مراكز لتأهيل ودمج ذوي الاحتياجات الخاصّة
أصبح الطفل عمران حمو يعيش حياة شبه طبيعية بعد أن بدأ بارتياد مركز ( نوروز ) لذوي الاحتياجات الخاصة، فقد بدأ يمارس الرياضة، ويلقي التحية ويلعب مع الأطفال الآخرين، ويتعلّم مبادئ القراءة بعد أن كان يعيش حياة يأس وعزلة قبل ذلك.
مركز ( نوروز ) يتمركز نشاطه في مدينة الحسكة، وهو مركز مدنيّ مستقلّ غير حكومي، يعنى بفئة الأطفال المصابين بمتلازمة داون ( منغوليين )، بهدف دمجهم مع أقرانهم وتعريف المجتمع بهم .
يتحدّث لمجلّة صُوَر مدير المركز هجار معو قائلاً :" كانت البداية عن طريق دعوة بعض الأطفال للاحتفال بيوم الطفولة العالمي، حيث حدث اختلاط بين الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال العاديين، ثم بدأنا بمرافقتهم في فترات لاحقة إلى بعض المدارس والروضات لتعريف الأطفال بهم، وتشجيعهم على اللعب معهم بدلاً من الخوف والنفور منهم، وبعد ذلك قمنا بتأسيس المركز عام 2015 بعد أن خضع جميع العاملين فيه لدورات تأهيل في كيفية التعامل مع مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وخاصة فئة متلازمة داون، وقد بلغ عدد المستفيدين 12 شخصاً من جميع الفئات العمرية ومن كلا الجنسين،ونبذل جهوداً لاستقبال فئات أخرى منهم ."
ويؤكّد المدير هجار بأن مهمّة المركز تقوم على دمج الأطفال في المجتمع، لأن لهم نفس الحقوق التي يتمتّع بها الأطفال الآخرون، بما في ذلك الحقّ في تطوير إمكانيّاتهم لتحقيق مستقبل أكثر إشراقاً لهم من خلال تقوية أجسادهم بالتمرينات الرياضية؛ لأنهم يعانون عادة من مرونة وضعف في العضلات والمفاصل، ونقوم بأنشطة جماعية كالحفلات والرحلات إضافة إلى الدروس التعليمية المناسبة لمستوياتهم الجسدية والفكرية.
الطبيب وليد الحسين من ريف إدلب يتحدث عن متلازمة دوان قائلاً :" تعود تسمية متلازمة داون إلى الطبيب البريطاني جون داون الذي كان أول من وصف هذه المتلازمة وسمّاها في البداية باسم ( المنغولية ) لأنه رأى الأطفال المولودين بها لهم ملامح وجهيّة تشبه العرق المنغولي ."
كما أشار الطبيب إلى أن ولادة واحدة تحدث بمتلازمة داون من بين 800 حالة ولادة في جميع أنحاء العالم، وتزيد نسبة إنجاب طفل مصاب بزيادة عمر الأم، كما يؤكّد أن الأشخاص ذوي متلازمة داون قادرون على التعلّم إذا أثرينا حياتهم بدوافع وحوافز، وأعطيناهم فرص التعلّم المبكر والمناسب، ووفّرنا لهم التشجيع المستمرّ.
كما يعرّف الطبيب بمرض التوحّد بأنه"يظهر عادة لدى الأطفال قبل السنة الثالثة من العمر ويؤثّر على نشأة الطفل وتطوّره، وسمّي المرض بهذا الاسم لأن المصاب به ينطوي وينعزل ولا يتمكّن من التواصل مع الآخرين بطريقة طبيعية."
هندرين حج علي تعمل داخل المركز تتحدّث لصُوَر قائلةً :" أعمل على تحديد مستويات الذكاء والأشغال والقدرات والميول الخاصة بالمتدرّبين الجدد الملتحقين بالمركز وتقييم القدرة العقلية لهم؛ لكي يخضع كل منهم لأسلوب تعامل يتوافق ويتلاءم مع ميوله واستعداداته وقدراته، كما تشمل خدمات المركز إشراك كل من الوالدين في عملية الإرشاد وتوفير الفهم لهما لمواجهة المشاكل المتوقّعة، وتوفير النصح بشأن الخدمات التي يحتاج لها الطفل المعاق، كما نستفيد من المعلومات التي يقدّمها الوالدان عن سلوك الطفل في المنزل ومدى تقدّمه ."
وتنوّه السيدة هندرين بأن الهدف من التأهيل النفسي الذي يقدّمه المركز هو مساعدة ذوي الاححتياجات الخاصة على فهم أنفسهم من جهة، وفهم العالم المحيط بهم من جهة ثانية؛ ليكون قادراً على التكيّف المناسب نتيجة هذا الفهم، ومساعدته على معرفة إمكاناته الجسمية والعقلية والاجتماعية لتطوير اتّجاهات إيجابية سليمة نحو الذات، وتخفيض التوتّر والكبت والقلق الذي يعاني منه الطفل، وضبط عواطفه وانفعالاته وتعديل بعض عاداته السلوكية الخاطئة .
وعن الصعوبات التي تواجه عمل المركز تردف السيدة هندرين قائلة :" نعاني من قلّة الإمكانات المادية لعدم وجود أي جهة داعمة، إضافة إلى قلّة اهتمام الأهالي بأطفالهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، والعمل على حبسهم داخل المنازل دون الالتفات إلى أنهم أشخاص من حقهم أن يعيشوا ويتطوّروا، ويحتاجون إلى أشياء وخدمات وطرق تعليم خاصة بهم، فمعظمهم موهوبون في نواح كثيرة، يثبتون قدرتهم على تحقيق الكثير من الأمور."
والد الطفل عمران يبدي الفرح والتفاؤل بالتقدّم الواضح الذي طرأ على ولده بعد ذهابه إلى المركز، فيقول :" كان عمران منطوياً على نفسه، شرساً وعدوانياً مع الجميع حتى مع أخوته، حتى أنني فقدت الأمل بإمكانية تحسّنه، ولكنه تغيّر كثيراً وبشكل إيجابي بعد دوامه على الذهاب إلى المركز، فقد أصبح هادئاً ومطيعاً، يتكيّف مع الأسرة والأصدقاء والمجتمع ويتعلّم مثل الأطفال العاديين، لذلك أشجّع كل الآباء على إرسال أولادهم المحتاجين لرعاية إلى المركز"
أمّا في إدلب، فقد قامت منظمة (ميديكال ريليف) بافتتاح مركز للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في قرية كنصفرة في ريف إدلب، يتحدّث عنه مدير المركز علي قراط قائلاً :" رأينا بأن فئة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مهمّشة نسبياً، وذلك عندما عملنا في إحدى المدارس ولاحظنا وجود بعض الطلاب غير قادرين على الاندماج ضمن العملية التعليمية مما تطلّب إنشاء مركز خاص بهم، يعمل فيه أخصائيّون في الإرشاد النفسي لتقديم أنشطة تراعي الفروق الفردية والعقلية والجسدية والعمرية للأطفال، من خلال بعض النشاطات التعليمية الهادفة، مثل كتابة الأحرف والأرقام وبعض الأنشطة الترفيهية التي تساعد الطفل على الاندماج مع أقرانه، كما يتمّ تعليم الأطفال ذوي القدرة العقلية المحدودة بعض العادات اليومية مثل تناول الطعام وغسل اليدين ومسك فرشاة الأسنان؛ ليتمكّنوا من الاعتماد على أنفسهم كما نقدّم أنشطة عامّة لكسر حاجز الملل والوحدة، وتتطوّر الأنشطة بتطوّر كل طفل .
ويبيّن المدير بأن عدد المستفيدين هو 10 أطفال تتراوح أعمارهم بين 6-12 عاماً، والدوام يومياً من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثانية عشرة ظهراً، يتمّ خلالها تقديم وجبة طعام للأطفال.
وعن المناهج التي تُقدّم للأطفال داخل المركز يضيف المدير قائلاً: " نقدّم البرامج التربوية التي تتضمّن تعديلات في المناهج والوسائل وطرائق التعليم استجابة للحاجات الخاصة للتلاميذ ".
والدة الطفلة غادة من مدينة البارة تتحدّث عن إصابة ابنتها بمرض التوحّد ومدى استفادتها من المركز قائلة :" أرسلت ابنتي إلى إحدى مدارس المدينة، لكنها لم تحقّق أي تقدّم تعليمي لعدم وجود كادر مختصّ لتعليم من هم مثلها، ممّا جعلني أفكّر بالسفر إلى إحدى الدول الأوروبية رغم المصاعب والمخاطر؛ علّني أجد من يرأف بها ويهتمّ لأمرها، ولكن بعد افتتاح المركز وجدت فيه المستقبل الذي كنت أبحث عنه لطفلتي، فقد تمكّنت من الحصول على رعاية وأسلوب تعليم خاص، وباتت تعيش حياة أقرب ما تكون للطبيعية ."
الاهتمام بالأطفال بشكل عامّ وذوي الاحتياجات الخاصة منهم خصوصاً، يُعتبر اهتماماً بالمجتمع بأسره، ولكن في سوريا، وفي ظل سنوات الحرب القاسية التي فرضت واقعاً مؤلماً على الجميع، تندر الجمعيات التي تلقي بالاً لذوي الاحتياجات الخاصة، فلا يُهتَمّ لأمرهم في كثير من المناطق سوى عائلاتهم المُنهَكة.