كرز البنت الزّعرا
هل بحثتم عن الحُبّ؟
لمَ لا والحياة بحاجة إلى الوعد؟
الوعد؟!!
لولاه لما عثرنا على الله، أو لـَضَمَرَ فينا وانهارت صحته.
نعرف أننا بئر بلا ماء، نعرف ذلك، ونعرف أنه ما من أحد فينا بحجم الوعد، وقد قُتِل الكرز فينا، ونعرف أننا نطارَد في الأزقة.. كل ذلك نعرفه، ونعرف أكثر.
نعرف:
- أن الـ "أف بي آي"، يطارد حمضنا النووي.
- أننا بهلوانات في لعبة الأمم.
- أن الدم الذي يجري في عروقنا لم يعد يفضي إلى الرباط، بغداد، القاهرة، دمشق، غرناطة أو الأندلس.
- أننا ولدنا من رحم القرون الوسطى ولم نزل فيها (من قال أن القرون الوسطى لم تشهد خفقات القلب؟).
- نعرف أنه لم يبق مقدّساً إلاّ وسقط.. سوى المطر.
- نعرف أننا ننتقل من دولة المجازر إلى دولة الصوامع، وما بينهما قتيل يرثي قتيلاً.
- أننا الإصبع العرجاء في الزمن.. كذلك نعرف.
- أن الهباء فضيلة العصر ووديعته.
- أننا أبناء حرائق الغابات، تلك النظرية المقدّسة وقد اطلقها جورج بوش الأب واستكملها الابن.
- أن لبغداد نهرين والعراق عطشى.
- أن حقنا في الحياة مثل كلماتنا.. حبرٌ على ورق.
- أن ماوراء المشهد هو المشهد، وفي المشهد المعروض على جمهور الصالة، ليس ثمة ما يزيد عن خدعة بصرية .. خدعة كما خداع التاريخ بدءاً من تاريخنا في سمرقند وطليطلة، حتى تاريخنا في ساحة المرجة.
نعرف.. نعم نعرف:
- أننا في الإقامة المزدوجة.. قلم في السرير وقلم في القبر، وأن عقولنا التي خِلْناها جمراً ليست سوى لعبة الدمى في كرنفال المختبرات، مختبرات المال والسلاح، المحطَّمَة.
- نعرف أن الغرينيكا العربية أوسع من خيال رسّام، وأن تمثال الحرية في بغداد، وقد عجنته أصابع جواد سليم، لا يزيد عن أرجوحة سقطت بنا.
- نعرف أن قدم غورو ركلت قبر صلاح الدين ولم تتطاول على قبر شهريار، الملك المفتون بحكايات امرأة تعرف كيف تلاعب الرجال وكيف تستدرجهم إلى دمهم.
ونعرف، ونعرف ونعرف.. ونميّز كما خيميائيين أصلاء ما بين دم المقهى ودم السلطة، ونعرف كرنفالات الحرية وقد تحوّلت إلى مهزلة.
ونعرف أن للفضائح نكهة فارهة.. وأن بطون سادتنا المرصّعة بالقتلى، هي المساحات السفلى من قلوب ممتلئة بالحجارة.
ونعرف أن لدمشق صخرة، لا اعرف إن أزيلت، أم إذا ما زالت صخرة.. وكان اسمها صخرة "أذكريني".
تصوروا كم نعرف، نحن القادمون من مجاهل التاريخ نعرف، ذلك أنها (وأعني المعرفة)، حق متاح لنا.. نعم متاح، وما ليس متاحاً هو أن نعرف كمية المستوطنات التي أقيمت فوق عقولنا أو تلك التي غرست في قلوبنا، ونعرف كيف نغيّب القضية، ونحتفظ بالجريمة.
ومع أننا نعرف، نعرف أنه (الحب)، وحده من سيطالب بالإفراج عن المعتقلين، عن قوائم الموتى.. لا.. بل بالإفراج عن الذاكرة.
لأنه كذلك سنبحث عنه في مواسم الكرز.. عند بنت زعرا تكتب القصيدة لتتدلى من كلمتها حبّات الكرز.
- كرز في كل موسم.