النظام السوري يضرب بقرار الهدنة عرض الحائط ويستمرّ بإبادة الغوطة الشرقية
"فقدتُ طفلتين من طلابي الأولى كانت في الصف الأول والثانية في الصف الثالث، إضافة إلى 3 من رؤساء الدوائر بمديرية التربية استشهدوا، ولا نستطيع تقدير أعداد الأطفال المفقودين طالما نحن في الملاجئ، وطالما أن هناك من هم تحت الرّدم ولم يستطع أحد إخراجهم".
بهذه الكلمات تصف الآنسة مها عكاشة التي تعمل في مؤسّسة البراعم التعليمية المشهد في الغوطة الشرقية التي تشهد أعنف الحملات العسكرية تجاه مدنيّيها في الأيام الأخيرة، حيث قُصِفت بالبراميل المتفجّرة وغاز الكلور السام، ومُنِعت عنها المساعدات الغذائية والإنسانية ليواجه مدنيّوها الموت بصمت.
وتعتبر الغوطة الشرقية التي تتعرّض للحرب والحصار منذ عام 2013 المدخل الجنوبي الشرقي للعاصمة دمشق، وتشرف بشكل مباشر على طريق مطار دمشق الدولي، وتتّصل بطرق مباشرة بمحافظتي درعا والسويداء باتّجاه الحدود الأردنية من جهة الجنوب، وباتّجاه الحدود العراقية من جهة الشرق، وهي آخر معقل للمعارضة قريب من العاصمة.
القوى الدولية تتصارع للسيطرة على الغوطة بكل ما أوتيت من أسلحة، فتارة تشهد حصارأ وتارة أخرى تشهد قصفاً يصل حدّ التدمير، لتصبح بيوتها وبناها التحتية من مدارسَ ومستشفيات ومحالّ تجارية ومحطات كهرباء ومياه أثراً بعد عين.
يقول الصحفي علاء الأحمد لـ(صُوَر) وهو رئيس مجلس إدارة في مكتب دمشق الإعلامي في الغوطة الشرقية "إن النظام استخدم أسلحة محرّمة دولياً مثل النابالم والفوسفور في بلدتي عربين وحمورية ليلاً على المدنيّين، وتمّ توثيق هذا الاستهداف بمقاطع فيديو ".
قرار الهدنة:
بعد أيام من القصف العنيف على الغوطة الشرقية أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2401 القاضي بوقف إطلاق النار من قِبَل جميع الجبهات لمدّة 30 يوماً، شهدت الهدنة في أول ساعتين من تطبيقها هدوءاً لم يستمرّ بسبب خرق النظام له بـ 6 قذائف على الأقل على حرستا ودوما.
ويؤكّد ذلك مدنيّون من داخل الغوطة الشرقية، فيقول الصحفي علاء الأحمد لـصُوَر "لم يلتزم النظام السوري بقرار 2401 الذي صدر عن مجلس الأمن بإيقاف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، وإجلاء الحالات الطبية الخطيرة من داخل الغوطة الشرقية، بل قام بالمقابل باقتحام الغوطة من أكثر من 4 محاور، وهي جوبر وحرستا والزريقية والشيفونية والمحمدية، وقام باقتحام برّي مدعوم بالطيران الحربي والمدرعات الثقيلة".
الوضع الإنساني:
يمكن أن يأخذ المرء صورة نتيجة ما تمّ ذكره عن حالة الغوطة بعد القصف والدمار اللذين طالاها فبعد أن دُمّرت البيوت والأبنية انعدمت الحركة تماماً، وخلَت الشوارع من أي صوت بشري، فلا صوت إلا أصوات القذائف والقنابل والصواريخ.
تقول الآنسة مها عكاشة التي تعمل في مؤسّسة البراعم التعليمية الخيرية المهتمّة بشؤون المرأة والطفل في مدينة كفربطنا في الغوطة الشرقية لـ (صُوَر) "منذ أكثر من شهر والوضع متوتّر بشكل كبير في الغوطة، والقذائف لا تهدأ سواء في الليل أو في النهار، والعملية التعليمية متوقّفة تماماً نتيجة استهداف النظام للمدارس بشكل ممنهج، ولقد خسرنا الكثير من كوادرنا قبل هذه الحملة الشرسة التي بدأت منذ عشرة أيام، لقد خسرنا فيها قسماً من طلابنا"، وتضيف "توجد مراكز تعليمية دُمّرت تماماً، ومؤسّستنا دُمّرت جزئياً، الناس هنا في الملاجئ، ولا نستطيع الخروج لرؤية ضوء النهار، والجميع يعاني من الخوف والجوع".
في بيان صحفي أصدرته شبكة حرّاس المتخصّصة في مجال الدعم النفسي والاجتماعي في بلدة داريا القريبة من العاصمة دمشق أعلنت تعليق عملها في الغوطة الشرقية "في الأيام الماضية شهدت مدن وبلدات الغوطة الشرقية تصعيداً كبيراً من قِبَل النظام السوري وحلفائه، وأُعلِنت منطقة منكوبة وبناء على ذلك تمّ تعليق الدوام في مكاتبنا ابتداء من يوم الأحد 18/2/2018 حتى إشعار آخر، حيث سقط عدد كبير من الصواريخ بالقرب من مكتبنا في دوما وبالقرب من المساحة الصديقة للطفل في بيت سوا ومسرابا".
يقول حسام حليمة من مواطني الغوطة الشرقية ومن مؤسّسي المكتب الإغاثي الموحّد و يعمل حالياً في القيادة الثورية لدمشق وريفها لـ (صُوَر) "أنا الآن موجود مع عائلتي في ملجأ، وهو عبارة عن قبو لأحد الأبنية، حركة الأهالي معدومة المحالّ التجارية مدمّرة، أمّا الذي لم يُدمَّر فهو فارغ ومغلق ولا يمكن لصاحبه أن يفتحه حتى ولو كان لديه مواد غذائية".
ويضيف بأن وضع الأهالي في الأقبية سيئ جداً، بعض العائلات لم تأكل منذ أكثر من ثلاثة أيام، فمن كان يدّخر بعض المواد في منزله يقوم بإخراجها على دفعات، ويتشاركها مع جيرانه، والبعض الآخر يكتفي بأكل خبز الشعير".
يقول علاء الأحمد لـ (صُوَر) عدد سكان الغوطة 365 ألف نسمة تقريباً، جميعهم يقطنون داخل الملاجئ بسبب القصف العنيف، هناك ملاجئ مضى عليها 72 ساعة ولم تتناول غير وجبة واحدة بسبب إغلاق المحالّ التجارية بسبب القصف العنيف.
المؤسّسات الإغاثية:
بعد حصار دام قرابة 5 أعوام ترافق مع قصف دائم لا يهدأ، انعدمت مقوّمات الحياة وشُلّتِ الحركة تماماً، يصرّح حسام حليمة، لو تمّ الالتزام بقرار الهدنة لكان أَثــَّر إيجابياً على عمل المنظمات والمؤسّسات في الغوطة الشرقية، ولكن إلى الآن لم يُطبّق القرار، ومازال القصف مستمرّاً.
"توجد مؤسّسات ومنظمات كثيرة، لكنها لا تستطيع تقديم شيء؛ بسبب نقص المواد الغذائية وصعوبة تنفيذ أي مشروع إغاثي بسبب القصف المستمرّ وصعوبة الحركة"
أمّا الأحمد فيعزو عدم عمل المؤسّسات لسبب إضافي، فيقول لـ (صُوَر): تساهم المؤسّسات الإغاثية الموجودة في الغوطة بالمساعدات الغذائية وحليب الأطفال، لكن في حالتنا يتوفّر المال، ولا توجد مواد غذائية بسبب الحصار".
الوضع الصحّي:
أعلنت مديرية الصحّة في دمشق وريفها التابعة لوزارة الصحة في الحكومة المؤقّتة في 25 من الشهر الجاري شباط /فبراير 2018، استقبالها عدداً من الحالات من بلدة الشيفونية، تظهر عليها سريرياً اضطرابات تنفّسية وهياج ودوار وتخريش في الأغشية المخاطية والعيون، ما يُؤكّد تعرّضها للإصابة بغاز الكلور السام.
"أسفر قصف النظام السوري منذ 9 أيام إلى هذه اللحظة عن 500 شهيداً و3500 جريحاً، إضافة إلى خروج أكثر من 20 نقطة طبّية عن الخدمة بشكل نهائي، وباقي النقاط مهدّدة أيضاً بسبب نقص المواد الإسعافية الأولية، ونقص الأدوية والمواد الطبّية والمعدّات، وبسبب القصف الروسي بالطيران الحربي الليلي بشكل مباشر" بحسب الأحمد.
أمّا حسام حليمة فقال لـ صُوَر "الوضع الصحّي يتأزّم بشكل كبير في الأقبية وذلك لعدم تهيئة هذه الأقبية بالمعدّات اللازمة لهكذا أزمات، بدأت تنتشر حالات قمل عند الأطفال، ففي الأقبية لايوجد تهوية ولا ضوء ولا دفء إلا ما ندر، وهناك تفاوت كبير في حالة الأقبية بين واحد وآخر، حسب الوضع المادي للشخص الذي قام ببنائه سابقاً قبل الثورة، فغالبية الأقبية بدون خدمات لوجستية".
يتخوّف اليوم مدنيو الغوطة الشرقية المحاصرون من أن تصبح الغوطة حلب ثانية، حين كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة، إذا لم يتمّ الضغط على النظام السوري لوقف القصف والتزامه بالهدنة، حتى يتمّ إدخال المساعدات الإنسانية إليها وإنقاذ من تبقّى من مدنيّيها.