سوريا ...مجتمعات العسكرة
ج1
"نعيش حالة حرب والسلاح منتشر بين المقاتلين والمدنيين، ولايمكن الحد منه في الوقت الحالي".
جملة أصبحت تبرر انتشار العسكرة بمفهومها الواسع في البيئات الاجتماعية السورية كانتشار العنف وفوضى السلاح والجرائم الجنائية، 7 من بين 10 أشخاص يملكون السلاح في محافظتي حلب وإدلب حسب إحصائية تقريبية. تتعدد دوافع استخدام السلاح وكذلك ذهنية استخدامه أيضاً.
تنتشر محال بيع السلاح في ريفي حلب وإدلب كما محال البقالة، ورغم قيام شرطة حلب الحرة بدوريات ليلية ونهارية، لايمكن ضبط محلات بيع السلاح بسبب عدم سن قانون يجرم تجارة السلاح، إضافة لسهولة الحصول عليه من خلال التجارة الفردية.
الآيديولوجية أداة لعسكرة المجتمع
بعد سبع سنوات من الحرب استقرت أطراف الصراع السوري في مناطق سيطرتها، وأصبح لكل منها قطعة أرض وسلاح ومنظومة فكرية تدعم إدارتها و تعبئتها لعسكرة مجتمعاتها المحلية.
جاء حمل السلاح كمهنة جديدة شكلت بديلاً ظرفياً عن اختفاء بعض المهن والوظائف في قطاعات الدولة، إضافة لتدهور الحياة الاقتصادية والمعيشية للمناطق التي شن النظام السوري حربه عليها.
من أبرز الحملات التي تمت لتجنيد الشباب وحضّهم على حمل السلاح كانت حملة "انفروا" (نيسان 2016)، التي أطلقها الشيخ السعودي عبد الله المحيسني الشرعي في جبهة تحرير الشام " جبهة النصرة" سابقاً.
استطاعت الحملة التي أطلقتها "النصرة" المصنّفة على قوائم الإرهاب تجنيد الآلاف بينهم 500 طفل، اعتماداً على خطاب المحيسني الديني الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وخُصِّصَتْ له آلاف الملصقات الدعائية في حلب وإدلب.
وعد المحيسني المقاتلين "بالحور العين" وحرضهم للدفاع عن النساء ومحاربة "النصيرية"، إضافة إلى الرواتب التي يتقاضاها المقاتلون بشكل اعتيادي.
كذلك اعتمدت بعض الفصائل العسكرية المحسوبة على الجيش السوري الحر على الخطاب الديني للحضّ على القتال، مثال ذلك خطاب العقيد عبد الحميد زكريا القيادي في "جيش إدلب الحر"، قبل انطلاق معركة "وقل اعملوا" في حماة (23-3-2017)، إذ وصف زكريا قوات النظام بالقوم الكافرين، وتحدث عن الجنة، وأبوابها المفتوحة للمجاهدين.
رداً على حملة "انفروا" أطلق ناشطون مدنيون حملة "لا للسلاح بين المدنيين"، وقال المكتب الإعلامي للحملة لـ (صور) إن الشباب المنخرطين ضمن صفوف الفصائل العسكرية يتجولون بأسلحتهم بين المدنيين بعيداً عن جبهات القتال، "فيما يحمل عناصر الشرطة أسلحتهم معهم إلى المنزل، ما يشكل خطراً على الآخرين في حال استخدم هذا السلاح في غير محله".
المكتب الإعلامي لقيادة شرطة حلب الحرة (الريف الغربي) أفاد (صور) بالتقرير نصف السنوي للعام الحالي 2017، حيث يبين التقرير وقوع 22 جريمة قتل، وتسجيل 16 حالة شروع بالقتل، و 271 جريمة سرقة، و 87 حالة مشاجرة،فيما الإيذاء الجسدي 49 حالة، و 14 حالة سلب باستخدام السلاح، والتهديد به.
في الرابع من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وثقت حملة "أطفال لاجنود" مقتل الطفل "محمد أحمد يسوف" الملقب "أبو بكر الحلبي"، قُتل يسوف ابن الـ 15 ربيعاً في صفوف "جبهة فتح الشام" بمعارك ريف حماة الشرقي، وهو حلبي من سكان مدينة سراقب، حسب ما أفاد فريق الحملة (صور).
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش وثّقت حتى مايو/أيار 2014 مقتل 194 طفلاً "غير مدنيين" من الذكور، منذ سبتمبر/أيلول 2011، مع الإشارة إلى أن عدد الأطفال المنخرطين مع أطراف الصراع السوري ليس معروفاً.
كما أفاد تقرير صادر عن مركز "مكافحة الإرهاب" التابع للجيش الأميركي، في (ويست بوينت) في 2016، أن نحو 89 طفلاً وصبياً، تراوحت أعمارهم بين 8 و18 سنة لقوا حتفهم في معارك لتنظيم داعش.
الأكراد وقانون الحماية الذاتية
أقرت "هيئة الدفاع والحماية الذاتية" في المناطق الكردية قانون التجنيد الإجباري تحت مسمى واجب الحماية الذاتية في نيسان 2014، بعد قرابة ثلاثة أشهرعلى إعلان "الإدارة الذاتية الديمقراطية". وينص القانون على تجنيد الذكور والإناث الذين تتراوح أعمارهم بين 18 - سنة 30 لمدة لا تتجاوز ستة أشهر حينها.
مصادر من "الإدارة الذاتية" الكردية قالت لـ (صور) إن القانون راعى أوضاع الموظفين، ولم يتأثر به الطلبة الذين كانوا يقدمون ثبوتيات تؤكد تأجيلهم الدراسي. ويبدو ذلك صعباً من الناحية العملية بسبب انقطاع الطلاب عن جامعاتهم مع استمرار المعارك وصعوبة الوصول للتسجيل في الجامعات، حسب ما قال لـ (صور) أحد المجنّدين إجبارياً في "وحدات الحماية الشعبية"، والذي طلب عدم الكشف عن هويته.
بدأت حملات التجنيد الإجباري في المناطق الكردية مع إعلان القانون وبدء هجمات تنظيم "داعش" على مدينة عين العرب كوباني 14 أيلول/ سبتمبر، واستمرت الحملات لاحقاً مع تشكيل قوات سوريا الديمقرطية "قسد" وسيطرتها على مدينتي منبج والرقة.
حيث تظاهر مدنيون أوائل شهر تشرين الثاني/نوفمبر في مدينة منبج وقرى قربها، ترافقت مع إضراب عام للمحال التجارية في المدينة، على خلفية فرض "المجلس التشريعي" التابع لـ"قسد" قانون "التجنيد الإجباري" بعد إجتماع مع شيوخ العشائر.(1)
كما شنت "قوات سوريا الديمقراطية" "قسد" بتاريخ 2 تشرين الثاني 2017 حملة للتجنيد، اعتقلت خلالها عشرات الشبان في قرى شمال وغرب مدينة الرقة شمالي شرقي سوريا، انطلاقاً من قرية حزيمة وصولا إلى بلدة سلوك شمال مدينة الرقة، إضافة لحملة مشابهة في قرى أبو قبيع غربي مدينة الرقة حتى قرى شرق مدينة الطبقة.
الحملة استهدفت شبان تتراوح أعمارهم بين 17 و31 عاماً، دون تحديد المعسكرات التي سيرسَلون إليها (2).
”في 5 يونيو/حزيران 2014، وقعت وحدات حماية الشعب "صك التزام" مع منظمة نداء جنيف غير الحكومية تعهدت فيه بتسريح جميع المقاتلين دون سن 18 سنة في غضون شهر. وبعد شهر، قامت الوحدات بتسريح 149 طفلاً. ورغم الوعد الذي قدمته، وتحقيق بعض التقدّم، وثقت هيومن رايتس ووتش على امتداد السنة الماضية التحاق أطفال دون سن 18 سنة بالقتال في صفوف وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة التابعة لها. واعتماداً على مصادر عامة، يبدو أن بعض الأطفال دون سن 18 سنة ممن قاتلوا مع قوات "وحدات حماية الشعب" قتلوا في معارك في 2015." (هيومن رايتس ووتش).
التجنيد دفاعاً عن القضية
العسكرة أصبحت جزءاً يوميا متفاعلاً بالهم السوريّ. في منطقتنا أقصد شمال سوريا، والمناطق الكردية، حَمل السلاح من قبل الكثير من الشبان هو من الهموم الأساسية، والتبرير هو أن الكرد أصحاب قضية أساسية في البلاد أي عليهم أن يكونوا ثواراً، والتبرير الثاني هو الوضع العام ما يعني أننا أمام معضلة كبيرة على مستوى عموم سوريا، حتى الأطفال يريدون اليوم ممارسة دور المسلحين.
بهذه الكلمات يصف الصحفي الكردي السوري ومدير منظمة برجاف للإعلام والحريات فاروق حجي مصطفى الوضع الراهن في المناطق الكردية.
ويضيف مصطفى في حديثه لـ (صور) أن الكل السوري دفع بالأوضاع للعسكرة، النظام أراد ذلك ليبرر قمعه وليتراءى بأنه يمارس سلطة القهر للحفاظ على السيادة، والمعارضة بررت بأنه لا يمكن مواجهة هذا القمع دون حماية المظاهرات، بداية بالكلاشينكوف، وانتهاءً بالفرق والكتائب، والقطعات العسكرية.
"الناس تأثرت بالوضع وصدقوا أن الثورة ستنجح من فوهة البندقية، ولذلك اتجهت الأوضاع نحو العسكرة، وصار اقتناء السلاح من أولويات الناس لشعورهم بأن الوضع مقبل على الفوضى، ما يعني بأنه من الضروري بمكان ما حماية الأنفس، وهذا ما دفع بالأباء لتعليم أبنائهم الصغار والكبار استخدام السلاح، وأيضاً النساء، إلا أن "الإدارة الذاتية" تحاول حصر السلاح بيد وحدات الحماية الشعبية".
ويتابع مصطفى "نرى في بعض الساحات كيف يلعب الأطفال بالعصي على أنها سلاح، يوزوعون أداور الحراسة والحواجز، و يقسمون بعضهم بين مقاتلين معارضين وتابعين للنظام، بالفعل تعسكر المجتمع السوري إلى حد كبير، وفي ظل فقدان الفاعلين في حقل المجتمع المدني للبوصلة، فإن الوضع سيزداد سوءاً".
المعارضة السياسية والدعوة للعسكرة
"فرض النظام السوري واقعاً موضوعياً على الأرض باستخدام العنف تجاه المجتمع والمظاهرات وقوى التغيير، ما أنتج ردود فعل في الحالة السورية على عمليات القتل والمجازرالتي نفذها النظام، ومن الطبيعي أن يلجأ الناس لحماية أنفسهم"، بحسب ما قال المحامي والمنسق العام لـ "تجمع مصير" أيمن أبو هاشم لـ (صور).
ويرى أبو هاشم أن أسباب فشل مأسسة العسكرة تعود لعوامل ذاتية وموضوعية، ويتعلق العامل الذاتي بقوى الثورة والمعارضة السياسية التي لم تملك استراتيجية لإدارة المجتمع من جميع النواحي، وخاصة العسكرية لإدارة الصراع مع النظام على كل المستويات في مناطق سيطرتها.
الدول الداعمة للمعارضة السورية رفضت مأسسة الجيش الحر، كان من الواضح أنها تريد تشتيت العمل العسكري واستثماره لمصالحها، ومثال ذلك غرف العمليات العسكرية المنفصلة واعتمادها على التمويل وتحركها لجهات معينة تفرض عليها قرارها.
يقول أبوهاشم "العاملان الذاتي والموضوعي أدّيا لفوضى السلاح، وانعكس ذلك على تفاصيل حياة المجتمع. غياب أي تشريع قانوني ينظم حمل السلاح، ويوجّهه لحماية المجتمع، أدى لاستخدامه لمقاصد شخصية، وللسيطرة والاقتتال الداخلي بعيداً عن السلاح المنضبط بإطار مؤسسي له شروط لاستخدامه، فاستخدام السلاح للترهيب والتخويف، أدى لهوة كبيرة بين المجتمع والفصائل العسكرية".
ويضيف أن "الفصائل العسكرية المتطرفة استخدمت الخطاب الديني/الأيديولوجي لإخضاع وتركيع المجتمع، ومن لا يقبل بذلك يتعرض لتهديد وابتزاز. حتى المحاكم الشرعية تمارس دور التغطية على الانتهاكات الحقوقية والإنسانية بحق المدنيين".
بتاريخ 24 فبراير 2012، طالب برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري المعارض مؤتمر "أصدقاء سوريا " الأول في تونس بالاعتراف بالمجلس ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري.
وقال في كلمة أمام المؤتمر إن المجلس سيتكفل "بتخصيص رواتب ثابتة لعناصر الجيش السوري الحر".
وكان مؤتمر"أصدقاء سوريا" قد بدأ أعماله بمشاركة أكثر من 70 من ممثلي الدول الغربية والعربية لبحث سبل تصعيد الضغوط على النظام السوري لوقف العنف، حسب ما أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون.
وقالت تقارير إن المؤتمر بحث أيضاً طلب المعارضة تسليحها لمواجهة قوات النظام السوري.
فيما أكد وزير الخارجية السعودي آنذاك سعود الفيصل دعم بلاده لتسليح المعارضة السورية. (5).
*المصادر
(1-2-3)وكالة سمارت
(5) رويترز