسكرية الروسيّة في الحيّ مؤلّفة من حوالي 100 عنصر بإشراف ضبّاط روس من رتب عالية، كما تعهّد الجانب الروسيّ بتسليح مجموعة من أبناء الحيّ ليكونوا بمثابة الشرطة لضبط الأمن ضمنه.
وتكفّل الجانب الروسيّ بالإشراف على إعادة المدنيّين وحفظ الأمن وحماية الممتلكات العامّة والخاصّة ومنع اعتقال أيّ أحد، ومنع دخول الميليشيات الأجنبية التي تساند النظام كميليشيا حزب الله والميليشيات العراقية والإيرانية.
و ذكرت مصادر خاصّة للمجلّة أن الطرف المشرف على الاتّفاقية من طرف النظام هو اللواء ديب زيتون، المتّهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، وموضوع على قائمة العقوبات الدولية، وطلال البرازي محافظ حمص، وقادة الأفرع الأمنيّة بحمص، ومن الجانب الروسيّ العماد إيغور تورتشينوك القائد الأعلى للقوات الروسية في سوريا ومركزه قاعدة حميميم، والذي واظب على حضور المفاوضات شخصياً، إضافة لنائبه العقيد رفائيل والعقيد سيرغي دروجين، المكلّف من قبل الحكومة الروسية بتوقيع الاتّفاق خطّياً، ومن طرف المعارضة لجنة تفاوض حيّ الوعر المكلّفة من الأهالي.
مجريات العمليّة:
بدأت دفعات الأهالي بالخروج في آذار الماضي بشكل أسبوعيّ، وتتألّف كل قافلة من حوالي 50-60 باصاً، إضافة لعدد من الشاحنات لحمل الأمتعة، بمرافقة الشرطة العسكرية الروسيّة وسيارات من أجهزة المخابرات السورية حتى نقطة الوصول لمناطق المعارضة، فيما تكفّلت لجنة المفاوضات بالوعر ترتيبات الوصول داخل تلك المناطق.
يتحدّث الناشط السياسيّ عبد دالاتي لمجلّة صُوَر قائلاً: "كانت نقطة تجمّع الباصات بعد انتهاء ترتيبات الخروج، بالقرب من تحويلة حمص (مدخل المدينة)، شخصيّاً قضيت داخل الباص 26 ساعة لأنهم منعونا من الخروج من الباصات، وسمحوا لنا بحمل حقيبة لكل شخص فقط، والدفعة الأخيرة قضت 37 ساعة قرب تحويلة حمص".
ويتابع: "هناك سياسة ممنهجة للإذلال، إذ فرض النظام على كل دفعة خارجة أن تسلّم
حوالي 300- 400 قطعة سلاح، وإن لم يتمّ ذلك يقومون بالضغط على المدنيّين والتدقيق في حاجياتهم التي يخرجونها معهم، ممّا اضطرّ الكثيرين لتأمين قطعة سلاح، رغم أنهم ليسوا بمقاتلين، لتقديمها لحواجز النظام، لتيسير عمليّة النزوح".
بالنسبة للسلاح، جميع المقاتلين خرجوا بسلاحهم الفرديّ، كما أن المدنيّين أخرجوا سلاحهم المستخدم للأمن الشخصيّ، أمّا السلاح المتوسّط فقام المقاتلون بإخراج ما يزيد عن 90 بالمئة منه، عن طريق دفع رشاوي لحواجز النظام.
يروي عمر، أحد المقاتلين، طريقة إخراج السلاح المتوسّط للمجلّة قائلاً: "نقوم بتفكيك السلاح ونضعه في داخل الأمتعة، وعند قيام النظام بالتفتيش، يرى السلاح فنقوم بدفع مبلغ 50- 100 دولار، أو ما بقيمته من السجائر أو المواد الغذائية ليتمّ التغاضي عنه، ندفع للعقيد أو عناصره".
أمّا المرضى والمصابين، فقد خرج ذوو الإصابات الساخنة منهم (حوالي 70% من المصابين) بسيّارات الإسعاف، أمّا ذوو الحالات الباردة فخرجوا بالباصات، وعند وصولهم للمناطق المحرّرة، تمّ إسعاف الحالات الحرجة إلى تركيا، أمّا الباقون فقد انتشروا على المشافي الموزّعة في المنطقة. ولم يسجّل حضور فعّال للهلال الأحمر، واقتصر على سيارتَي إسعاف ترافق كل قافلة حتى آخر نقطة تحت سيطرة النظام.
لم يبقَ في الوعر أيّ شخص معارض للنظام، من تبقّى هم من موظّفي الدولة، وطلاب الجامعات، حتى أن الكثير من العائلات بقيت في الوعر وأرسلت أولادها خارجه خوفاً عليهم.
وبعد خروج الأهالي دخل النظام والجيش الروسيّ وانتشروا في الحيّ، على خلاف ما تمّ الاتّفاق عليه، وبقي معبر دوار المهندسين المدخل الوحيد للحيّ، وفي الأيام التالية تسلّل عناصر من ميليشيا حزب الله اللبناني، المتمركزين في الأبراج السكنية المحيطة بالحيّ، ونهبوا الأثاث والممتلكات، على إثرها تمّ الاشتباك مع عناصر النظام، واعتقل خمسة منهم، تمّ تحويلهم لفرع الأمن الجنائيّ، وعلى إثر ذلك قامت الميليشيات المقيمة في قرية المزرعة بقطع أوتوستراد طرطوس حمص وحرق الإطارات، احتجاجاً على اعتقال عناصرهم، تدخّل رئيس فرع الأمن السياسيّ على إثر ذلك، وهدّدهم إن لم يوقفوا ذلك فسوف يكون هناك تصعيد في الموقف، لتأتي الأوامر فيما بعد لهم بضرورة التهدئة، وفي أعقاب ما حصل قامت هذه الميليشيات بالبدء بسرقة السيارات المركونة في أقبية الأبراج السكنية، ومن ثم نقلها بسيارات شاحنة لأماكن مجهولة. جميع هذه السيارات تعود لمغتربين من سكان حمص، أو للخارجين من الحيّ بموجب الاتّفاقية.
من يتحمّل مسؤوليّة الاتّفاقيّة:
تحدّثت المجلّة مع عدد كبير من أبناء وناشطي حيّ الوعر، والذين أجمعوا أن النظام وحليفه الروسيّ هما المسؤولان بشكل مباشر عن كل ما جرى. فيما يرى آخرون أن السوريين أصبحوا اليوم ضحايا للصراعات الدولية، وفي هذا الشأن يقول الناشط السياسيّ عبد دالاتي: "للأسف في العامين الماضيين كان النظام المجرم هو الرابح الأكبر في سوريا، منذ سنتين حتى اللحظة تحوّل السوري لإنسان يدفع فاتورة التفاهمات الدوليّة، وتحوّلنا إلى ضحايا لتفاهمات وصراعات دوليّة في ظلّ انقسام الفصائل والتيارات السورية المعارضة". ويتابع دالاتي: "رغم الألم سوف ننتصر، نحن واثقون بذلك، ولكن سوف نضطرّ لتقديم تضحيات أكبر بكثير بسبب تفرّقنا، ولن نحقّق أيّ نتيجة حقيقيّة حتى نصبح يداً واحدة".
فيما يقول عدنان (اسم مستعار للضرورة الأمنيّة) للمجلّة: "خروجنا من الوعر في
الواجهة اتّفاق بيننا مع النظام، وفي الحقيقة نحن والنظام ليس لنا علاقة به، هو تفاهم روسيّ تركيّ، الأتراك بحاجة لعدد من المقاتلين من أجل دعم قوات درع الفرات، كون مقاتلي الوعر معتدلين لا يحملون أفكاراً متطرّفة"، ويتابع: "كل الناس تعلم أن الإخوان المسلمين متغلغلون في الكثير من تيارات الحراك الثوري في الوعر، ونسبة لا بأس بها من أصحاب القرار من المحسوبين عليهم، فأيّ نتيجة سلبيّة أو إيجابية للاتّفاق يتحمّلون هم الجزء الأكبر منها".
فيما يرى الناشط زياد الحمصي المتابع للمفاوضات: "إن الاتّفاق جاء نتيجة لحصار مجرم وقاسٍ عاشه الحيّ منذ أكثر من ثلاث سنوات، نتيجة لتصعيد القصف الروسيّ السوريّ المشترك على المدنيّين". ويضيف: "لا توجد فئة تتحمّل المسؤوليّة، فعمليّات التفاوض كانت مستمرّة منذ أكثر من عامين، وعندما كان الثوّار يرفضون الخنوع لشروط النظام، كان يصعّد ويرتكب المجازر المتتالية للتنكيل بالمدنيّين والانتقام منهم".
القانون الدوليّ والتهجير القسريّ:
شكلت جريمة تهجير أهالي الوعر، ملفّ إدانة جديد للنظام السوري، يضاف إلى سلسلة جرائمه المتراكمة منذ أكثر من 6 سنوات، واللافت في الاتّفاق الجديد صمت الأمم المتّحدة، فلم يصدر أيّ تصريح من مكتبها في دمشق، حيث اتّهم نشطاء حقوقيّون سوريّون الأمم المتّحدة بتحمّل المسؤولية، منطلقين من مبدأ أن الصمت في مثل هده المواقف هو موافقة مُضمَرة.
وتُعتبر سياسة التهجير القسريّ ممارسة ممنهجة ينفّذها النظام منذ سنوات، بهدف إخلاء المناطق السكنية، وإحلال سكان جدد مكان أهاليها، ويعرّف القانون الدولي التهجير القسريّ بأنه إخلاء غير قانونيّ لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها، وهو يندرج ضمن جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، ووفق ما جاء في نظام روما الإنساني الناظم لعمل المحكمة الجنائية الدولية، فجريمة إبعاد السكان أو النقل القسريّ لهم والتهجير الجماعيّ، والمرتكب في إطار هجوم ممنهج وواسع النطاق موجّه ضدّ أيّة مجموعة من المدنيّين يشكّل جريمة ضدّ الإنسانيّة، إضافة إلى أن المادّة 49 من اتّفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تحظر النقل القسريّ الجماعيّ أو الفرديّ للأشخاص، كما تمنع نَفيَهم من أماكن سكنهم الأصلية إلى مناطق أخرى.
------------------------------
مهجّرو الوعر يبدؤون حياة جديدة بريف حلب
وصل قرابة 80 بالمئة من أهالي الوعر إلى ريف حلب، الواقع عسكرياً تحت سيطرة قوات درع الفرات، كونه يعتبر الأكثر أماناً، وبعيداً عن قصف قوات النظام والطيران الروسي بشكل نسبيّ.
وقبل بدء عملية الخروج، تواصلت لجنة المفاوضات المشكّلة بحيّ الوعر مع المجلس المحلّي لجرابلس والسلطات المحلية، لتنسيق وترتيب وصول الأهالي، وتمّ تأسيس عدّة مخيّمات في محيط مدينة جرابلس بالقرب من الحدود التركية، ويعاني سكّان المخيّمات من ظروف حياتية صعبة، أسوة بسكّان المخيّمات الحدوديّة.
مأساة المخيّمات:
أحمد عرباوي أحد المقيمين في مخيّم دوغرة غربي جرابلس بـ 25 كم يتحدّث لصُوَر: "وصلت في الدفعة الأخيرة القادمة من الوعر، بقينا يومين ننام في العراء، بسبب عدم توافر الخيام، بعد ذلك جهّزوا هنغارات كبيرة الحجم تمّ فصل العائلات فيها، ووُضِع الذكور في خيام والإناث في أخرى. كما ترون نسكن في منطقة صحراوية، الكهرباء معدومة، والمياه تأتي يومياً بمعدّل ساعتين. الوضع غير جيّد، هناك مشاكل كبيرة في الحمّامات ودورات المياه، الأمر الدي سيؤدّي إلى انتشار الأمراض والأوبئة مع ارتفاع درجات الحرارة خلال الأيام القادمة".
عائلات أخرى فضّلت عدم النزول في المخيّمات، واستأجرت بيوتاً سكنية، وأدّى ذلك
إلى حرمانها من أيّ نوع من المساعدات الإغاثية المحصورة في المخيّمات.
يتحدّث أبو أحمد (رجل خمسينيّ يعمل بتجارة السيارات) لصُوَر قائلاً: “في جرابلس إيجارات البيوت مرتفعة جداً، تصل حتى 300 دولار، أمّا في منطقة الباب الخارجة حديثاً من سيطرة داعش فلا تتجاوز 150 دولاراً، تفاجأت أن الكثير من أصحاب البيوت يطلبون الأجرة بالدولار ولا يقبلون الليرة السورية، كما أن الأسعار ارتفعت فجأة نتيجة زيادة الطلب، وقد أحسّ بهذه الزيادة الواصلون في الدفعات الأخيرة".
ومن الناحية الإغاثيّة، يعاني النازحون من أحوال سيّئة، نتيجة الروتين المفروض من منظمة "آفاد" التركية وشركائها، والتي تحتكر العمل الإغاثي، حيث لا تسمح السلطات المحلّية لأيّ منظمة أخرى بممارسة نشاطها في المنطقة، كما يغيب أيّ حضور للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، ولا تواجد لأيّ مكتب للحكومة السورية المؤقّتة.
يرى البعض ممّن تحدّثت معهم المجلّة أن الحكومة التركية تحاول دفع سكان المخيّمات لترك المخيّمات والانتقال لمدينة الباب، بعد إعادة إعمارها من الشركات التي تعمل بكثافة فيها.
بطالة مرتفعة:
عانت المنطقة من بطالة مرتفعة جداً نتيجة التضييق الذي كانت داعش تفرضه على السكان المحليين، ما دفع غالبيّة الشباب للهروب نحو مناطق أخرى خوفاً من بطشهم وبحثاً عن العمل. بعد تحريرها، بدأ الكثير منهم بالعودة، وبسبب ارتفاع نسب الدمار أثناء المعارك، بدأ الكثيرون بإعادة إعمار الأبنية المهدّمة، الأمر الذي خلق فرص عمل في قطاع البناء، كما عادت بعض الزراعات كالقطن والقمح، ورغم الحركة الاقتصادية المنتعشة نسبيّاً، إلّا أن نسب
البطالة بقيت عالية بسبب اكتظاظ المنطقة السكانيّ:
أبو جمال، شاب عشرينيّ من الوعر، يقول للمجلّة: "أعمل في الزراعة يومياً لمدّة 8 ساعات مقابل ألف ليرة، الأمر جيّد ولكنه غير مستمرّ، أنتظر موسم حصاد القمح لأعمل لشهر آخر، لا أعرف بعد ذلك ماذا سوف أفعل، عندما نعمل نأكل، هذا هو حالنا".
أمّا أصحاب الشهادات الجامعية فيواجهون صعوبات كثيرة، مقارنة مع مناطق سوريّة أخرى، حيث وفّرت منظّمات المجتمع المدنيّ فيها فرصاً لا بأس بها، لكنّ حصر قطاع الإغاثة بجميع أشكاله بمنظمة "آفاد" التركيّة قلّل أعداد الموظّفين المطلوبين.
يقول أحد المحامين الخارجين من الحيّ: "منذ وصولي وأنا أراجع المنظّمات والمؤسّسات المتواجدة في المنطقة دون أيّ نتيجة، في النهاية نصحني أحد الأصدقاء ممازحاً أن أعلّق شهادتي على الجدار فلم تعد تنفعني بأيّ شيء".
قلّة فرص العمل وغلاء تكاليف المعيشة، تدفع الكثير من الشباب للتطوّع مع كتائب الجيش الحرّ، ممثّلة بقوات درع الفرات، والتي تقدّم شهريا راتباً يبلغ 150 دولاراً، في حين يسعى آخرون للتطوّع مع الشرطة الحرّة والتي تقدّم رواتب تصل حتى 800 ليرة تركية، الأمر الذي يجعلها مفضّلة لدى الكثيرين.
ويحاول بعض من أهالي الوعر الخروج إلى تركيا، بحثاً عن حياة أفضل، لكنّ الجيش التركيّ يمنع الخروج من معبر جرابلس، ويحذّر المدنيين يومياً من خطورة العبور بشكل غير شرعيّ، لأن الشريط الحدوديّ مزروع بالألغام، فيما يحاول آخرون الخروج من المعابر غير الشرعيّة في منطقة إعزاز، ويواجه هؤلاء صعوبات من نوع آخر أبرزها المبالغ الطائلة التي يتقاضاها المهرّبون والتي تصل لألف دولار على الشخص البالغ و500 دولار للأطفال.
تقول هالة (سيّدة أربعينيّة) للمجلّة: "من أين سنجلب 3500 دولار؟ لديّ ثلاثة أطفال وزوجي، نحن خارجون من حصار دام أكثر من 3 سنوات ولا نملك شيئاً!".
الحياة الاجتماعيّة:
تخضع المنطقة عسكريّاً لسلطة قوّات درع الفرات، وينتشر فيها الجيش التركيّ، إضافة لوجود عدد كبير من عناصر الشرطة الحرّة بقيادة ضبّاط منشقّين عن قوّات النظام، ما جعل هذه الشرطة السلطة الفعليّة القويّة في المنطقة.
وعن تعامل الجيش التركيّ مع المدنيين يقول الأستاذ عبد العزيز دالاتي (رياضيّ وناشط سياسيّ وحقوقيّ): "لا يوجد احتكاك معهم أبداً، وإن تمّ دلك فهم لطفاء ومحترمون ويحاولون مساعدتنا".
ويتابع كلامه عن العلاقة بين الواصلين حديثاً وأهالي المنطقة: "هم لطفاء وأحوالنا متشابهة، أهالي المنطقة يعتبرون أن الأتراك رحمة أمام داعش، ونحن كخارجين من حصار النظام، نعتبر أن الأتراك رحمة أمام وحشيّته، يروي لي أصدقاء تعرّفت عليهم في الباب قصصاً كثيرة عن فظاعات ارتكبتها داعش بحقّهم، وحتى اليوم لا يصدّقون أنها خرجت من حياتهم، ومازال هناك نوع من الفوبيا تنتاب الكثيرين عندما يتمّ الحديث عنهم".
ويعقّب دالاتي: "هناك غصّة في قلبي أريد أن أفصح لكم عنها، أرى قلّة في مظاهر الحراك الثوريّ المدنيّ هنا، المظاهرات والاعتصامات قليلة، رغم أنها منطقة محرّرة وآمنة، وانتشار أعلام الثورة في كل مكان، وكأن الناس سلّموا مفاتيح الثورة للجيش الحرّ، بينما في الوعر كنّا ننتهز كل فرصة لنخرج مظاهرة أملاً أن نعود لمظاهرات أيّام الثورة الأولى".
--------------------------
أهالي الوعر يقتسمون المعاناة مع إدلب
ليليا نحاس
بعد أن سمع أهالي الوعر الذين ينتظرون موعد خروجهم من الحيّ، عن الأوضاع السيّئة للواصلين إلى ريف حلب، قرّر حوالي 6 آلاف منهم التوجّه إلى إدلب، رغم قصف النظام والطيران الروسيّ، ووصلوا إلى المنطقة على 4 دفعات، جميعهم توجّهوا في البداية إلى مخيّمَي "ساعد" و"القرية الطينيّة" بالقرب من مدينة معرّة مصرين.
مخيّم القرية الطينيّة عبارة عن مخيّم مكوّن من عشرات البيوت الطينيّة، قامت منظمات إنسانية بإنشائه ليكون عبارة عن سكن مؤقّت للنازحين الجدد الواصلين من مختلف أنحاء سوريا، أما مخيّم "ساعد" فهو مؤلّف من الخيام الموجودة في جميع المخيّمات المنتشرة في سوريا.
يقول خالد الحمصي للمجلّة: "الوضع المعاشي للواصلين من الوعر أقلّ ما يقال عنه إنه سيّء، فجميعنا خارجون من حصار استمرّ أكثر من 3 سنوات. قدّمت منظمة بنفسج للواصلين من الدفعتين الأولى والثانية مبلغ 110 دولار كمساعدة عاجلة، إضافة لسلّة إغاثية من المجلس المحلّي، أمّا الدفعتان الثالثة والرابعة فلم تحصلا على أيّ شيء حتى الآن، ولم يقم أي فصيل عسكري في المدينة أو أي مجلس مدنيّ بتقديم أي نوع من المساعدات لنا". ويضيف: "رغم ذلك يجب ألّا ننسى موقف الأهالي الذين يرحّبون بنا ويعتبروننا جزءاً منهم، رغم ظروفهم الصعبة".
ونتيجة الزيادة السكانية الكثيفة في إدلب، ووصول الآلاف من النازحين الجدد من مختلف أنحاء سوريا، شهدت المدينة تراجعاً في الخدمات، ولم تعد الجهات التابعة للحكومة المؤقّتة والمنظمات الإغاثية قادرة على تغطية جميع الاحتياجات، بسبب نقص الموارد. ولوحظ ارتفاعٌ كبيرٌ في إيجارات البيوت بمدينة إدلب، بسبب زيادة الطلب وجشع البعض.
يقول خالد الحمصي لصُوَر: "مَن وصل مع الدفعة الأولى إلى إدلب استأجر بيتاً ب 8 آلاف ليرة، بينما الواصلون في الدفعة الأخيرة، ممّن يمتلكون المال، استأجروا بيوناُ بنفس المواصفات بـ 50 ألفاً".
وتعاني إدلب أسوة بقريناتها من بطالة عالية، ومن كثرة أصحاب المهن من السكان المحليين والنازحين الجدد.
يقول الحمصي: "هناك فائض من أصحاب المهن، أهل المنطقة إضافة للقادمين من الوعر والزبداني ومضايا وبرزة وغيرها، جعل المنافسة قوية بينهم، مع ترجيح الكفّة لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة وأهل المنطقة، لدلك يضطرّ الكثيرون لتغيير مصالحهم".
ويتابع الحمصي: "عملت سابقاً إعلامياً مع إحدى وكالات الأنباء الثورية، أمّا هنا فلديهم مراسلوهم الخاصّين، ولا توجد فرص لمتابعة عملي، لذلك أبحث عن أي فرصة عمل أخرى تمكّنني من تأمين مستلزماتي".
ويحاول الكثير من أهالي الوعر الواصلين إلى إدلب الخروج نحو تركيا، عبر المعابر غير النظامية. تروي إحدى السيّدات لمجلّة صُوَر: "قبل خروجنا من الوعر، درسنا جميع الاحتمالات، فقرّرنا التوجّه إلى إدلب لمحاولة الوصول إلى تركيا بشكل غير نظامي، لأن المعابر فيها أكثر أمناً من معابر ريف حلب وأقل تكلفة مادية".
------------------------------
من حمص إلى الريف الشماليّ: نازحون يرفضون الابتعاد عن الديار
كمال السروجي
بعد إجبارهم على الهجرة، رفض مجموعة من أهالي حيّ الوعر الانتقال إلى محافظتي إدلب وحلب، واختاروا الانتقال إلى ريف حمص الشماليّ، رغم الخطورة الأمنيّة الكبيرة هناك مقارنة مع الشمال السوريّ.
يقول إسماعيل فاعوري (شاب أربعينيّ) للمجلّة: "أحببت أن أبقى في أقرب مكان من الوعر، فاخترت مع عائلتي الريف الشماليّ". ويضيف: "كثير من العائلات اختارت الريف لتلتقي بأولادها، وأجزاء من عائلاتها، كان الحصار قد فرّقها عنها، والقسم الآخر لم يقبل أن يخرج من حمص، مهما كانت النتيجة، وفضّل البقاء في أقرب نقطة إليها".
ظروف حياتيّة صعبة وشحّ في المساعدات:
النازحون داخل حمص انتشروا في بلدات كالرستن والغنطو والفرحانيّة وتلبيسة، بسبب وجود معارف وأقارب لهم فيها. فاعوري يؤكّد للمجلّة: "لم يقصّر الأهالي في استقبالنا، فور وصلونا قدّموا لنا وجبات طعام حضّروها بأنفسهم، ونزلنا في بيوتهم، ومازال الكثير منا عندهم منذ أكثر من شهرين، قسم من النازحين استأجر بيتاً بسيطاً، بسبب انخفاض أسعار الإيجارات هناك، التي لا تتجاوز الخمسين دولاراً، وبعضهم سكن بيوتاً مهجورة أو مدمّرة جزئياً بالقرب من خطوط التماس مع النظام، غير آبهين بخطورة الوضع بسبب الفقر".
ويعاني الواصلون من مشكلات النازحين العامّة، كصعوبات المعيشة وغلاء المواصلات وقلّة فرص العمل وضعف المنظّمات الإغاثية والفقر المحيط بكلّ مفاصل الحياة. ويشاركون الأهالي الأصليّين حياتهم القاسية ويتقاسمون معهم انعدام الكهرباء ومشاكل تأمين المياه، فجميع مناحي الحياة تعتمد على الكهرباء القادمة من المولّدات التي تعمل على الديزل والبنزين اللذان يدخلان تهريباً للمنطقة.
في البداية قامت إحدى المنظّمات بتقديم مبلغ خمسين دولاراً كمساعدة عاجلة مع سلّة غذائية، لكن هذه المبادرة لم تتّسم بالشمول والاستمرارية، ممّا أدّى إلى حرمان مجموعة من الناس، غالبيّتهم من كبار السنّ، من هذه المساعدات.
تقول أمّ جهاد (معلّمة وناشطة): "المساعدات قليلة، توزّع سلّة غذائية كلّ 3 أشهر، واليوم انضمّ للنازحين أهل الوعر ليصبحوا جزءاً من هذا الواقع. المشاريع التي تقدّمها بعض الجمعيّات كالخبز المجانيّ، لا تكفي جميع الناس بسبب كثرة أعداد المحتاجين".
وعن الوضع التعليميّ، يعاني هذا القطاع من تراجع في التمويل مقارنة مع السنوات الماضية، ما انعكس على جودته، لصالح زيادة انتشار معاهد تحفيظ القرآن كبديل عن المدارس، للمحافظة على ما تعلّمه الأطفال من مبادئ القراءة والكتابة.
تهميش دور المرأة:
يعيش ريف حمص الشماليّ واقعاً كارثيّاً في شتّى مناحي الحياة، أدّى لتغيّرات اجتماعيّة، وبطالة مرتفعة فاقت الثمانين بالمئة، نتج عنه تراجع لدور المرأة في المنظّمات والمؤسّسات الثورية، إلى جانب اعتكافها لتدبير الشؤون المنزلية، ومساعدة الرجل في الأعمال الزراعية.
وتعاني الناشطات الواصلات من حيّ الوعر من فروقات كبيرة في العمل بين الوعر والريف، فهناك نظرة اجتماعيّة متدنّية لنشاط المرأة في الثورة على جميع الأصعدة في ريف حمص، كما أجمعت عدّة ناشطات تحدّثت معهن المجلّة.
تقول أمّ جهاد لصور: "كنت ناشطة في العمل الإغاثي والطبّي في الوعر، إضافة لعملي كمدرّسة في المرحلة الثانوية، عندما وصلت هنا وجدت فرقاً شاسعاً في العمل الثوريّ، في الوعر يوجد تقبّل كبير لعمل المرأة في أيّ مجال، والجميع يساعدونك في ذلك، أمّا هنا فالحركة محدودة، وتعاملك شبه معدوم مع الرجال حتى في المجال الطبّي، نتيجة العادات والتقاليد الحاكمة للمجتمع، والظروف القاسية التي مرّ بها المجتمع والتي غيّرت من طباعه".
وتتابع: "هذا الواقع سبّب لي إحباطاً كبيراً، حتى أن إحدى المنظمات التي كنت أعمل معها في الوعر، لم تُبدِ مرونة وتشجيعاً لعملي في الحقل الطبّي هنا، رغم أن نفس المنظمة لها عدّة فروع في الوعر ومدن الريف. في السابق كانت معظم المجالات الثورية متاحة للمرأة، وكانت تشغل مراكز قياديّة وأساسيّة في بعض المجالات، سواء التعليمية وغيرها، وكانت هناك مكانة كبيرة لرأييها".
--