النداء والظلم حين يتأسّس..
هنالك ظلم في هذا العالم، ولا جدال في ذلك، ظلم لا يُطاق، كحبّة حمّصٍ في وريد. فلماذا؟ ومن الظالم ومن المظلوم؟ وهل تحتاج تلك الأطروحة إلى دلائل لإثباتها؟.
يشعر الكثير من الناس، أفراداً كانوا أمْ جماعاتٍ، بالظلم والقهر. على سبيل المثال يقضي الأخ الأصغر حياته وهو يتشكّى من سلطة أخيه الأكبر، والأكبر يمضي سنين عمره وهو يشعر بالظلم لأنَّ أخاه الأصغر قد احتلّ مكانه، ذات يوم، عند أمه. والبنت تشعر بالظلم لأنَّها لا تُعامَل مثل أخيها، والأب بدوره يحقّ له أنْ يشعر بالظلم، وإنْ كان لا يبديه، لأنه لم يعد حرّاً، بل مقيّداً بأولاده وحاجاتهم، والأمّ كذلك ينتابها ذلك الشعور لأنه لم يُتَحْ لها أنْ تعيش حياتها كما تريد، ولم تحقّق أمانيها، وبسبب ذلك يغدو الأولاد مطيّة آبائهم وأمهاتهم ليحقّقوا من خلالهم أحلامهم الفائتة، وذلك ظلم آخر لا حدود له.
أمَّا بالنسبة للجماعات والأمم، فما أكثرها تلك التي تعتقد أنها كانت أو ما زالت في موقع الضحية على مرّ التاريخ، ومنها من يتمنّى أنْ يكون في موقع الضحية، أي في موقع المظلوم، كما هو الحال الآن في ألمانيا، على سبيل الذكر وليس الحصر، حيث يعتقد بعض الألمان أنهم أصبحوا ضحايا لأنَّ بلادهم غزاها اللاجئون. وبطبيعة الحال يعتقد هؤلاء اللاجئون أنهم ضحايا مظلومون، فلماذا يشعر الجميع بالظلم؟ وفي أي لحظة يبدأ ذلك الشعور بالتشكُّل والنموّ؟ هل يبدأ مع الإذعان للنداء؟ أمْ ماذا؟ وأيُّ نداءٍ ذاك ما يؤسّس بداية شقائنا؟.