فشل المجتمع الدوليّ في منع استخدام الكيماوي في سوريا
تعرّضت مدينة دوما، في الغوطة الشرقية لقصف بالغازات السامّة، من قِبل قوات الحكومة السورية، بعد فشل المفاوضات بين القوات الروسية ومقاتلي جيش الإسلام، لخروج مقاتلي الأخير من المدينة، ما أدّى لسقوط عدد كبير من الضحايا بلغ عددهم نحو 150 شخصاً.
وحسب الدفاع المدني (الخُوَذ البيضاء)، فإنه في مساء السبت 7 نيسان/ أبريل 2018، حصل هجوم أدّى إلى موت عوائل كاملة خنقاً في الأقبية.
تاريخ استخدام السلاح الكيماوي:
استُخدم السلاح الكيماوي لأول مرّة في الحرب العالمية الأولى، حيث تمّ استخدام غاز الخردل، وبعد ذلك استخدم عام 1988 في حلبجة العراقية، كما استخدم غاز السارين في هجوم بطوكيو عام 1995، من قِبل طائفة تُدعى (أوم).
استخدام السلاح الكيماوي في سوريا:
استخدم النظام السوري السلاح الكيماوي بشكل متكرّر بعد ثورة عام 2011، في مناطق مختلفة من سوريا بغية إخضاع هذه المناطق، استخدم فيها غاز السارين في مناطق محدّدة، بينما استخدم غاز الكلور على نطاق واسع.
كان الاستخدام الأول لغاز السارين في شهر آب/ أغسطس من العام 2013، عندما قصفت قوات النظام، عدّة بلدات من الغوطة الشرقية، بقذائف وصواريخ تحمل هذا الغاز، ما أدّى لمقتل نحو 1200 شخص من المدنيين آنذاك.
بعد ذلك شنّ النظام السوري ما لا يقلّ عن 140 هجوماً بالسلاح الكيماوي على مناطق مختلفة، خلّفت مئات الضحايا، كان أبرزها الهجوم على مدينة خان شيخون يوم 4 نيسان / أبريل 2017، والتي أستخدم فيها غاز السارين، حيث قتل العشرات من المدنيين فيها، وكان آخرها الهجوم على مدينة دوما يوم 7 نيسان/ أبريل 2018.
خرق الحكومة السورية لاتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية:
في شهر أيلول / سبتمبر 2013، حصل اتفاق روسي – أميركي، رضخ بموجبه النظام السوري لتسليم مخزونه من السلاح الكيماوي إلى منظمة حظر السلاح الكيماوي، من أجل إتلافه، وقالت المنظمة حينها، إن سورية سلّمتها 1300 طن من الأسلحة الكيماوية، وهو ما يمثّل 100% من مخزونها المعلن من هذه الأسلحة، وتمّ إتلافها بشكل كامل في كانون الثاني/ يناير 2016.
من جهة ثانية، وفي شهر أيلول / سبتمبر 2013، أعلنت سوريا انضمامها لعضوية معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، أي بعد شهر من الهجوم على الغوطة الشرقية، ما يؤدّي إلى وجوب التزامها بمضمون الاتفاقية، ولكن بعد هذا التاريخ، شهد العالم كله هجمات متكرّرة بالسلاح الكيماوي، شنّها النظام السوري على مناطق المعارضة، وتبيّن بشكل قاطع أنه لم يقم بتسليم كامل مخزونه من هذا السلاح، ما يشكل خرقاً لبنود الاتفاقية التي انضمّت إليها الحكومة السورية بموجب مرسوم تشريعي موقّع من بشار الأسد.
منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، واتفاقية حظر السلاح الكيماوي:
وهي هيئة دولية، عهد إليها تنفيذ اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، والتي وقّعت في باريس في العام 1993، ودخلت حيّز التنفيذ في 29 نيسان / أبريل 1997، والتي تحظر صنع وتخزين واستخدام الأسلحة الكيماوية، وتحظر على الموقّعين عليها مساعدة أي دولة أخرى على صنع أو استخدام هذه الأسلحة، وتشرف المنظمة الدولية على تطبيق هذه الاتفاقية، وخصوصاً تدمير المخزونات.
وتنصّ الفقرة الثانية، من المادّة الأولى من الاتفاقية على أنه" تتعهّد كل دولة طرف بأن تدمّر الأسلحة الكيماوية التي تمتلكها، أو أن تكون قائمة في أي مكان يخضع لولايتها، أو سيطرتها، وفقاً لأحكام الاتفاقية".
هل يمكن اعتبار استخدام السلاح الكيماوي في سورية جريمة حرب؟
تعتبر المادة الثامنة من ميثاق روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، أن استخدام الغازات أو السوائل أو الأجهزة المحظورة جريمة حرب، إذا تحقّقت فيها الأركان التالية:
1: أن يستخدم مرتكب الجريمة غازاً أو مادّة أخرى مماثلة، أو جهازاً آخر مماثلاً.
2: أن يكون الغاز أو المادة أو الجهاز من النوع الذي يسبّب الموت، أو يلحق ضرراً جسيماً بالصحّة في الأحوال العادية، من جرّاء خصائصه الخانقة أو المسمّمة.
3: أن يصدر السلوك في سياق نزاع (دولي)، ويكون مقترناً به.
4: أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت وجود نزاع مسلح.
بالنظر إلى الفقرة الثالثة من المادة الثامنة، فإن النزاع يعتبر في سورية نزاعاً داخلياً، وتصنّفه غالبية دول العالم أنه حرب أهلية، ما يجعل تطبيق هذه المادة على استخدام السلاح الكيماوي في سوريا أمراً صعباً وفق التوصيف الحالي من جهة، ومن جهة ثانية عدم إحالة ملفّ الانتهاكات في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية، الأقدر على تحديد الجريمة إن كانت جريمة حرب أو لا، ما يترك الباب مفتوحاً لمحاكمة مرتكبي هذه الجريمة، أمام محكمة جنائية خاصة، على غرار محاكمة أركان النظام العراقي السابق في جريمة قصف مدينة حلبجة العراقية بالسلاح الكيماوي.
لا بدّ من تطبيق اتفاقية حظر السلاح الكيماوي لإنقاذ المدنيين:
لم تستطع منظمة حظر السلاح الكيماوي حتى الآن، الكشف وبشكل دقيق عن الأسلحة الكيماوية في سوريا، والتخلّص منها نهائياً، ما يمكن اعتبارها فشلاً في الكشف عن إخفاء النظام السوري لقسم من مخزونه من هذه الأسلحة.
وبات من الضروري، ابتكار طرق ووسائل جديدة لتعزيز الأمن الدولي، وحماية المدنيين بالدرجة الأولى، من خلال إقناع دول العالم بالتوقيع على اتفاقية حظر السلاح الكيماوي، مع فرض قيود صارمة على استخدامها تندرج تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.