مجلة صور تحاور الدكتور قدري جميل رئيس منصّة موسكو للمعارضة السوريّة
التوجه المتشدد لدى الائتلاف والفصائل يسلب الهيئة وظيفتها التفاوضية ويحاول زجها طرفاً سياسياً ضمن الصراع الدولي والإقليمي
إن شعاري الحسم والإسقاط هما شعاران ساقطان، ولن يتحقق أي منهما؛ لأن طبيعة الأزمة السورية من جهة، والتوازن الدولي والإقليمي من الجهة الأخرى لن يسمحا بذلك
مجلة صور تحاور الدكتور قدري جميل رئيس منصة موسكو للمعارضة السورية
حاوره: كمال أوسكان
الدكتور قدري جميل أمين مجلس حزب الإرادة الشعبية في سوريا، رئيس منصة موسكو للمعارضة السورية. يحمل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي من جامعة موسكو عام 1984ـ أستاذ محاضر في معهد تخطيط التنمية الاقتصادية الاجتماعية في دمشق سابقاً، وكان عضواً في الحزب الشيوعي السوري منذ عام 1966. له مؤلفات وأبحاث مختلفة في المجالات الفكرية والاقتصادية والسياسية، وصدر له كتاب تحت عنوان "الحضارة البشرية على مفترق طرق"، وآخر تحت عنوان "قضايا اقتصادية".
كان لمجلة صُـور هذا الحوار مع الدكتور قدري حول الحرب والمفاوضات والدستور السوري المستقبلي، وغيرها من القضايا التي تشهدها الساحة السورية.
لنبدأ من منصة موسكو التي يترأسها الدكتور قدري جميل، والتي تشكلت في 2014 بعد مؤتمرات ولقاءات عقدت في موسكو. هل تعرفنا بها أكثر؟ ما هي رؤيتها للقضية السورية، وما هي القوى السياسية التي تضمها، ومكانتها في الحياة السياسية في سوريا؟
تضم منصة موسكو مجموعة من القوى والأحزاب هي حزب الإرادة الشعبية الموجود في كل المحافظات السورية، ومجلس العشائر العربية الذي قدم وحده 2500 شهيداً في مواجهاته مع داعش، وكذلك تيار طريق التغيير السلمي، والتيار الثالث لأجل سورية، والحزب الديمقراطي الاجتماعي، وتجمع سورية الأم، والحزب الوطني الديمقراطي. القوى الممثلة في منصة موسكو هي بشكل أساسي قوى جبهة التغيير والتحرير التي تبنت منذ السنة الأولى من الأزمة الحوار سبيلاً ومخرجاً من الأزمة، ورفضت التدخل الخارجي والعنف بأشكاله المختلفة.
تميزت هذه القوى أنها رفعت نداءً للأمم المتحدة لم يوقعه كل المشاركين من المعارضة بل أغلبيتهم، وطالبت فيه باستعادة مسيرة جنيف وتطبيق بيان جنيف1، وشكل الموقعون على هذا النداء لجنة متابعة أصبحت تعرف مجازاً بمنصة موسكو مع أن كل المشاركين فيها من قوى موجودة في سورية. وقفت هذه القوى ضد الانقسام الوهمي بين موالاة ومعارضة، وتمسكت بأنّ مصلحة أكثر من 90 بالمئة من الشعب السوري هي مصلحة واحدة بالضد من مصالح قلة قليلة من الفاسدين الكبار وتجار الحروب الموجودين في النظام والمعارضة على السواء، وشكلت نوعاً جديداً من المعارضة مختلفاً كلياً عن ذاك الذي جرى ترويجه خلال التسعينيات وبداية الألفية، (على غرار المعارضة العراقية)، حيث كانت وصفة المعارضة أنها تكون معارضة بقدر ما تستدعي التدخل الخارجي وبقدر ما تتماهى مع الطروحات الغربية.
على العكس من ذلك ظهرت في سورية معارضة وطنية تعمل لتغيير النظام تغييراً جذرياً عميقاً بكل الاتجاهات، وترفض التدخل الخارجي وتقف ضده حتى النهاية، وتتمسك بموقف وطني صلب ضد الكيان الصهيوني وضد القوى الغربية الاستعمارية. الطرح السياسي الذي يثبت الواقع صحته يعزز مواقع القوى التي تطرحه، وهذا بالضبط ما يحصل مع منصة موسكو.
دكتور قدري جميل كنتَ من الشخصيات التي دعت إلى الحوار منذ بداية الأزمة السوريّة، لكن إلى الآن لم نشهد أي تقدم في المسار التفاوضي، كما أننا لم نشهد أي حوار حقيقي بين الأطراف المتصارعة على الساحة السورية رغم وجود القرار الدولي 2254، برأيكم من يعيق هذا التقدم، وما سبب هذا الاستعصاء؟
هنالك جانبان لهذه المسألة، الأول دولي وإقليمي والثاني داخلي. في الجانب الأول، فإنّ مشكلتنا، وفرصتنا في الوقت ذاته، أن الأزمة السورية تزامنت مع تغير ميزان القوى الدولي، حيث تتراجع المنظومة الغربية بعقليتها الاستعمارية وتتقدم منظومة جديدة على رأسها روسيا والصين. لو كانت الغلبة للأميركان كما في التسعينيات وحتى العقد الأول من الألفية، لكان مصيرنا مشابهاً إلى حد ما لمصير العراق أو ليبيا، حيث انتهت أزمتهما شكلياً ولكنها مستمرة وتتعمق فعلياً. ما يجري في سورية هو الذهاب نحو نموذج جديد بالكامل للحلول السياسية، يقوم على مواجهة التدخلات الخارجية لإنهائها وتصفير محصلتها، بحيث يستطيع الشعب السوري أن يقرر مصيره بنفسه فعلاً وحقاً. وتحقق هذا النموذج الجديد بتطبيق القرار 2254 يعني دولياً إعلاناً لنتيجة الصراع الدولي الذي حسم من حيث المبدأ وبقي أن يظهر بشكله الكامل، وهذا ما يؤدي إلى الاستعصاء والتأخير.
الجانب الثاني الداخلي، هو إلى حد بعيد مشتق من الجانب الأول، فالفاسدون الكبار ضمن النظام والمتماهون مع الغرب من المعارضة، كلاهما مرتبط بشكل أو بآخر بالمنظومة الغربية ويعلمون علم اليقين أنّ انتهاء الأزمة والذهاب باتجاه الحوار يعني خسارة محققة لهم، ولذا فهم يتمسكون بالحرب حتى آخر لحظة، وحتى آخر سوري، لعل وعسى تنقلب الموازين الدولية...
مشاركة السوريين في المؤتمرات والمفاوضات من أجل وقف الحرب والاقتتال، وإيجاد حل سياسي في سوريا مرهونان لإرادة قوى إقليمية ودولية. إلى أي درجة يمكن لهذه المفاوضات أن تثمر بنتائج تخدم مصلحة السوريين؟
كما قلت سابقاً، طبيعة الصراع الدولي والإقليمي تتجه نحو تصفير محصلة قوى التدخلات، وبهذا المعنى فإنّ كلمة السوريين في شؤون بلدهم ستصبح هي الأعلى، والقرار 2254 الذي يمثل إرادة ومصلحة الدول الصاعدة، يضمن هذا الحق للسوريين بشكل لا لبس فيه.
انضمّت منصة موسكو إلى الهيئة العليا للمفاوضات رغم وجود خلافات كبيرة بين الكتلتين. هل تعتقد أنكم قادرون على بناء رؤية مشتركة للحل السياسي في سوريا؟
نحن لم ننضم إلى الهيئة العليا للمفاوضات، الهيئة العليا للمفاوضات أصبحت من الماضي؛ ما جرى هو أن منصات المعارضة الثلاث المذكورة في القرار 2254 (موسكو- القاهرة- الرياض) اتفقت على تشكيل هيئة المفاوضات السورية لتشكيل وفد واحد للمعارضة، وقدمنا بذلك تنازلاً كبيراً بما يتعلق بنسب التمثيل، وكان هدفنا من ذلك هو الوصول إلى المفاوضات المباشرة مع النظام، والتي لا مخرج دونها. ورغم تشكيل الهيئة إلا أننا حافظنا على استقلالنا السياسي الكامل، وكثيراً ما يجري نقاش وأحياناً صدام مع مواقف تتخذها كتل ضمن الهيئة وتحاول فرضها على الهيئة ككل، وجزء من هذا النقاش قد خرج للإعلام. وأثبتت الوقائع أن تشكيل هذا الوفد الواحد ليس كافياً للوصول إلى الحل، خاصة أنّ التوجه المتشدد وخاصة لدى الائتلاف والفصائل يسلب الهيئة وظيفتها التفاوضية ويحاول زجها طرفاً سياسياً ضمن الصراع الدولي والإقليمي. ولذلك فإنّ خطوات عدة قد اتخذت لإصلاح هذا العطل، من بينها استمرار مسار أستانا وعقد مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي وما نتج عنه.
في ما يتعلق بالرؤية المشتركة، فهي القرار 2254، لا أكثر ولا أقل، ودون اجتهادات؛ هذا القرار كافٍ أساساً للتفاوض المباشر، أما محاولة البحث عن رؤى سياسية مشتركة فهي مسألة مستحيلة ولا داعي لها أساساً، فتصارع الرؤى السياسية مكانه هو أول انتخابات حرة قادمة، وليس طاولة المفاوضات ذات المهمة الواضحة والمحددة في إيقاف الكارثة الإنسانية، إنهاء الأزمة، وفتح باب التغيير الواسع أمام الشعب السوري ليحدد أي سورية يريد.
بعيداً عن الخلافات الجوهرية بينكم؛ وبين مكونات أخرى ضمن هيئة التفاوض السورية، ما نقاط الالتقاء التي تجمعكم مع تجمع هيثم مناع وتيارالغد أحمد الجربا؟ وهل من الطبيعي أن تقدموا الأسماء المرشحة مع كلا التيارين في وقت أنتم تمثلون منصة موسكو في الهيئة، والجربا جزء من منصة القاهرة، علماً أن جميع المنصات كانت قد توصلت للاتفاق في اجتماع الرياض2 حين شكلت وفداً موحداً للمعارضة؟
ما يجمعنا مع السيد هيثم مناع ومع تيار الغد هو على الأقل أننا جميعاً شاركنا في مؤتمر سوتشي الذي أقر بيانه الختامي تشكيل اللجنة الدستورية، في حين أننا كنا الوحيدين ضمن هيئة التفاوض الذين شاركنا في سوتشي، رغم أن آخرين كانت لديهم الرغبة لكنهم لم يشاركوا في نهاية المطاف. إضافة إلى ذلك فإنّ الهيئة لم تقدم قائمة مرشحيها حتى اللحظة نتيجة تعطيل يقوم به مكونان هما الائتلاف والفصائل، رغم أن أربعة مكونات من أصل ستة تدفع باتجاه تسليم القائمة، لكن المكونين المعطلين يأخذان الهيئة رهينة لهما، ويعطلان تسليم القائمة.
بكل الأحوال، موقفنا هو أن تمثيل المعارضة ضمن اللجنة الدستورية يجب أن يكون شاملاً ولا يقصي أحداً لأنّ مسألة بحجم الدستور الذي سيؤثر على حياة السوريين لسنوات طويلة قادمة، يجب أن تتم بأوسع مشاركة ممكنة دون إقصاء أو استثناء أحد. ومن ناحية أخرى فإن مختلف القوائم التي يجري تقديمها هي قوائم مرشحين لعضوية اللجنة وليس قائمة أعضاء حكماً، لذا لا مانع من وجود عدة قوائم، بل إنّ تعدد القوائم أفضل لعملية الاختيار الذي سيتم في النهاية من خلال التشاور والتوافق بين الدول الضامنة من جهة وبالتشاور مع دي مستورا من جهة أخرى ومع الأطراف السورية أيضاً.
أنتم متهمون بشكل مستمرّ من بعض قادة المعارضة على أن المواقف التي تتخذونها إن لم نقل بالحرف موازية للنظام وتكرار لمواقفه حسب قولهم، فإنها «محابية» للنظام، وخاصة في موضوع الرئاسة وبقاء بشار الأسد في الفترة الانتقالية؟
منذ اللحظة الأولى كنا نقول إن شعاري الحسم والإسقاط هما شعاران ساقطان، ولن يتحقق أي منهما؛ لأن طبيعة الأزمة السورية من جهة، والتوازن الدولي والإقليمي من الجهة الأخرى لن يسمحا بذلك. ولذا ينبغي أن نسأل: ما الذي يريده أولئك الذين يصرون على شعار إسقاط النظام وشعار رحيل الأسد شرطاً مسبقاً إذا كانوا يعلمون علم اليقين أنه شعار غير قابل للتحقيق؟ وبالمقابل ما الذي يريده أولئك الذين يصرون على شعار الحسم العسكري وبقاء الأسد شرطاً مسبقاً مع علمهم أن ذلك غير قابل للتحقيق. الإجابة عن السؤالين هي أن المتشددين في طرفي الأزمة متفقون على إطالة أمدها قدر الإمكان لعل وعسى يصلون إلى نوع ما من تحاصص السلطة على الشاكلة اللبنانية ربما، حيث جرى اقتسام السلطة بين أمراء الحرب وبقي الشعب اللبناني خارج قوس، وهذا كله مشتق مما أسلفنا قوله أن المتشددين مرتبطون بشكل أو بآخر بالمنظومة الغربية، وهما وجهان لعملة واحدة في نهاية المطاف هي الدولار الأمريكي. ومن حسن حظ الشعب السوري أنّ الأميركان يتراجعون وينهزمون ولذا سيهزم معهم متشددو الطرفين. بكلام آخر يمكن القول إنّ قسماً من المعارضة هو «معارضة للسلطة» وليس «معارضة للنظام»؛ إذ لا مشكلة لدى هؤلاء ببقاء النظام على حاله شرط استلامهم السلطة أو تقاسمهم إياها مع السلطة الحالية... نحن معارضة من نوع آخر: معارضة جذرية تريد تغيير النظام السياسي والاقتصادي الاجتماعي الذي يكرس مصالح الناهبين، نحو نظام يكرس مصالح المنهوبين الذين يشكلون أكثر من 90% من السوريين، وينهي الظلم والقمع الواقع عليهم، ولذلك من الطبيعي أن نتلقى هجوماً مستمراً من الناهبين والفاسدين والمتشددين في الطرفين.
تحتاج سوريا إلى حوار بين مكوناتها القومية والدينية والسياسية، ولكن حتى الآن هذا الحوار شبه مقطوع في ما عدا ما يجري في جنيف وأستانة وسوتشي بنسخها المتتالية. برأيك هل كانت هذه المؤتمرات معبّرة عن مشاركة كافة المكونات السورية، وهل كانت الحوارات التي جرت في تلك المؤتمرات معبرة عن مطالب الشعب السوري؟
الحوار الأساسي المطلوب هو الحوار السياسي بين المكونات السياسية، والحوار الثقافي بين المكونات السورية على العموم. وثقافة الحوار لا تزال في بداية تبلورها لأنّ انخفاض مستوى الحريات السياسية التاريخي كرّس الإقصاء وفرض الرأي، وغيّب التوافق ومحاولة الوصول إليه عبر تطوير الأفكار المتناقضة وصولاً لأفكار جديدة إبداعية تحقق مصالح الجميع.
يدور الحديث حول تشكيل لجنة لصياغة أو تعديل الدستور، وفي موازاة ذلك تجري معارك قوية بين الأطراف المتصارعة على الأرض السورية على الرغم من وجود اتفاقات مناطق خفض التوتر بضمانات قوى إقليمية ودولية. إلى أي حد يمكن أن تساهم صياغة الدستور في إيقاف دوامة العنف؟
الدستور هو أحد المداخل الرئيسية لتحديد شكل الدولة السورية المقبلة، بما في ذلك طريقة فصل السلطات وتوزيع الصلاحيات، والأهم هو تحديد طريقة حكم الشعب لنفسه؛ ولذلك فإنّ العمل على المسألة الدستورية هو جزء مهم من عملية التغيير المطلوب، وهو أحد بنود القرار 2254. أي أنّ العمل على الدستور هو فعلياً البدء بعملية التغيير المطلوبة.
سوريا كانت دولة شديدة المركزية يحكمها حزب أخضع المجتمع والدولة لحكمه، بعد سبع سنوات من الحرب والدمار، كيف يجب أن تكون سوريا وفق رؤيتكم في دستورها الجديد؟
المركزية الشديدة لعبت دوراً مهماً بالمعنى التاريخي في سورية حيث أنجزت مرحلتها الأولى بتوسيع قطاع الدولة وزيادة دور الدولة في مختلف المجالات، ولكن بعد ذلك تحولت إلى عائق للتطور السابق خاصة في أوائل التسعينات، وأرادت المراكز الرئيسة الحفاظ على دورها و صلاحياتها رغم انتهاء الضرورة التاريخية لذلك بغرض نقل الموارد من الأطراف نحو المراكز الأساسية لتعظيم النهب، وجرى تهميش تنمية الأطراف وتهميش الاستثمار فيها رغم أنها تسهم بالقسم الأكبر من الناتج الوطني. سورية الجديدة يجب أن تكون مزيجاً من المركزية السياسية واللامركزية الإدارية، بحيث يجري توزيع الموازنة الاستثمارية بشكل مناسب وعادل على جميع أنحاء سورية، والأهم هو أن نصل إلى مجالس شعب محلية منتخبة مباشرة وعلى أساس نسبي من المناطق وقابلة للعزل بأي وقت يرى فيه الناخبون أن المنتخبين لم يلتزموا بوعودهم، وأن تكون هذا المجالس أداة الرقابة المباشرة للناس على أجهزة الدولة في مناطقها.
على المستوى الكلي ينبغي تعزيز المركزية السياسية في المجالات الأساسية الكبرى، الخارجية، الدفاع، البنك المركزي، السياسات الكبرى الاقتصادية والمالية، لضمان وحدة البلاد.
النموذج الجديد للمركزية وطريقة توزيع الصلاحيات للأطراف مسألة تحتاج إلى بحث جدي ضمن الدستور، نحن لدينا تصور متكامل حول هذه النقطة، وسنطرحه حين يبدأ نقاش هذه المسألة.
إذا ما اتفقت الأطراف السياسية حول التغيرات أو التعديلات، هل بالإمكان فرضها على السوريين في ظل الانقسام الحاد الذي يعيشه المجتمع السوري؟ هل (سوريا موحَّدة) ما تزال ممكنة؟
سورية موحّدة هو الاحتمال الوحيد الممكن، فالأساس أن التوازن الدولي لن يسمح بتقسيم سورية، وأن السوريين أنفسهم لا يرغبون بتقسيم بلدهم. ولن يفرض شيء على السوريين فرضاً، إذ ستمر التغييرات والتعديلات عبر استفتاء شعبي وعبر انتخابات حرة.
خلقت الأزمة السورية استقطاباً حاداً بين المكونات السورية أشبه بالحرب الأهلية، كما أنها أظهرت صراعاً آخر بين تيارين على الساحة السورية بعد سيطرة قوى إسلامية متشددة على المشهد في المناطق التي خضعت لسيطرة المعارضة، وغياب شبه تام لقوى علمانية وديمقراطية. كيف تنظرون إلى هذا التحول لصالح الإسلاميين؟
في مراحل الأزمات، ومراحل الحراك الشعبي الواسع، لا يعلق الناس أهمية كبيرة على اليافطات الأيديولوجية العريضة التي ترفعها القوى السياسية، أي أنهم لا يهتمون كثيراً هل هذه القوة قومية أم شيوعية أم إسلامية، ما يهمهم حقاً هو الموقف الملموس لها مما يجري على أرض الواقع؛ ما يهمهم هو البرامج والحلول العملية لمشاكل حياتهم. وإذا نظرنا للوحة السورية نجد اختلاطاً هائلاً ضمن التيارات الأيديولوجية في مواقفها السياسية، حيث يوجد بين العلمانيين من يرى الولايات المتحدة حليفاً له، ويوجد العكس، كذلك الأمر مع الإسلاميين والقوميين والشيوعيين. جوهر المسألة أن الفضاء السياسي القديم المتشكل في خمسينيات القرن الماضي قد انتهى، ونحن أمام ولادة فضاء سياسي جديد، تتقدم ضمنه القوى التي تقدم برامج حقيقية للخروج من الأزمة ولليوم الأول بعد الأزمة، وذلك بغض النظر عن «الطربوش» الأيديولوجي الذي تلبسه.
هل يمتلك أي تيار أو قوى سياسية في سوريا مشروعاً وطنياً يستطيع من خلاله استقطاب السوريين وخلق أرضية لبناء سوريا جديدة؟
نزعم أننا نمتلك برنامجاً وطنياً شاملاً لليوم الأول بعد الأزمة، سياسياً واقتصادياً- اجتماعياً وثقافياً، ملامحه الأساسية تتلخص في ثلاثة شعارات: (السلطة للشعب، الكرامة للوطن، الثروة للجميع)، وعند أول انتخابات حرة قادمة سنصارع لإقناع السوريين ببرنامجنا، ولتطبيقه بعد ذلك.
أنت أقرب شخصية سورية إلى الروس ماذا تريد روسيا من سوريا؟
أفضل القول إن روسيا هي الأقرب بسياساتها لمصلحة السوريين؛ ما تريده روسيا، ومصلحتها العميقة، هي تطويق النزعة الحربية الأمريكية وإخماد حرائقها، وفي الخاص السوري فإنّ هذا الأمر يستلزم أمرين: الحرب على الإرهاب، والحل السياسي على أساس القرار 2254، والذي يسمح للشعب السوري بتقرير مصيره بنفسه، ويسمح تالياً بتحقيق استقرار حقيقي في سورية، وهذا هدف استراتيجي وجيوسياسي بالنسبة لروسيا.
تقدم روسيا دعماً سياسياً وعسكرياً للنظام السوري من أجل الحفاظ عليه والحيلولة دون السقوط، هل تتفق مع الروس في رؤيتهم إلى النظام السوري؟
المسألة بالنسبة للروس كما يصرحون وكما نفهمها، ليست دفاعاً عن النظام السوري، بل عن سورية ووحدتها؛ الحليف الحقيقي لروسيا في سورية هو الشعب السوري.
باعتباركم من عائلة كردية كبيرة كيف تنظرون الى مستقبل القضية الكردية في سوريا، وما هو تقييمكم لقوات سوريا الديمقراطية والاحتلال التركي لعفرين؟
القضية الكردية هي قضية محقة، وحلها يتم على مستويين، ضمن الإطار السوري يبدأ الحل عبر الحل السياسي وتطبيق 2254 وصياغة دستور يضمن الحقوق الثقافية والحقوق المدنية الكاملة للكرد السوريين ويضمن لهم كما لغيرهم من السوريين تنمية حقيقية وعادلة في مناطقهم وإمكانية رقابة ومحاسبة جدية على أجهزة الدولة بحيث تعمل لمصلحة أغلبية الناس بعيداً عن الفساد والمحسوبيات والتمييز بأشكاله المختلفة. على المستوى الكلي، فإنّ حل القضية الكردية في البلدان الأربعة التي يتواجد فيها الكرد لا يمكن أن تتم إلا على أساس التفاهم الأخوي بين شعوب هذه الدول، بما يضمن مصالحها جميعها، وبالضد مما كان سائداً حتى الآن حيث تستخدم حكومات هذه الدول إضافة للدول الغربية المسألة القومية لضرب الشعوب ببعضها ولاستمرار نهبها واستلاب حقوقها.
لدينا عدد كبير من الملاحظات والانتقادات على قوات سورية الديمقراطية، لكن الدور الذي لعبوه في محاربة داعش هو دور مهم وقدموا خلاله تضحيات كبيرة، ونحن نصر على حقهم في المشاركة الفاعلة ضمن العملية السياسية ككل، وضمن اللجنة الدستورية خاصة.
الدور التركي عموماً هو دور سلبي، ونحن ندين الاحتلال التركي لعفرين. رغم ذلك فإنّ اشتراك تركيا ضمن مسار أستانا ثم في سوتشي هو أمر إيجابي يحمل إشارات عن إمكانية استدارة تركية بعيداً عن الغرب، وإنْ كانت هذه العملية لا تزال في بداياتها وستأخذ وقتها، والمصلحة الطبيعية لتركيا هي عكس سلوكها طوال القرن الماضي تقريباً، أي أنّ مصلحتها هي مع الدول المجاورة لها ومع دول الشرق وليست مع الغرب.
أنت أحد المختصين بالاقتصاد، وكنت نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية في بداية الأزمة السورية. كيف تنظر إلى ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في سوريا بعد سنوات من الحرب المدمرة. وكيف يمكن النهوض بالاقتصاد السوري وما دُمِّرَ بعد انتهاء الحرب في سوريا؟
إن بناء الاقتصاد السوري يتطلب تجاوز مرحلتين: المرحلة الأولى هي العودة إلى مستوى 2011 والثانية هي الانطلاق إلى الأمام لتجاوز كل المشاكل والثغرات التي كانت منتصبة سابقاً وساهمت بشكل مباشر في انفجار الأزمة السورية، إذ إن الوضع الاقتصادي قبل 2011 قد وضع الأساس المادي الاقتصادي الاجتماعي للانفجار السياسي الذي جرى. المشاكل الاقتصادية الكبرى للاقتصاد السوري منذ 2005 بشكل واضح للعيان هي الفقر البطالة المهمشين الخدمات التعليم الصحة.. إلخ، لذلك المطلوب إيجاد حلول جذرية لهذه القضايا.
بالنسبة لإعادة الإعمار، فمشكلتها الأساسية هي الموارد، الغرب بشقيه الأميركي والأوروبي يحاول أن يدفعنا باتجاه حلول معينة في إعادة الإعمار كي يستفيد هو من هذه العملية عبر تشغيل شركاته، وأشك أنّ لديه القدرة أن يقدم عون مادي حقيقي، مع أن من المطلوب منه أن يساهم في التعويض لأن الغرب ساهم بشكل مباشر بالتخريب الذي جرى في سورية. موارد إعادة الإعمار في سورية، هي أولاً التعويضات التي يجب تحصيلها واستيفاؤها من تلك الدول التي دفعت مئات المليارات في الحرب السورية ودمرت البنية التحتية والاقتصاد السوري ومنازل السوريين، ناهيك عن الضحايا بمئات الآلاف، والمعاقين والأيتام والأرامل... وهذه التعويضات يجب تجميعها في صندوق سيادي سوري، يتقرر سورياً، وفقط سورياً، كيف يتم صرفها لإعادة الإعمار.
المورد الثاني هو العمل مع الأصدقاء الذين يسمح وضعهم المادي بذلك، وأقصد بالدرجة الأولى بلدان بريكس وخاصة الصين والهند وروسيا، هذه البلدان لديها إمكانيات كبيرة ويجب إعطاؤها الإمكانيات اللازمة لتعمل في إعادة بناء سورية.
المورد الثالث، هو الموارد الذاتية لسورية. سورية بلد غني جداً لكنه غير مستفيد من موارده لأن عمليات الفساد والنهب التي كانت تجري تاريخياً كانت تهتم فقط بعمليات الاستيراد والتصدير (نفط، قمح، قطن، غاز..إلخ) دون الاعتماد على تصنيع المواد الموجودة بسورية التي يمكن أن تحقق فوائد كبيرة للاقتصاد السوري والمواطن السوري.
المطلوب هو خريطة استثمارية مدروسة جديا ترفع العائد في التوظيف الاستثماري الذي يجب أن يجري ويمكن أن تفتح البلد للاستثمارات على أساس هذه الخريطة مع شروط معينة تحافظ على السيادة السورية والاستقلال الوطني، هذه هي رؤيتنا لموارد إعادة الإعمار.
في ما يخص المرحلة بعد إعادة الإعمار، وكيف يجب أن يكون البناء الاقتصادي، فهذا متعلق بالحلول السياسية وكيف ستحسم، لأن البناء الاقتصادي لا يمكن أن يكون محايداً هو إما لمصلحة الفقراء المظلومين أو لمصلحة الأغنياء الذين كانوا يستفيدون قبل الحرب واستفادوا خلالها ويريدون أن يستمروا بالاستفادة بعد الحرب. هناك في نهاية المطاف برنامجان سيتصارعان على استمالة قلوب وعقول السوريين، نحن لدينا برنامجنا، برنامج اليوم الأول بعد الأزمة لحل كل القضايا الكبرى التي تنتصب أمام بلادنا وأمام شعبنا.