info@suwar-magazine.org

الشرق الأوسط في الاستراتيجيّة الأمريكيّة الجديدة وإعادة موازين القوى

الشرق الأوسط في الاستراتيجيّة الأمريكيّة الجديدة وإعادة موازين القوى
Whatsapp
Facebook Share

 

الزلازل السياسية التي تضرب المنطقة بدءاً من كوردستان وصولاً إلى السعودية هي ليست مَحضَ صُدفة، بل هي نتيجة طبيعيّة لخلل في موازين القوى العالمية الذي بدأ مع عودة روسيا منذ بداية الألفيّة الجديدة بعد فترة من تراجع دورها العالميّ بعد الحرب الباردة وتحوّل العالم إلى نظام القطب الواحد، وترافقت هذه العودة بتعاظم خطر الإرهاب متمثّلاً في تنظيم القاعدة، فبدا الخلل في موازين القوى يظهر شيئاً فشيئاً بعودة روسيا للعب دور القطب الآخر، هذا الخلل بدا واضحاً لمراكز صناعة القرار الأمريكيّ، وهم يرَون أن المؤسّسات السائدة والتحالفات منذ أيام الحرب الباردة لم تَعُد تنفع جمعيها، وعليهم تغييرها بما ينسجم مع ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية الثلاثة حسب جورج فريدمان وهي:

- الحفاظ على توازن القوى في العالم في كل منطقة، وإبعاد التهديدات عن أمريكا.
- بناء وخلق تحالفات ودعم هذه البلدان بالإعانات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية.
- استخدام القوة العسكرية كملاذ أخير.
وإذا كانت مراكز القرار هي من تصنع السياسيات، فان للرئيس وإدارته دوراً رئيساً في وضع السياسات والإجراءات التي من شأنها تحقيق المصالح الأمريكية، أي إن على كل رئيس اختيار إستراتيجيّة للحكم تنسجم مع رؤيته للمصالح الأمريكية؛ لذلك نشهد اختلافاً في السياسة الخارجية الأمريكية من رئيس إلى آخر  ضمن الثوابت الثلاثة، وهذه الاختلافات لها تأثيرات بالغة الخطورة، ليس فقط على الحريات والحقوق والمصالح الاقتصادية للمواطن الأمريكي، بل على جميع المواطنين في العالم، فأيّ قرار بخفض إنتاج النفط سيؤثّر بشكل مباشر على دخل الفرد في سوريا أو العراق أو أي بلد آخر.

فانتخاب الرئيس الأمريكي  منذ انتهاء الحرب الباردة بانتصار الولايات المتّحدة لم يكن يوماً شأناً داخليّاً أمريكيّاً، أقلّها على المستوى الاقتصادي، فالرئيس الذي سوف يتمّ انتخابه في أعقَد نظام انتخابيّ في العالم لقيادة البيت الأبيض سوف يقود أكبر اقتصاد وأكبر قوة عسكرية شهدتها البشرية، وخلال ١٧ عاماً الماضية شهدنا ثلاث إدارات أمريكية مختلفة في منطق التعامل مع القضايا مقابل إدارة روسيّة واحدة، همّها الأوّل إعادة روسيا إلى الواجهة.

وقبل الانتقال إلى تحليل الوقائع التي تشهدها المنطقة، علينا سرد بعض الحقائق عن إدارة ترامب وهي:

- من الواضح أن إدارة ترامب ليس لديها إستراتيجيّة حكم واضحة المعالم، ويبدو أن انتخابه لم يكن فقط مفاجئاً للمراقبين، بل مفاجئاً له ولفريقه ولحزبه.
- إدارة ترامب هشّة وغير متماسكة بالمعنى السياسيّ، ويشوبها الكثير من التخبّط والتناقضات، وهذا يبدو جليّاً وواضحاً من خلال التصريحات بين ترامب وزير خارجيّته تريلسون، وأيضاً ممثّل الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيك هيلي.
- هذه الإدارة قد تكون أكثر إدارة براغماتية بتاريخ الولايات المتحدة رغم محاولات ترامب إضفاء بعض القِيَم من خلال منصّته في تويتر.
 - هذه الإدارة ميّالة إلى إسرائيل، وكان ذلك واضحاً منذ أيام حملته الانتخابية ومستوى تأثير اللوبيّ اليهودي فيها.

 

سوريا

 

لطالما نافس البنتاغون البيت الأبيض على السياسية الخارجية، ولطالما لعب دوراً كبيراً ورئيسيّاً في إعادة موازين القوى إلى نصابها من خلال التدخّل المباشر في ملفّات يصعب على الهجود الدبلوماسية حلّها، ويبدو أن ترامب قد سلّم ملفّ سوريا إلى الجنرال ماتيس الذي يسعى إلى زيادة نفوذها على الأرض وإعادة موازين القوى عن طريق حلفائها مستغلّة حربها ضدّ داعش، فأصبحت المساحة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها ٢٧٪ ، وهي أغنى المناطق في سوريا، مقابل ٥٣٪ للروسيّ وحلفائه، والبقيّة موزّعة بين فصائل المعارضة وجبهة النصرة وتركيا، استمرارها في زيادة نسبة سيطرتها على المناطق المختلفة سوف يحقّق هدفين رئيسين للسياسية الخارجية:

 الأوّل هو الحدّ من النفوذ الروسيّ وعدم السماح له بالسيطرة على مزيد من المساحات وإحكام قبضته على كامل سوريا، والثاني هو تقليص النفوذ الإيراني، وهو هدف مشترك مع روسيا وإسرائيل والسعودية.

بعدها يمكنها التفاوض بشكل أقوى مع روسيا لترتيب ملفّات موازين القوى في المنطقة، ومن ضمن شروط إعادة التوازن الإطاحة بالأسد الحليف القوي لروسيا وإيران، وكان هذا واضحاً من التصريحات الأمريكية بعد طرد داعش من الرقة.

ويبدو أن ماكرون في اتّساق وتنسيق كبيرين مع هذه الإستراتيجيّة، وفي المستقبل قد نشهد تحالفاً أكبر بين الدولتين، إذا ما حافظ الرئيسان ماكرون و ترامب على مقعديهما.

أمّا البريطانيون فهم يشاركون الأمريكيين والفرنسيين بوجوب الإطاحة ببشار، ولكنّهم على خلاف كبير فيما يتعلّق بالدعم الأمريكي لقوات قسد، والخطط الأمريكية لإعادة الإعمار في المناطق التي تسيطر عليها.

ويدرك أردوغان وحكومته تماماً أن موازين القوى تتغيّر على حدود تركيا الجنوبية، وقد تشكّل تهديداً لمصالحها الاقتصادية ودورها في المنطقة، لذلك تحاول هي الأخرى توسيع مناطق نفوذها للتفاوض المستقبليّ.

 

العراق:

 

من موزاين القوى التي كانت تسعى الولايات المتحدة جاهدة للحفاظ عليها هو ذلك التوازن بين العراقيّين والإيرانيّين، إلا أن هذا التوازن انتهى تماماً بعد سقوط نظام صدام حسين عام ٢٠٠٣ وتفكّك الدولة العراقية، ويبدو أن السياسة الجُدد للإدارة الأمريكية أصبحوا يدركون خطورة انهيار هذا التوازن، وما لحقه من انسحاب أمريكي من العراق ووقوع بغداد تحت قبضة طهران، و بَدَوا مقتنعين أن الطريقة الأفضل هي محاربة المحور الشيعيّ الموالي لطهران من خلال محور شيعيّ عراقيّ، وهو ما تجلّى في دعم الأمريكان اللامحدود للعبادي، والضغط على أربيل من أجل دعمه ومساعدته للقضاء على داعش لتحقيق نصر سياسي وعسكري يضمن بقاءه لأربع سنوات، ولضمان إعادة التوازن وضمان استمرار تدفّق النفط، على أن يكون إقليم كوردستان تحت نفوذ البرزاني بشكل كامل؛ كونه أحد قادة المحور السنّي في المنطقة، ولكن يبدو أن إصرار البرزاني على إجراء الاستفتاء رغم اعتراض الولايات المتحدة، جعل التحالف مع أربيل يبدو نتاج ما بعد الحرب الباردة التي يجب تغييرها في وقت نشهد تحالفاً أكبر من السليمانية لسحبها من محور طهران.

 

أمّا البريطانيّون فسياستهم قائمة في العراق من خلال ثابتتين: الأولى هي نظرتها إلى حقوق الشعب الكوردي، وهي نظرة تاريخية منذ أيام الانتداب البريطاني في العراق ومقاومة محمود الحفيد للنفوذ البريطاني، والثاني هي نظرتها إلى بنية المجتمع العربي على أنها بنية قبلية وعشائرية منذ أيام لورنس العرب، وهذا صحيح من الناحية الاجتماعية، ولكن خاطئ جداً من الناحية السياسية، يدفع ثمنه المكوّن السنّي العربي في العراق. لذلك التعامل البريطاني مع ملفّ العراق هو تعامل استخباراتي أكثر منه سياسيّ، وهو ما أشار إليه بعض القادة الكورد في أزمة كركوك.

 

لبنان:

 

بعيداً عن الأخبار التي تتحدّث عن اختطاف أو إجبار الحريري على الاستقالة، على ما يبدو أن الهدف منها هو زيادة الضغط على حزب الله وتركه وحيداً ليتحمّل مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع في لبنان، وخاصة بعد سعي حزب الله إلى إعادة فتح العلاقات بين دمشق وبيروت، وبعد العقوبات الأمريكية على حزب الله، وهذا بحدّ ذاته يشكّل تهديداً كبيراً للمصالح الأمريكية والسعودية.

 

السعودية:

قد يكون الوضع في السعودية هو الأكثر غموضاً، إذ يجري الحديث عن انقلاب من قِبَل الحرس القديم، وعن مؤامرة وإلى ما لذلك.. ولكن أعتقد أنه انقلاب من ولي العهد على خصومه الاقتصاديين الذين لا يشاركون إدارة ترامب التصعيد تجاه إيران خوفاً من تأثّر مصالحهم الاقتصادية، فمضيق هرمز الإيراني يعبر منه ٤٥٪ من نفط العالم، وأيّ ردّة فعل من إيران تجاه أعدائها السياسيّين وإغلاق المضيق، سيصيب مصالح الحرس القديم في المملكة بخسائر بالمليارات، وخاصّة نعلم أن الأسماء التي تمّ استبعادها هي التي  تتحكّم باقتصاد النفط في المنطقة، يُضاف إلى ذلك تغيّر شكل الحكم في السعودية، من حكم أفقيّ إلى حكم عامودي.

 

ففي الأيام المقبلة لن تكون الحرب فقط موجّهة ضدّ داعش، بل ضدّ النفوذ الإيراني في المنطقة؛ لإعادة موازين القوى وبناء التحالفات الجديدة للإدارة الأمريكية وتجديد مؤسّساتها القديمة بعد أن أصبحت هذه التحالفات والمؤسّسات هشّة وقديمة لا تتناسب مع متطلّبات المرحلة الراهنة بعد عودة روسيا إلى الواجهة وازدياد النفوذ- الإيراني في المنقطة وطموحات اردوغان لإعادة أمجاد الدولة العثمانية، وقد نشهد زلازل سياسية كبيرة سيدفع أبناء المنطقة وحدهم ثمنها.

______________

المراجع

- الإمبراطورية والجمهورية في عالم متغيّر  للكاتب جورج فريدمان.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard