"تسَلُّط" في السُّلْطَة الرابعة
إنَّ كلَّ الدَّوال الظاهرة، رغم تعاقبها وتباعدها، تشير الى وجود مدلول ما مضمر، فاستمرار سفك الدماء الذي تُمارسه العشائر الإبراهيمية يُرسخ ذلك الاستنتاج الذي يسعى الجميع لطمس معالمه والتشويش عليه. فعلى سبيل المثال تفضّل وسائل الإعلام المختلفة استخدام كلمة لاجئين بدلاً من ضحايا، حيث أنَّ كلمة ضحايا قد تستنفر، لاشعورياً، في الذهن وفي المخيلة، أبعاداً ومضامين أخرى، مثل كلمة جُنَاة، وغالباً ما يكون للجناة شركاء وحماة وداعمون. وفي الآن عينه يشير استمرار تدفّق الأضاحي الى أنَّ الربَّ، كما جاءَ في سِفْرِ ناحوم، ما زالَ في حالة سخط وغضب شديد.
بالطبع نحن لم نعد نقدّم الأضاحي البشريَّة بطريقة مباشرة أو بسيطة، كما في فيلم "أبوكاليبتو" للمخرج المعروف ميل غيبسون، فالعلمُ ساعدنا على تطوير ذكائنا وعبقريّتنا، وبفضله غدونا أَشَدَّ مكراً ودهاءً. فهنالك من يصنع آلات القتل، وهنالك من يستخدمها، وهنالك من يضع القانون وهنالك من يعطّله، ومن خلال تلك العمليات المعقّدة يتمّ تقديم الأضاحي البشرية للآلهة الغاضبة، ومن يتبقّى من ناجين أو لاجئين فإنَّنا نعيد تدويرهم واستخدامهم في صناعاتنا المتطوّرة.
ذلك الذكاء والدهاء ينطبقُ أيضاً على مؤسّسات الإعلام الحرّ، في الدول الديمقراطية، التي لا تُحبِّذُ الإكثارَ من استخدام كلمة ضحايا حتى لا تُعكّر صفو الحياة السعيدة لأولئك المواطنين "الأبرياء" الذي أعطَوا أصواتهم لتجار السلاح وسماسرة الحروب، فصفقات السلاح، التي يُخبرنا عنها هذا الإعلام، شرعية دوماً، أمَّا الهجرة، هرباً من الموت، فهي غير شرعية!.