ما هو الإنجاز المفقود؟
لم يكن متشائماً، بما فيه الكفاية، حيال مستقبل البشرية بسبب العنف الملازم لمسيرتها، بل حتى أنَّه، بالمقارنة إلى واقع الحال، كان متفائلاً جداً، فلا "عسر في الحضارة". وهذا هو عنوان آخر مؤلّفات سيغموند فرويد، أو ما قبل اﻷخير، الذي تنبّأ، من خلاله، بمستقبل قاتم للبشرية، حيث لا دواء لدائها المزمن، أي العدوانية التي تحرق الأخضر واليابس. ورغم واقعيته وصوابية تشاؤمه إلاَّ أنه تعثّر في تشخيصه، فالعسر قد لا يكون نعتاً لحضارتنا أو مرضاً أصابها، بل هو حضارة عسر وحضارة وَهْم، لأنَّ جُلَّ إنجازاتنا، العلمية منها والأدبية، ناهيك عن الدينية والفلسفية، مشتقّة من بذرة واحدة فاسدة مضمونها أنَّ هذا الكائن أرقى من كل الكائنات الأخرى، ومعها، أي مع هذه الفكرة، وقع الانفصال وتمّ البَتْر.
وهذه الفكرة، التي تبدو بسيطة جداً وواضحة، قد تكون منبع شرورنا وعلّة مآسينا كافةً. فما هو الإنجاز الأهمّ للبشرية، أنْ يسير الإنسان على سطح الماء أو على سطح القمر والمريخ أم أن يسير الإنسان، على سطح الأرض، بسلام؟ ومن دون السلام، ما فائدة العلم والمال والجاه؟.