تدمير المنازل في سوريا كارثة تنذر بتشريد آلاف العوائل
نجا عبد الكريم من الموت بأعجوبة وأصيب عدد من أفراد أسرته، ولايزال بعض منهم يخضع للعلاج جرّاء إصابتهم بكسور وجروح لحظة سقوط صاروخ على منزله الذي تهدّم بشكل كامل، يقول عبد الكريم : "لم أكن أتوقّع أن يتعرّض بيتي للقصف من قِبَل قوات النظام لاسيما أنه بعيد عن المقرّات العسكرية.
تتجوّل منى زوجة عبدالكريم بين حجارة مبعثرة وبقايا حائط علّها تعثر على بعض أمتعة بيتها وملابس أولادها، غير أن الدمار الكامل للمنزل لم يبقِ على شيء سوى بقاء عائلة عبدالكريم على قارعة الطريق بلا مأوى.
لم تَعُدْ خسارة الحياة أكبر همّ السوريين، بل أصبح فقد البيوت وتهدّمها جرّاء القصف المستمرّ والعشوائي أحياناً، يشكّل هاجساً أكبر لمن أبقاهم القدر على قيد الحياة، وغدَت أعداد البيوت المهدّمة أكبر من التي تُبنى للسكن بكثير.
أبو أحمد جار عبد الكريم 60 عاماً من كفرنبل أصيب منزله أيضاً، ولكن بأضرار مادّية طفيفة، يؤكّد أن الغارات حدثت في الشهر الحادي عشر عام 2016، وبأن القصف استهدف أحياء شعبيّة تضمّ فرناً ومشفى مدنيّ في شارع مزدحم بسبعِ غارات جوّية تهدّم على إثرها 8منازل ما بين تهدّم جزئيّ وكلّي، قام أبو أحمد بإصلاح الأضرار التي تعرّض لها بيته وسكن فيه من جديد بالرغم من أنه يخشى تكرار القصف على نفس المنطقة وتهدُّم بيته كلّياً في المرة القادمة، إلا أنه يقول بأن ليس لديه خيار آخر؛ لأنه ببساطه لا يملك ثمن آجار بيت جديد كما يقول ... بينما يسكن عبد الكريم حالياً في بيت أهله بعد تهدّم منزله ولا يفكّر حالياً ببناء بيت جديد، لأنه يكلّف مبالغ باهظة لا يملك منها شيئاً .
لا توجد أي منظّمة أو جمعيّة تهتمّ بمساعدة المتضرّرة بيوتهم بشكل كافٍ وفعلي لغاية الآن في المناطق المحرّرة، وفي هذا المجال يعبّر طارق (45 عاماً) وهو مسؤول في المجلس المحلّي في كفرنبل لمجلّة صُوَر عن رغبته وباقي أعضاء المجلس بوجود جمعية أو منظّمة تتبنّى ترميم البيوت المهدّمة ومساعدة أصحابها بشكل فعلي وجيّد، ولكنه لا ينسى أن يذكر بعض المساعدات المتواضعة التي تقدّمها منظّمة srd ، في هذا المجال يقول عبيده دندوش وهو مسؤول في هذه المنظّمة بأنهم أطلقوا مشروع المأوى، وقد وصلوا الآن في تطبيقه إلى مدينتي " بنش ومعرّة مصرين " في ريف إدلب، فقاموا بمساعدة 250 منزل متضرّر ومهدّم حالياً عن طريق المجالس المحلّية الموجودة في تلك المناطق، مع العلم بأن المرحلة الأولى كانت لمساعدة البيوت المتضرّرة في "كفرنبل ومعرّة حرمة وحاس وجرجناز".
تشمل التصليحات كما يقول عبيدة الجدران والأسقف وخزّانات المياه والصرف الصحّي والطاقة الشمسية، يقول عبد الكريم أحد الذين ساعدتهم منظمة srd " إن المساعدة لا تكفي ورمزية قياساً بالخسارة التي أصابتنا بتهدّم بيتنا، وهي عبارة عن مدفأة وثلاثين كيساً من الفحم الحجري للتدفئة. طالب (50 عاماً) من كفرنبل يقلّل من شأن هذه المساعدة، ويقول بأن المنظمة رفضت مساعدته نهائياً بحجّة أن لديه محلّ يعمل به ويكسب منه.
يبني رجب مسؤول في المجلس المحلّي لمدينة كفرنبل آمالاً على وعود أطلقتها منظمة hand in hand بمساعدتهم في هذا المجال في الأيام القادمة، ويؤكّد عدم وجود مساعدة شافية لمثل هؤلاء الناس لغاية الآن.
لاتزال ريم خمس سنوات من معرّة النعمان تبكي على لعبتها التي اعتادت أن تلعب بها وتنام بجانبها على سريرها الخشبي في منزلهم سابقاً، ولم تكن أمّها إلهام (50 عاماً )تدري أن منزلها سوف يتهدّم فجأة وبدون سابق إنذار، بسبب كثرة القصف الذي أدّى لتخلخل خفيّ داخل بنيته في كل مرة يحدث فيها قصف حوله إلى أن فقد منزلهم القدرة على الصمود فانهار على ساكنيه فجأة، ولكن لحسن الحظّ أنه لم يقتل أحداً من أفراد العائلة المكوّنة من أربعة أولاد مع أمهم الأرملة واقتصرت الأضرار على بعض الجروح التي أصابتهم.
ويوضح صالح( 55 عاماً) من سكّان المعرّة أن المدينة وما حولها من أكثر المناطق التي تعرّضت لهدم البيوت على مستوى إدلب وريفها حيث بلغت نسبة هدم البيوت والمنازل داخل المدينة 40%، أمّا قرية بسيدا الواقعة جنوبي المعرّة مباشرة فقد دُمّرت منازلها بالكامل، في حين لا يخفى على زائر قريتي "حيش ومعرّة حطاط" جنوب مدينة المعرّة الدمار الحاصل للكثير من منازلها جرّاء القصف الشديد، بسبب وقوع تلك القرى على الطريق الواصل بين المعرّة ومحافظتي حماة وحمص.
فاطمة (38 عاماً) تسكن في بيت متصدّع في قرية "حيش"، تتسرّب المياه من جدرانه في فصل الشتاء، وتقول بأن حالتها المادّية ضعيفة ولا تستطيع لها السكن في بيت أفضل، وتفيد فاطمة بأن تهدّم بيوت "حيش" بدأ منذ أن قام الثوار بالسيطرة عليها بعد معارك مع قوات النظام عام 2013، ومنذ ذلك الحين لم يتوقّف القصف عليها من الطيران الحربيّ، على منازلها التي تهدّم نصفها تقريباً لغاية الآن.
أمّا نسبة المنازل المدمّرة في كفرنبل غربي معرّة النعمان 10 كم بلغ لغاية الآن 136 منزلاً منها 82 منزلاً مهدّماً بشكل كامل بحسب إحصائية رسمية للمجلس المحلّي في المدينة، ويفيد صلاح 45 عاماً، وهو مسؤول في مجلس المدينة أنه في دراسة حديثة للجنة الأمم المتّحدة لغربي آسيا( الأسكوا ) يوضح بأن محافظة إدلب تعتبر في المرتبة الرابعة على مستوى سوريا، حيث بلغ عدد البيوت المهدّمة فيها 156 ألف منزل مدمّر ما بين تدمير جزئيّ وكلّي، بينما تصدّرت محافظة حلب المرتبة الأولى في دمار المنازل، حيث بلغت منازلها المدمّرة النصف، وبلغ عددها 424 ألف منزل تليها دمشق وتُقدّر منازلها المدمّرة ب303 آلاف منزل مدمّر، أمّا حمص فهي في المرتبة الثالثة قبل إدلب وبلغ عدد منازلها المدمّرة 200 ألف منزل مدمّر. غالباً ما يكون سبب تهدّم البيوت هو القصف بالطيران الحربي والقصف المروحي بالبراميل المتفجّرة .
لجأ خالد( 38 عاماً )مع عائلته للسكن في بيت جدّه الطينيّ القديم بعد أن تهدّم بيته الحديث بسبب قصف الطيران الحربي بعد أن أجرى بعض التصليحات عليه يقول خالد ابن قرية "حاس": " لقد تهدّم بيتي بسبب برميل متفجّر ألقته طائرة مروحيّة بداية عام 2014 " ابن خالد الأكبر عبدالله (12 سنة )قال " لا أنسى ذلك اليوم حين ألقت المروحيّة برميلاً متفجّراً، وكنّا ننظر إليه، شعرنا أنه سوف ينزل فوقنا فركضنا أنا وأهلي بعد أن حمل والدي أخي الصغير بسرعة خارج المنزل وبدون وعي، بعد دقائق نزل البرميل جانب بيتنا ولم تَنَلْ منّا الشظايا المتناثرة في كل مكان وقتها، لننظر بعد ذلك إلى منزلنا وقد تهدّم مع عدّة منازل مجاورة" يسكن خالد وعائلته حالياً في بيت جدّه الطينيّ القديم والذي بُني منذ 150 عاماً، هذه البيوت القديمة باتت تكتسب أهمّية من جديد بسبب الفقر وظروف الحرب والدمار الذي تتعرّض له المناطق السكنيّة.
لا توجد حلول حقيقيّة بالنسبة لتهدّم البيوت لغاية الآن سوى بعض المحاولات من قِبَل بعض الجمعيّات الخيرية، كجمعيّة الهدى في كفرنبل، حيث بَنَت شققاً سكنيّة للنازحين والمهدّمة بيوتهم ما بين عامي 2014 و2015، فَبَنت الجمعية وحدتين سكنيّتين إحداهما في كفرنبل والأخرى جنوب معرّة حرمة، يقول أبو محمد رئيس الجمعيّة " كل وحدة سكنية تتألّف من ستة أبنية مع مسجد صغير ومدرسة، وكل بناء يحتوي على اثنتي عشرة شقّة سكنية وأخرى مماثلة لها جنوب قرية معرّة حرمة. أيضاً تبنّت جمعية الوفاء بناء وحدتين سكنيّتن لفاقدي المأوى من النازحين ومهدّمي المنازل شرق قرية "حاس"، بالإضافة للغرف التي تبنّت منظمة قطر الخيرية بناءها شرق معرّة النعمان عام 2014، وهي شقق مؤلّفة من غرفتين مع منافع جاهزة للسكن من تمديدات كهربائية وصحّية وغيرها.
يقول عبدالناصر تعتاع المسؤول عن بناء الشقق التي تتبع لجمعية الوفاء: هناك ازدحام شديد على هذه الشقق وهي لا تكفي، فهناك الكثير من المشرّدين بعد تهدّم بيوتهم بسبب عدم قدرتهم على بناء غيرها" تهدّم البيوت بشكل مستمرّ أوجد ظاهرة بناء المخيّمات التي سكنتها العديد من العوائل حول كثير من القرى في ريف إدلب، والتي تعدّ صعبة السكن قياساً بالبيوت الإسمنتية، تضمّ هذه المخيّمات الناس الذين تهدّمت منازلهم، وأيضاً النازحين من مناطق خطوط الاشتباكات... ما يزال أبو محمود( 54 عاماً) من قرية "سفوهن" يعيش في المخيّمات التركية بعد تهدّم منزله ووفاة ابنته في بداية عام 2014، حين ألقت مروحية برميلها المتفجّر بجانب منزله، ومنذ ذلك الحين ترك أبو محمود قريته "سفوهن"، تقول زوجته التي تزور قريتها بين الحين والآخر "لقد مللتُ العيشة في المخيّم واشتقت لمنزلي الذي قضيت فيه أجمل أيام حياتي ولي فيه ذكريات جميلة فقد كان يعني لي الكثير، وعندما أطلب من زوجي العودة إلى قريتنا وبناء منزل آخر، يرفض ويجيبني قائلاً ( هل تضمنين لي ألا يهدم ثانية بسبب القصف ؟ ) "
ويبقى تهدّم المنازل والمباني في ظلّ الحرب السورية يشكّل مشكلة كبرى تؤرّق السوريين، ويعجزون عن حلّها وتنذر بخراب كامل للبلاد، وتساهم في نشر الفقر مادامت الحرب قائمة ولم تتوقّف.