عن الاستقرار وآليّات السلطة في بناء الهوية المشتركة
لكلّ مجتمع ميزاته من حيث التفكير الجمعيّ والروابط الاجتماعية والثقافية والفكرية التي يحدّد بناءً عليها خياراته، ويقرّر بطريقة أو أخرى مستقبله. ومن الصعب علينا تحديد ما يميّز المجتمع السوري والبناء عليه، لأنه منقسم من حيث تعدّد وتنوّع الثقافات، والتي كوّنتها بشكل أساسي انتماءاتهم الدينية والثقافية، ولكنّ هذا لا ينفي وجود مشتركات كثيرة بين المجتمعات المحلّية السورية المختلفة.
فالمجتمع السوري برمّته يشبه جميع المجتمعات التي تسعى دائماً إلى تطوير آليّات للتأقلم مع الظروف الراهنة، والسعي إلى اختيار أفضل السيّئين ممّا يساعده على الاستمرار في العيش. وهذا يفسّر بعض الاختيارات المتناقضة للمجتمعات السورية في ظلّ وضع مثل الوضع السوري، فتقبّل السوريين للعيش في كنف بعض الأطراف، هو اختيار أفضل السيّئين، وسكوت كثير من المجتمعات عن الانتهاكات من الأطراف المحلّية المختلفة، هو بدافع مصلحة مشتركة ليس أكثر، وهو يشكل باللاوعي والعقل الجمعيّ تأجيل للصراع إلى ما بعد الاستقرار.
وفي الحديث عن الاستقرار نرى أنه يوجد نوعان للباحثين عن الاستقرار، فالنوع الأوّل يربط الاستقرار بالأمن والخدمات الرئيسة، وهم الغالبيّة العظمى من السكّان، ويمكن تسميته بالاستقرار المؤقّت، والنوع الآخر هو ذلك الذي يعطي الاستقرار بُعداً عميقاً، ويربطه بالحقوق والحرّيات، وهم فئة قليلة، وهو يشكّل أحد الأسباب الرئيسة التي تدفع الناس إلى تغيير ولاءاتهم بتغيُّر قوى السيطرة، وهي لا تشكّل سوى آليّة تأقلم مع الظروف الآنيّة.
وعليه.. يتوجّب على القوى السياسية المسيطرة في الوقت الراهن ألّا تجهد نفسها للاستيلاء على السلطة، بل يجب أن تجتهد لتغيير السلطة نفسها، وبناء هوية مشتركة للسوريين، وعليها أن تُدرك أن بناء الهويّة الوطنية ليس نتيجة ثقافة وتاريخ أُحاديّ، بل هو نتاج ثقافة وتاريخ متعدّد الجوانب، وعليها أن تدرك جيداً أن الأجيال القادمة لن تكون معنيّة بالقدر الكافي في الصراعات على السلطة بشكلها الحالي، وسيكون لها توجّهات وقِيَم مختلفة كلّياً عن الوضع الراهن، وهذا يتوقّف بشكل أساسيّ على عدم تطبيع الأجيال وفق إيديولوجيات ضيّقة، لذلك كل ما علينا فعله، هو ترك الأجيال القادمة تختار ما تراه مناسباً.