سوريا.. التغيير الديمغرافي وحروب المستقبل
الصراعات الدولية والإقليمية تتصاعد يوماً بعد الآخر على الساحة السورية، وتزداد ملامحها وتموضع كل طرف من الأطراف فيها وضوحاً، ينعكس ذلك على مجريات الصراع الداخلي التي كان أحد أبرز وجوهها عمليات التغيير الديمغرافي التي شهدتها سنوات الحرب السورية بوتائر مختلفة، نتيجة للممارسات الممنهجة للنظام السوري في بعض الأحيان وبعض المناطق. اليوم يجري هذا التغيير والتهجير القسري بشكل سافر وبتفاهمات دولية وإقليمية.
بالعودة قليلاً إلى الوراء سنجد أن ما حدث من اتفاق في مؤتمر أستانة بين روسيا وتركيا وإيران، وهي الدول التي يفترض انها ضامنة لـ«خفض التصعيد»، كان الهدف منه منذ البداية الالتفاف على مسار جنيف، وإعاقة أي تقدم في المفاوضات، وبالتالي بناء تفاهمات جديدة، ووضع خطط لا تأخذ في اعتبارها احتياجات السوريين، والعمل على تنفيذها بدقة من خلال قوى الأمر الواقع. الأمر الذي أدى لكثير من المآسي والويلات لآلاف العائلات، خاصة في المناطق التي كانت تعتبر آمنة نسبياً، والتي تم تهجير سكانها قسراً.
خلال الشهور المنصرمة، حصلت أكبر عمليات تهجير قسري نتيجة تلك التفاهمات، بعد معارك دامية، طالت الأحياء التي يقطنها المدنيون، باستخدام مختلف انواع الأسلحة، بما فيها الأسلحة الكيماوية، في مناطق مثل ريف دمشق والغوطة ودوما، من أجل فرض هدن تنص على التهجير القسري ونقل المدنيين إلى الشمال السوري.
في المقابل شهدت منطقة عفرين هجوماً من قبل الدولة التركية، وبعض الفصائل التابعة لها، والتي تمكنت من السيطرة على المدينة وأريافها، بعد أن تم تفريغها بالكامل من السكان ونهب ممتلكاتهم، واليوم يتم منعهم من العودة إلى بيوتهم وأراضيهم.
ماحصل في كل من ريف دمشق وعفرين جريمة حرب ضد المدنيين بكل المقاييس، شاركت بها دول بأكملها دون أدنى احترام للقانون الدولي والمعاهدات الإنسانية الدولية. بل ويحدث الآن ما هو أخطر، وهو محاولات توطين مهجري الغوطة ودوما في عفرين التي يُمنع سكانها من العودة إلى بيوتهم.
هذا المخطط الذي يتم تنفيذه باشراف الفصائل الموالية لتركيا سوف يؤدي لنتائج كارثية، ربما كان أسوأها خلق حالة عداء بين فئتين من الضحايا لا تتحمل أيٌّ منهما مسؤولية ما حصل للأخرى، ولم يسبق لهما أن تبادلا العداء. ما يبين أن كثيراً من الخصومات الأهلية سببها تدخل مخطط له من قبل سلطات وقوى ذات مصلحة في إنتاج هذا النوع من التوتر الأهلي. فعلها النظام السوري في عصر الأسد الأب بمنطقة الجزيرة، واليوم يعاد إنتاجها في عفرين، ما يؤدي لتهئية بيئات ملتهبة قابلة للانفجار في أي وقت، والتأسيس لحروب المستقبل العرقية.