اللاجئون السوريون .. العودة إجبارية
أوروبا ترفع الكرت الأحمر بوجه اللاجئين السوريين
منظمات انسانية: عودة اللاجئين تعرض حياتهم للخطر
أوروبا استقبلت السوريين بالورد والشوكولا تجهز لهم قطار العودة
تحالفات حكومية أوروبية يجمعها إجبار اللاجئين على العودة
دول عربية وإسلامية مارست العنصرية ضد اللاجئين لإجبارهم على العودة
تحولت قضية اللاجئين السوريين، من قضية إنسانية بحتة، إلى قضية سياسية محضة. وانتقلت التهديدات التي يتعرضون لها، من ممارسات عنصرية، ورافضة لهم، إلى تهديدات فعلية بإرجاعهم قسراً لبلدهم. فما يدور بأروقة المؤسسات الحكومية الأوربية المُضيفة للاجئين السوريين، ينذر بكارثة تعصف بحياة اللاجئين مرة جديدة. الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين ورئيس فريق عمل الأمم المتحدة المعني بسلامة المدنيين السوريين وحمايتهم يان أيغلاند يكشف السر، ويقول: يجتمع المسؤولون داخل أروقة المباني الحكومية في أنحاء أوروبا والشرق الأوسط، لمناقشة سياسات تهدف إلى إعادة الملايين من اللاجئين السوريين إلى وطنهم. واصفاً ذلك بأنه: "من غير الحكمة". بينما وجهت منظمة (ProAsyl) الألمانية، المدافعة عن اللاجئين انتقادات شديدة لكل النقاشات والأطراف المؤيدة لإعادة اللاجئين الإجبارية معتبرة أن الوقت "غير مناسب" للحديث عن عودتهم.
الأرض الخطرة
حذرت ست منظمات وقوى أهلية وإنسانية أوروبية ودولية من تعريض " العديد من الأرواح للخطر" إذا أجبر اللاجئون السوريون على العودة. وفي بيان لهم أصدروه مطلع شباط العام الجاري، بعنوان " أرض خطرة"، أكد كلاً من المجلس النرويجي للاجئين، وجمعية إنقاذ الطفل، ومنظمة العمل ضد الجوع، ومنظمة كير الدولية، والمجلس الدنماركي للاجئين، ولجنة الإنقاذ الدولية، أن الحكومات في أوروبا والولايات المتحدة والمنطقة "تغلق الحدود وتجبر اللاجئين السوريين على العودة، أو تناقش علناً التدابير المتعلقة بذلك، مما يعرض العديد من الأرواح للخطر". وشددت هذه القوى في بيانها أنه رغم الوضع العسكري المتغير في سوريا، فإن البلاد "لا تزال متقلبة وخطيرة" كما يُظهر التصعيد العسكري الأخير في إدلب والغوطة الشرقية.
يأتي هذا التحذير، ودق ناقوس الخطر، وسط تصاعد وتيرة النقاشات في أوروبا بين الأحزاب والقوى السياسية والحكومات، الرامية إلى معالجة قضية اللاجئين جذرياً. وذلك عقب وقف تدفق اللاجئين، عبر إغلاق الحدود في وجه الراغبين بالعبور، إضافة إلى تنامي ظاهرة "العداء" للاجئين، وظهور أصوات " عنصرية" سياسية، تستند إلى قاعدة شعبية، كحزب البديل من أجل ألمانيا (AFD).
ظروف فظيعة
يعيش اللاجئون السوريون في غالبيتهم، والنازحون داخلياً، في "ظروف فظيعة" على حد تعبير إيغلاند، الذي ينبه من أن عودة الغالبية العظمى من الذين فروا من الحرب والعنف الآن، " لن تكون آمنة أو طوعية".
الأعمال العسكرية المنتشرة على مساحة الرقعة الجغرافية السورية، تشكل عامل خطر جدي على اللاجئين المدفوعين رغماً عنهم للعودة، وحالات الهدوء القليلة التي تشهدها بعض المناطق، معرضة بأي لحظة للانفجار من جديد. وتقول المديرة التنفيذية لجمعية إنقاذ الطفل هيلي تورنينج شميت: ينبغي ألا يعود أي طفل إلى بلده قبل أن يكون الوضع آمناً. وتضيف أن أجزاء كثيرة الآن من سوريا "غير آمنة للأطفال"، ولا تزال القنابل تتساقط، كما أن الخدمات الأساسية مثل المدارس والمستشفيات "ما زالت مدمرة".
استمرار الدمار والتفجيرات
تشهد الحرب السورية، التي تدخل عامها الثامن على التوالي في آذار 2018، تشهد تصاعداً ممنهجاً في العمليات العسكرية والقتالية. ولم يؤدي القضاء على تنظيم (داعش) الإرهابي في معقله الرئيسي بالرقة، وملاحقة عناصره إلى الحدود العراقية السورية، لم يؤدي ذلك إلى أن يكون الشمال السوري آمناً. وبالمسطرة ذاتها يقاس على الجنوب السوري، ومحيط دمشق وريف حماه الشرقي. الحرب التي ما زالت تلتهم يومياً نحو مئة شخص، فضلاً عن المصابين والجرحى والدمار المرافق، تنذر بما هو خطير للغاية، وهو ما يناقض الدعوات لإرغام اللاجئين على العودة. ويدلل على ذلك الأمين العام للمجلس الدنماركي للاجئين كريستيان فريز باخ بقوله: العودة الآمنة والمستدامة تعني أنك تستطيع العودة إلى منزلك، وأن تكون آمناً، وتحصل على المياه والتعليم والمساعدة الطبية.
زار فريز باخ مطلع العام الجاري كلاً من حلب وحمص ودمشق، ووصف ما شاهده: "رأيت الدمار وسمعت التفجيرات". ليخلص إلى تسجيل موقف يؤكد فيه أنه مع غياب حل أمني وسياسي مستقر، وضمانات وإعادة إعمار، "ينبغي علينا ألا نرغم الناس على العودة". ويضيف: نحن بحاجة إلى أن تكون عودتهم طوعية وآمنة ومستدامة، وإلا "فلن يرحمنا المستقبل، وسيذكرنا بفشلنا".
ويرى إيغلاند إنه في الوقت الراهن، حتى في بعض المناطق التي تدعى مناطق خفض التصعيد، فقد رأينا "إراقة للدماء، واستهداف للمستشفيات والمدارس، والموت".
السير على الجثث
تتصاعد موجات الرفض والقبول للاجئين أوروبياً، وزمن استقبالهم بالورود وتوزيع الشوكولاته عليهم انتهى. ففي ألمانيا التي تشير الإحصاءات إلى استقبالها أكثر من 650 ألف لاجىء سوري، فضلاً عن غيرهم من جنسيات أخرى، ما يزيد عدد اللاجئين إلى مليون، بدأت الأصوات "القومجية" بالظهور للعلن، وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت في أيلول العام الماضي، حقق حزب البديل من أجل ألمانيا الرافض للاجئين، مكاسب سياسية جديدة (13% من المقاعد)، مقابل تراجع شعبية حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل الذي حصل على 32.9% من المقاعد، والحزب الاشتراكي الديمقراطي ( 20.8% من المقاعد)، وهما الحليفان التقليديان في ألمانيا الاتحادية.
قراءة هذه النتائج بشكلها الحقيقي، يمكن اختزالها بدخول المفاوضات من أجل تشكيل الحكومة شهرها الخامس، للتوصل إلى اتفاق معقول لتشكيلها، مشروطاً بإجراء تصويت لدى الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وأتت أول الوعود الانتخابية لحزب البديل من أجل ألمانيا، بتقديم كتلته البرلمانية أواخر تشرين الثاني الماضي مقترحاً لإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. ودلل منسق الكتلة البرلمانية لهذا الحزب الشعبوي بيرند باومان، على موقف حزبه بأن الأوضاع في سوريا "أصبحت أفضل" من السابق، لذلك يتوجب على الحكومة الألمانية التواصل مع النظام السوري ورئيسه بشار الأسد من أجل "الترتيب لعودة اللاجئين السوريين الموجودين في ألمانيا إلى بلدهم". ورأى الحزب أن الحرب "شارفت على نهايتها" في سوريا، وأن المعارك انحسرت إلى 10% من مساحة البلاد.
صحيح أن هذا المقترح، قابلته ردود أفعال مستهجنة وغاضبة أحياناً، ورافضة له كلياً أحياناً أخرى، لاسيما من الحزبين اللذين حصلا على أعلى أصوات في الانتخابات، إذ وصف نوابهما هذا المقترح بأنه "شعبوي وساذج"، واتهما نواب حزب البديل من أجل ألمانيا بأنهم "لايعرفون شيئاً" عن الأوضاع في سوريا، أو أنهم يريدون "السير فوق الجثث".
وكذلك هاجم حزب الخضر هذا المقترح ووجهت النائبة عنه لويزا أمتسبيرغ انتقادات قاسية جدا لطلب الحزب اليميني، بقولها إنه "بلا قلب ويعبر عن جهل".
لكن المفاجأة العميقة كانت أثناء المفاوضات الماراثونية لتشكيل الحكومة، بين الحزبين الرافضين للطرح السابق، المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي، إذ كانت من القضايا العالقة بينهما كاشتراطات للاشتراكي الديمقراطي لدخوله النادي الحكومي من جديد قضية اللاجئين، وخاصة مايتعلق بلم الشمل للاجئين الحاصلين على حق الحماية الثانوية (الإقامة لمدة سنة). هذا يعني أن الأحزاب التي كانت ترحب باللاجئين باتت تستخدمهم كورقة سياسية، وربما في المقلب الآخر غيرت من اندفاعها المؤيد لهم. كما أن ألمانيا على موعد مهم جداً بالنسبة للاجئين، يتعلق باجتماع مرتقب في حزيران المقبل لوزراء داخلية المقاطعات الألمانية، لمناقشة وإقرار من يجب أن يعود من اللاجئين، أو بمعنى أدق ترحيلهم.
تعكير الأجواء
حالات القبول الكلية للاجئين لم تعد موجودة، الآن ثمة زمن آخر، أحد تجلياته هو الترحيل. الكرت الأحمر الذي ترفعه أحزاب وقوى يمينية أوروبية، يجد قبولاً مخفياً لدى الأحزاب والقوى الأخرى تحت ضغط تشكيل الحكومات والانصياع لمواقف الناخبين. وما جرى في ألمانيا لم يك الاستثناء، إذ انتشرت العدوى في دول أخرى، فتحت حدودها سابقاً أمام اللاجئين، وترى أحزابها اليمينية أن الوقت حان لترحيلهم. ففي النمسا وعقب الانتخابات البرلمانية التي جرت في منتصف تشرين الأول الماضي، أفضت النتائج إلى تشكيل حكومة ائتلافية بين الحزب المحافظ (الديمقراطي المسيحي) الذي تصدر الانتخابات، وحزب الحرية اليميني المتطرف الذي يتبنى سياسات معادية للهجرة ومواقف ضد اللاجئين، وخرج من الحكومة في 2007. وعبر عن ذلك زعيم الحزب هاينز كريستيان شتراخه بقوله: "لقد منحنا الناخبون ولاية واضحة لمعالجة مخاوفهم خصوصاً فيما يتعلق بالأمن". ومن المعروف أن المخاوف الأمنية تتعلق بمخاطر الهجرة واللاجئين، لاسيما بعد تزايد عمليات الدهس الانتقامية التي قام بها لاجئون في أوروبا العام الماضي.
وفي الدانمارك تسود مقولة متطرفة ضد اللاجئين، تستند إلى فكرة "تعكير اللاجئين الأجواء في البلاد"، التي تنعدم فيها الإنسانية، ولاتقيم وزناً للمأساة التي دفعت باللاجئين إلى اختيار بلدان بديلة عن وطنهم الأم. ويقود هذه الطروحات حزب الشعب الدانماركي الذي طالب في كانون الأول الماضي بإرسال اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد هدوء دام بضعة أشهر نتيجة اتفاقات المصالحة، ومناطق خفض التصعيد، مهدداً بالسعي "لإقالة الحكومة" في حال عدم الاستجابة.
ويرى عدد من السياسيين الهولنديين اليمينيين، أن اللاجئين يستفيدون من دولة الرفاهية الخاصة بالشعب الهولندي، ويعبرون عن رغبات صريحة بضرورة إعادة اللاجئين إلى بلادهم، لكنهم ـ أي السياسيين ـ يرتدون أقنعة أخرى، رغم أنها تفضح النوايا. ومن بينهم السياسي اليميني خيرت فليدرز، الذي يغرد على تويتر مهاجماً اللاجئين السوريين. ويرى حسب تغريداته، أن الوقت حان كي يعود السوريون في هولندا إلى وطنهم، من أجل بنائه، بدلاً من أن يستفيدوا من دولة الرفاهية الخاصة بنا.
برامج تكتيكية
لابد من النظر إلى البرامج التكتيكية التي اتبعتها دول أوربية مضيفة للاجئين، بعين الحذر والترقب، والغوص في أهدافها غير المعلنة. إذ اتبعت ألمانيا مثلاً برنامج يدعم عودة اللاجىء الاختيارية، بتقديم معونة مالية قدرها 1200 يورو للشخص الواحد. وهو ما دفع كثير من اللاجئين السوريين وغيرهم، من التسجيل بهذا البرنامج والاستفادة منه، خاصة غير القادرين على الاندماج بالمجتمعات الجديدة، أو الذين حصلوا على حق الحماية الثانوية، ما أدى للحيلولة دون حصولهم على حق لم شمل أسرهم. وعاد بناء على هذا البرنامج 8468 شخصاً خلال الربع الأول من العام الماضي إلى بلادهم، وتقدم 2332 عراقياً بطلبات للاستفادة من البرنامج، لتسهيل العودة طواعية إلى وطنهم.
وخصصت الحكومة الألمانية 40 مليون يورو معونات إضافية سنوية تصرف للاجئين ضمن برنامج start helfe plus) )، كما لديها برنامج يمنح 800 يورو لكل لاجىء لم يوافق على طلب لجوئه لدعم عودته.
هكذا برامج هادفة تريد تعبيد الطريق الأولية أمام عودة اللاجئين إلى بلدانهم، وتضيء شمعة أمام اللاجئين ليعودوا غير مرغمين، ما يخفف من الضغوط على حكومات البلدان المُضيفة. ويجعلها بحل كامل من التزاماتها الأخلاقية والإنسانية تجاه اللاجئين.
لايمكن التقليل من خطورة النقاشات الأوربية الجارية الآن حول إجبار اللاجئين على العودة. ففي الوقت الذي تكشر الدول الأوربية عن أنيابها، وتظهر وجهها الحقيقي، نرى تناغماً من قبل النظام السوري ينسجم مع هذه الدعوات المرفوضة من اللاجئين. فوزير الخارجية وليد المعلم دعا مطلع شباط العام الماضي اللاجئين السوريين في بلدان الجوار للعودة إلى بلادهم، مؤكداً استعدادها لاستقبالهم، وتأمين متطلبات الحياة.
اعتداءات عنصرية
المواقف الأوربية اليمينية، المعادية للاجئين، يمكن إيجاد لها الكثير من المبررات، لاسيما مع سلوك عدد من اللاجئين غير المرغوب أوروبياً، لكن كل هذه الأسباب لاتستند إلى أي مفردات قانونية أو حالة حقوقية. المثير للاستياء، مواقف دول عربية وإسلامية تناصر السوريين في ثورتهم ضد النظام، لكنها تستخدم اللاجئين كأدوات، وتفرض عليهم شروط إقامة مجحفة، وتتحكم بمصيرهم وتنقلاتهم، وتحرم أطفالهم من حق التعليم.
الممارسات العنصرية التي ظهرت بالشارع اللبناني أكثر من أن تحصى، وحالات الاعتداء عليهم فاقت التصور، وممارسات القوى الأمنية يندى لها الجبين. وفي تركيا ظل الرئيس طيب رجب أردوغان كحمامة سلام وحام للاجئين، إلى وقت قريب جداً، عندما بدأت دوائر حكومته بتجنيدهم للقتال مع جيشه في عفرين. لايمكن نفي أن البعض منهم كان لديه رغبة في المشاركة بعمل عسكري ضد الأكراد، لكن الحالة العامة لدى نظام أردوغان الإسلامي كانت واضحة باستخدام اللاجئين السوريين لتحقيق أطماع عثمانية وقومية.
حل غير إنساني
فوجئت الأوساط السياسية بتصاعد مطالبات الأردن للحصول على أموال إضافية لتأمين متطلبات اللاجئين السوريين، الذين يفرض عليهم نظام الملك عبدالله الثاني العيش في شروط صعبة للغاية بمخيم الزعتري. الحالة الاقتصادية المأزومة للأردن، والوضع المعيشي الصعب، شجع مسؤولين على الإدلاء بتصريحات عدوانية ضد من أرغمتهم الحرب على الفرار بأرواحهم. ومن بين هؤلاء رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق رياض أبو كركي، الذي قدم حلاً للأزمة الاقتصادية التي يواجهها الأردن. الحل غير الإنساني مفاده: "تحميل اللاجئين السوريين في قلابات (شاحنات) ورميهم خارج الحدود". هكذا ينظر المسؤول الأردني السابق، وهكذا يُحمَّل اللاجئون مسؤولية لاعلاقة لهم بها، وتعلق برقابهم أسباب التدهور الاقتصادي الأردني. صحيح أن أبو كركي نفى ذلك، وأوضح أن ما كتبه على حسابه الشخصي على وسائل التواصل الاجتماعي لم يكن سوى "سخرية من القرارات الحكومية الأخيرة"، لكن الواضح كسطوع الشمس أن السيف قد سبق العذل.
القانون يمنع عودتهم
تلزم اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين 1951 الدول، على عدم ترحيل أي فرد حياته مهددة أو معرضة للخطر. وتنص الاتفاقية على أنه لا يجوز إعادة فرد إذا "كانت حياته أو حريته تتعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو إلى رأي سياسي". وتُملِي المبادئ التوجيهية الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنه بمجرد منح أي فرد حق اللجوء، لا يجوز إعادته قسراً إلا عندما تتغيّر الأوضاع في بلاده بشكلٍ جوهري ودائم، على نحو يضمن حماية الأفراد المضطهدين في السابق.
إلا أن التجربة الأوربية مع مواضيع كهذه، لم تك في مصلحة اللاجئين إطلاقاً، إذ غادر 250 ألف لاجئ بوسني ألمانيا حتى خريف 1998، ضمن اتفاقية بين ألمانيا والبوسنة والهرسك بشأن إعادة اللاجئين خطوة بخطوة.
سياسياً، وعلى وقع المفاوضات والمؤتمرات المتعددة بين النظام السوري والمعارضة لاسيما مسارات، جنيف وأستانة وسوتشي، لم يناقش الجانبان موضوع عودة اللاجئين بشكل جدي. ربما لأن كل هذه الجولات من المفاوضات لم تتسم بالجدية، ولم تناقش القضايا الجوهرية، إذ أنها ما زالت تدور في رحاب البيانات الخجولة التي تحقن الدم السوري المسفوك، وتسجيل المواقف المسبقة. واقتصر الأمر على فقرة صغيرة في وثيقة مبادئ الحل السياسي، جنيف 2016، تتحدث بشكل مقتضب عن عودة اللاجئين تنص على " كفالة سلامة النازحين واللاجئين والمهجرين قسراً، وتوفير المأوى لهم، بما في ذلك كفالة حقهم في العودة إلى ديارهم".
تجهيز المراكب
إعادة اللاجئين السوريين رغماً عنهم، إجراء غير قانوني، مادامت البلاد في وضع أمني متدهور، وحاله مهددة بالانفجار في أي لحظة، بسبب التوافقات غير المتماسكة والضمانات الدولية الهشة.
لكن في ظل غياب المبادىء الإنسانية عن معظم سياسيي الدول المُضيفة لهم، والتغيرات الأخيرة التي شهدتها حكومات تلك الدول، تبدو الأمور مرجحة فعلياً لما هو أسوأ. فبعد رحلة لجوء مريرة وقاسية، عبر خلالها اللاجئون السوريون مناطق ودول عاملتهم بعنصرية، وبحار ابتلعت الكثير من مراكبهم، وفقدانهم ممتلكاتهم ومنازلهم، تشير التقديرات المتفائلة إلى أن 2018 قد يكون العام الأخير للأزمة السورية، وبدء رسم ملامح الدولة القادمة. وما يجري نقاشه في الدول المُضيفة، بشكل علني، يعني أن هذه الدول بدأت تجهز مراكب اللاجئين السوريين، استعداداً لرحلة العودة الإجبارية.