جرائم الشرف، الظلم المستمرّ
لم تكن تعلم دينا، الطالبة الجامعية، أنها سوف تُقتل مرّتين، ففي ذلك اليوم من العام 2012، كانت تستقلّ الباص في طريقها إلى دمشق، إلى الجامعة، حيث تمّ إنزالها على أحد الحواجز التابعة للمخابرات العسكرية، ومن ثم اقتيدت إلى أحد الفروع الأمنية في دمشق، كانت تهمتها أنها أخت أحد مقاتلي المعارضة المسلحة، وهناك تعرّضت للتعذيب الشديد، وتعرّضت للاغتصاب عدّة مرّات من عناصر الفرع بوحشية كبيرة، بقيت في السجن عدّة أشهر لتخرج بعدها، وتغادر مع أهلها ووالدها الذي لا يعرف حتى ذلك الوقت ما حصل مع ابنته إلى إحدى الدول المجاورة لسورية، لتعيش دينا حياة يملؤها رعب من أن يعرف والدها بقصتها، ولكن بعد ثلاث سنوات عرف الأب بما حصل، فاتّخذ قراره بغسل العار كما يراه ويراه الكثيرون في المجتمع، فعاد بعائلته إلى مدينته في سورية، ليرتكب جريمته في قتل ابنته التي قُتِلت قبل ذلك عن سبق إصرار، في ظل عدم وجود أي قانون رادع لهذا النوع من الجرائم.
جرائم الشرف، هي جرائم قتل يتمّ ارتكابها من قِبَل أحد أفراد أسرة ما من الذكور، بحقّ امرأة أو فتاة، من نفس الأسرة، لأسباب تتعلّق بارتكابها عملاً ما يخلّ بالأخلاق، كالزنا أو إقامة علاقات غير شرعية، وأحياناً لمجرّد الشبهة، من أجل الحفاظ على الشرف بالطريقة المسمّاة غسل العار.
التاريخ القانوني لجرائم الشرف في سورية
لم يرد في قانون العقوبات السوري ما يسمّى بجرائم الشرف، بل سُمّيت بجرائم الاعتداء على العِرض، ونصّ عليها في المواد 489 – 507 ، وقد راعى المشرّع السوري عند تنظيمه لأحكام هذه الجرائم أن يكفل الحقّ للمجتمع في صيانة العِرض، ومصدر أهمّية هذا الحقّ أنه تجسيد قانوني لشعور طبيعي موجود لدى كل فرد وهو الشعور بالحياء.
وقد اعتبر القانون أن جرائم الشرف هي جرائم قتل وإيذاء، ولكن بدافع شريف، ونصّ على العقوبة عليها في المواد 533 – 534 – 540 وما بعدها بدلالة المادة 192 من قانون العقوبات العام.
كما أعطى أعذاراً محلّة، ومخفّفة للقتل في جريمة الزنا، المنصوص عنها والمُعاقَب عليها في المادة 473 وما بعدها من قانون العقوبات.
وتمّ تبرير كل أنواع التخفيف، والإعفاء من العقوبة في بعض الأحيان بما أُطلق عليه الدافع الشريف، والذي عرّفه الاجتهاد القضائي بأنه " عاطفة نفسية جامحة تسوق الفاعل إلى ارتكاب جريمته تحت تأثير فكرة مقدّسة لديه، قوامها غسل العار الذي ألحقته الضحية به وبعائلته ".
وقد أشار المشرّع إلى ذلك في المادة 192 من قانون العقوبات، حيث لم يترك للقاضي أن يقدّر وفق قناعته إذا ما كان هذا الدافع موجوداً أم لا، بل نصّ على اعتباره سبباً مخففاً متى توافرت أسبابه.
في بداية العام 2011، صدر المرسوم التشريعي رقم 1، والذي تمّ بموجبه تعديل بعض المواد في قانون العقوبات الخاصة بجرائم الشرف، حيث تمّ استبدال المادة 548، بمادة أخرى، نصّت على رفع عقوبة مرتكبي جرائم الشرف الحبس من سنتين كحدّ أقصى، إلى سبع سنوات.
ولكن هذا التعديل في ذلك الوقت لم يمسّ نصّ المادة الأساسي، والذي يمنح الرجال حقّ القتل بشكل أو بآخر، بدلاً من إلغاء المادة بشكل نهائي، أو تشديد العقوبة لدرجة تجعل من يريد ارتكاب هذه الجريمة يتردّد كثيراً قبل إقدامه عليها، ولم يتمكّن المشرّع بذلك من حماية المرأة من هذه الجريمة.
جرائم الشرف بعد الثورة السوريّة
ليس هناك حتى اليوم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، أي سلطة قضائية حقيقية، أوجهاز للشرطة يستطيع ضبط الأوضاع الأمنية، ومكافحة الجرائم الآخذة في الازدياد يوماً بعد يوم، حيث تسيطر فصائل مختلفة على هذه المناطق، وتعمل إمّا وفق المفهوم المناطقي، أو وفق مفهوم مرجعي ديني كما هو الحال في مناطق سيطرة تنظيم داعش.
فوضى القانون، في هذه المناطق والأوضاع السياسية والاقتصادية، وعدم وجود رؤية قانونية وقانون حقيقي يتمّ تطبيقه، زاد من نسبة الجرائم بشكل عام، وجرائم الشرف بشكل خاصّ، حيث باتت اليوم تُرتكب لمجرّد الشُّبهة، كما حادثة ماري، منذ شهرين في أحد المناطق، والتي كانت متزوجة حديثاً، وبعد مدة قام أحد الجيران بإخبار أهلها عن تردّد أحد الأشخاص لمنزل ماري أثناء غياب زوجها، فقام أخوها على الفور بقتلها باستعمال بندقيته، وقد وُجدت في جثّتها 30 رصاصة، ليتبيّن للأهل فيما بعد أن الكلام الذي سمعوه كان عبارة عن كذب، لتكون ماري ضحية عادات وتقاليد بالية، تمّ العمل بها في ظل عدم وجود أي قانون يحمي المرأة في هذه الحالات.
لا يقلّ الأمر سوءاً في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، لكن في تلك المناطق يقوم التنظيم بتنفيذ هذا النوع من الجرائم تحت اسم تطبيق حدّ الرّجْم، أمام حشود من سكّان تلك المناطق، حيث تمّ تسجيل عدّة حالات لارتكاب جريمة الرّجْم، كان من أبرزها، حادثة رَجْم شمسة العبدلله/ من مدينة الطبقة، حيث تمّ اتّهامها بارتكاب جرم الزنا زوراً، من قِبَل عناصر التنظيم، الذين كانوا يلاحقون أفراداً من المعارضة المسلحة، والذين لجؤوا إلى منزل شمسة، التي رفضت تسليمهم للتنظيم، فتمّ اتّهامها بهذا الفعل، وصدر حينها بيان عن داعش يقول باعترافها بارتكاب فعل الزنا لأكثر من مرة، وتمّ لاحقًاً جلب السيدة إلى ساحة السوق الشعبي، حيث تمّ رَجْمها من قِبَل عناصر التنظيم الذين نفّذوا ما اعتبروه حكماً شرعيّاً.
تشكّل أمور عديدة، على رأسها العوامل الاقتصادية، والتعليم، والقوانين، والأعراف والتقاليد، التي تحكم المجتمع، عوامل أساسية تؤثّر في تدنّي أو زيادة نسبة جرائم الشرف، التي لا تزال حاضرة وبقوة منذ عقود طويلة في مجتمعاتنا.
أسئلة بسيطة، ولكنها عميقة بمعناها طرحت حين تمّ الكلام عن جرائم الشرف، ومعرفة رأي شريحة من النساء في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، كان أبرزها، أليس الرجل الذي يخون زوجته هو نفسه الذي يقتلها بحجّة الدفاع عن شرفه؟ أليس ذلك الشاب الذي يقوم بحبس أخته، وضربها، وأحياناً قتلها هو الذي يجالس الفتيات في الجامعات أو المقاهي، أو حتى يقوم بالتحرّش بهنّ في الشوارع ؟
من الصعب الإجابة عن ذلك، في ظل سيطرة مجموعة من العادات والتقاليد التي أثّرت بقوة حتى على قوانين العقوبات، لتجعل من جرائم الشرف أحكاماً بالإعدام خارج نطاق القانون، وتبقى المرأة هي الضحية في كل ما يجري، في انتظار قانون في المستقبل يقوم بإنصافها وحمايتها .