info@suwar-magazine.org

المجتمع المدنيّ.. النجاحات والتحدّيات

المجتمع المدنيّ.. النجاحات والتحدّيات
Whatsapp
Facebook Share

 

 

بعد أن استطاع المجتمع المدني فرض نفسه كفاعل رئيس في الصراع السوري، لديه أدواته وجمهوره وقياداته أصبح لزاماً علينا الوقوف عنده كواقع فرض نفسه على أنه مشروع شامل، وهذا ما تجلّى بشكل واضح في مؤتمر بروكسل وما رافقه من جدل حول ماهيّة المجتمع المدني، وأدواره والقيمة المضافة له خلال السنوات الماضية. هذا الجدال والصراع ما هو إلا اعتراف بالمجتمع المدني، وإقرار بدوره الحقيقي والفعال في الصراع السوري، ليس فقط في تقديم الخدمات الإنسانية، بل أيضاً في رسم ملامح البلاد المستقبلية، والمشاركة الفعّالة في الانتقال السياسي.

 

في العام ٢٠١٣ كانت النقاشات مع الفاعلين السوريين حول جدوى مشاركة المجتمع المدني في المفاوضات من عدمه، حيث كان الكثيرون يرون أن دوره يقتصر على تقديم الخدمات، ورفع الوعي بأهمية المشاركة السياسية، وليس المشاركة في العملية التفاوضية، بينما قلّة من الفاعلين ومن "بينهم مركز المجتمع المدني والديمقراطية" و "تماس" كانوا يرون أن للمجتمع المدني دوراً أساسياً في المشاركة في المفاوضات والانتقال  السياسي، ويمكن أن يلعب دور الاستشاري أو الرقابي، وحتى الدور التفاوضي في حالات معيّنة، فالمجتمع المدني لديه القدرة على تضمين المسار الثالث في عملية التفاوض بشكل كبير، كما يمكنه نقل مطالب واحتياجات السوريين، وضمان وجودها في أي اتّفاق يفضي للانتقال السياسي، ونعتقد أنه الجهة الأكثر حرصاً على السعي إلى المزيد من الحريات والحقوق ووقف الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها.

 

واليوم.. بعد سنوات من هذه البداية المتواضعة، فإن المجتمع المدني حقّق الكثير من المطلوب منه في المشاركة الفاعلة، فوجود مجلس استشاريّ نسائي للمبعوث الخاصة للأمم المتحدة السيد "ستافان دي مستورا"، ووجود غرفة للمجتمع المدنيّ، هي سابقة لم تحدث في أي بلد آخر، وهو نجاح للسوريين على الرغم من وجود الكثير من الأخطاء والسلبيات، ولكن وجود آليات للمشاركة يشكل نجاحاً بحد ذاته في انتظار النتائج التي سوف تأتي لا شك فيها.

 

وقبل عرض بعض من تفاصيل ما للمجتمع المدني السوري من سلبيات وإيجابيات، لا بدّ لنا أن نعلم أن المجتمع المدني السوري قام –أحياناً- بأدوار مؤسّسات الدولة، وخاصة في تلك المناطق التي غابت فيها مؤسسات الدولة نتيجة للصراع، وهو ما كان عبئاً يفوق قدراته في الكثير من الأحيان.

 

وبالعودة الى أدوار المجتمع المدني فعلينا تصنيفها حسب قطاعات العمل الخاصة بها وهي:

- في مجال الخدمات استطاع المجتمع المدني إيصال آلاف الأطنان من المساعدات إلى مناطق مختلفة في سوريا، رغم الظروف الأمنية الصعبة من قصف بمختلف أنواع الأسلحة، وحصار للمدن، وفساد للحواجز العسكرية. كما استطاع تقديم العشرات من المشاريع الخدمية المتعلّقة بالماء والكهرباء وغيرها.

 

- وفي مجال الخدمات الطبّية والصحّية، تمّ تقديم خدمات طبّية لآلاف السوريين في بيئة حرب شهدت استهدافاً ممنهجاً للمشافي والكوادر الطبّية، وفرض أشدّ أنواع الحصار على إدخال المساعدات الطبّية من أدوية ومعدّات.

 

 

- واستطاع المجتمع المدني إعلامياً، نقل الأخبار بالصوت والصورة لحظة بلحظة من غير توقّف، على الرغم من الظروف الأمنيّة الصعبة، جرّاء القصف أو التضيق من قِبل الأطراف المسيطرة في مناطق الصراع، فلقد استطاع الصحفيّون السوريّون كسر العزلة، وفكّ التعتيم الإعلامي عن سوريا، رغم الاستهداف الممنهج والمضايقات المتكرّرة التي وصلت حدّ الاختطاف والقتل.

 

-أمّا في مجال توثيق الانتهاكات فقد نجح المجتمع المدني من توثيق أسماء آلاف الضحايا من معتقلين وقتلى، وتوثيق الدمار، واحتفظ بعدد كبير من الوثائق التي يمكن أن يكون لها دور كبير في تحقيق العدالة، إذا توفرت الظروف الملائمة، وإذا ما عُرف كيف يتمّ استخدامها، واستثمارها بالشكل الصحيح.

 

-كما استطاع المجتمع المدني المساهمة في حلّ عشرات النزاعات المحلية، والمساهمة في إيجاد مبادرات كثيرة، ساهمت في حلّ خلافات على مستوى وطني ومستوى محلي، ولعب دور كبير في تحريك عمليات التفاوض بين الأطراف المتصارعة. كما فرض نفسه كلاعب رئيس في عملية الانتقال السياسي.

 

-ولعلّ الحشد والمناصرة من أهم الأدوات التي برع فيها المجتمع المدني السوري، واستطاع أن يحرّك الرأي العام المحلي والدولي في مناسبات متعدّدة، وخاصة في حلب والغوطة، نفس المجتمع المدنيّ الذي قمعته الأطراف المسيطرة، هو من استطاع حماية آلاف الأرواح، وليس أصحاب البنادق.

 

- كما استطاع المجتمع المدني الحفاظ على دور حقيقي وفاعل للنساء السوريات في مختلف المجالات، واستطاع أن يعطي مفهوماً وبعداً آخر لحقوق المرأة، ودورها، وخاصة في القيادة والمشاركة في الانتقال السياسي.

 

- أمّا في مجال التمكين والتدريب، فحدّث ولا حرج، فقدم السوريّون آلافاً من التدريبات ورفع القدرات في مختلف المواضيع، واستطاع إدخال مفاهيم ومصطلحات جديدة على معارف السوريين ولولا هذه التدريبات لما تمكّن السوريّون من بناء الكثير من المؤسّسات الناجحة.

 

وكأيّ عمل له جوانبه الإيجابية الظاهرة التي اشتُغل عليها لتحقّق أهدافاً محدّدة، فإن ثمّة تحدّيات وصعوبات برزت كمؤشّرات سلبيّة، نحدّدها لنعمل على تجاوزها، ومنها:

 

- معلوم أن المجتمع المدني تجربة حديثة، وعلى الرغم من ذلك حقّق نجاحات كثيرة بالنظر إلى عمره القصير. ولأن العمل المدني نمط حياة من ناحية، وهو عمل مؤسّسي مبنيّ على مجموعة من الشروط والمعايير، من ناحية ثانية، فإن فهم الأدوار ووجود الرؤية هما أساس النجاح. إن غياب الضوابط القِيميّة المبنيّة على مواثيق حقوق الإنسان، يجعلنا نوازن بين الانتهاكات ونقارن بين الضحايا على أساس الانتماءات السياسية والمذهبية وهو ما يشكل انتهاكاً بحذ ذاته لا بقل عن الانتهاكات الأخرى.

 

- كما أن قلّة الخبرة في هذا الميدان أنتجت أخطاء إدارية للعمل المدني المؤسّسي، وصل البعض منها إلى فساد وتضارب مصالح، بشكل مقصود حيناً، وغير مقصود أحياناً أخرى.

 

- وقد زادت التنافسية حول التمويل بين المنظمات من الفجوات فيما بينها، وهذا تنافس طبيعيّ، وخاصة في ظلّ عدم توفر مصادر تمويل محلية، وعدم انتشار ثقافة التبرّع والعمل التطوّعي لصالح المنظمات في المجتمع السوري.

- كما نلاحظ هشاشة واضحة على مستوى التحالفات، فأغلبها محكوم بالعلاقات الشخصية، أكثر منه أهداف إستراتيجية تحمل قِيماً وأهدافاً مشتركة.

-بالإضافة إلى أن الكثير من المشتغلين في الشأن المدني، لا يدركون الخيط الفاصل بين العمل المدنيّ، والعمل السياسي الحزبي، صحيح أن الأحزاب والمنظمات تمارس فعلاً سياسياً، وكلٌّ له أدواته، ولكن ثمّة فرقاً شاسعاً بين العمل المدنيّ والعمل الحزبيّ.

 

لا بدّ لنا أخيراً أن ندرك جيداً، أن لكل تجربة نجاحاتها وإخفاقاتها، ولكل منها سلبيّاتها وإيجابيّاتها، ونحن الذين نعمل في الشأن العام مَن نتحمّل مسؤولية النجاح والفشل للمشروع المدني في سوريا، كلّنا مجتمعون ولن يفيدنا إلقاء اللوم على الظروف أو على الآخرين، فلكلّ منّا دوره.  

 

وختاماً أتذكّر حديثاً صغيراً مع أحد الأصدقاء غير السوريين يمتلك خبرة ٣٠ عاماً في مجال العمل المدني في عدّة دول، قال لي في عام ٢٠١٤: " أؤمن أنه لولا المجتمع المدني السوري، لشهدنا كوارث إنسانية أكثر ممّا نشهده اليوم، ولمات السوريون جوعاً".

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard