"ترامب" و العصر الإبراهيميّ

بدأَ الغربُ، منذ ألفي عام تقريباً، بتقليد الشرق واتِّبَاعهِ حين أخذ منه عقائده الإبراهيميّة، ومن رحم تلك العقائد أنتجَ الغرب فلسفته الحديثة وعلومه التي قمنا نحن بدورنا باستيرادها، وبسبب ذلك التبادل اكتملتِ الدائرة، كما قال ذات مرّة الأنثروبولوجي الفرنسي كلود ليفي شتراوس، واسْتُنفِدَتْ جُلُّ إمكانيّاتها.
إنَّ كل ما أبدعه الغرب في القرون الأخيرة، من فلسفات وعلوم وفنون، لم يخرج عن الخطّ الإبراهيميّ قِيْد أَنْمُلة. فالانفصال عن الطبيعة والتعالي عليها هو السمة الأساسية لحضارتنا الحديثة، وكذلك انتشار ثقافة الاحتقار، أي احتقار معرفة النفس لصالح معرفة الموضوعات والمجرّدات، ناهيك عن استمرار النظام البطريركيّ، حيث كل شيء معدّ ومصمّم سلفاً على مقاس الرجل، فالله، كما جاء في الكتاب المقدّس، هو رأس الرجل، والرجل رأس المرأة. كما ترامب هو رأس أمريكا الآن. بالإضافة إلى ما تقدّم فإنَّ سيادة المثنويّة في طرق التفكير والاعتقاد وتمجيد القوة المادية وانتهاج سبل الانتقام في العلاقات الشخصية والسياسية، هي السمات الأساسية لعصرنا الحالي. وليس هنالك من نموذج أكثر التزاماً بالخطّ الإبراهيميّ وأصدق تعبيراً عنه من النموذج الأمريكي، ومع ذلك يروّج الإعلام "الحرّ" في الغرب لفكرة أنَّ الشرق منبع العنف والإرهاب. لكنَّ هذه الفكرة، التي يتمّ الترويج لها بحماس شديد، بماذا تختلف عن فكرة الشيطان الذي يقبع على الضفة الأخرى كما جاء في العقائد الإبراهيميّة؟.