الإحصاء الذي دمّر حياة آلاف الكُرد في سوريا
517 ألف كردي حُرِموا حقوقهم لأكثر من 49 سنة
"منذ الصِّغر وأنا أعيش بلا أيّة حقوق، فأنا مكتومة القيد، وليس لدي بطاقة شخصيّة أو أيّة وثيقة أخرى تثبت هويّتي، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي أفراد عائلتنا، الذين يتراوح عددهم بين ثلاثين وأربعين شخصاً، وعندما أنهيتُ دراسة المرحلة الثانوية، نصحني أقربائي وبعض الأصدقاء بعدم متابعة الدراسة، وذلك لأنني لن أحصل على مصدّقة تخرّج في النهاية، ولن أستفيد من دراستي الجامعية، لكنّ والدي كان يدعمنا ويتمنّى أن نحصل على شهادات جامعية، معتقداً بأننا سنصبح مواطنين في يوم من الأيام." بهذه الكلمات تعلّق »دلو محمد«/اسم مستعار لسيدة من مواليد مدينة رأس العين/سري كانييه من مواليد عام (1993 ) فهي تصنّف على أنها إحدى المحرومات من الجنسية وتحديداً من فئة "مكتومي القيد"، وعلى الرغم من إصدار المرسوم رقم (49) والقاضي بمنح الجنسيّة السوريّة لأجانب الحسكة، إلا أن الوضع القانوني لدلو مازال على حاله، وقد تخرّجت من كلية الآداب في جامعة تشرين بمدينة اللاذقية عام 2016 ،لكنها لم تحصل على وثيقة تثبت تخرّجها لأنها "مكتومة القيد".
أصدرت منظمة "سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة" تقريراً مطوّلاً بمناسبة الذكرى السنوية الـ 56 لإجراء الإحصاء السكّاني الاستثنائي في محافظة الحسكة - شمالي شرق سورية والذي يصادف يوم 5 تشرين الأول/أكتوبر 2018.
الإحصاء الذي أُجري وفق المرسوم التشريعي رقم 93 في 23 آب/أغسطس 1962، من قِبل ما سُمّي آنذاك بـ "حكومة الانفصال"، وقد استند ذلك المرسوم القاضي بإجراء الإحصاء في محافظة الحسكة إلى المرسوم التشريعي رقم (1) وعلى القرار الصادر عن مجلس الوزراء المنعقد برئاسته رقم (106) في 23 آب 1962، وتضمّن المرسوم في مادّته الأولى ما يلي: "يجري إحصاء عام للسكان في محافظة الحسكة في يوم واحد يُحدّد تاريخه بقرار من وزير التخطيط بناءً على اقتراح وزير الداخلية."
تمّ بموجب هذا المرسوم الذي بات يُعرف حالياً باسم "إحصاء الحسكة 1962" تجريد عشرات الآلاف من الكُرد السوريين القاطنين في محافظة الحسكة، وبحسب المعلومات التي ورد ذكرها في التقرير الصادر عن "سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة"، والتي قالت إنها حصلت عليها من مصادر رسمية داخل مديرية النفوس في محافظة الحسكة، فإنّه حتى مطلع العام 2011 كان عدد فئة "أجانب الحسكة/أصحاب البطاقة الحمراء" والمسجّلين ضمن قيود المديرية قد بلغ (346242) فرداً، ومع نهاية شهر أيار/مايو 2018 بلغ عدد الحاصلين على الجنسية السوريّة من نفس الفئة (326489) فرداً، فيما لا يزال هنالك (19753) فرداً من فئة أجانب الحسكة غير حاصلين على الجنسية السوريّة بعد.
وأمّا بخصوص فئة المكتومين، فقد نفى المصدر التصاريح التي تقول بعدم معرفة الحكومة السوريّة عدد فئة مكتومي القيد، إذ أشار إلى أنّ المديرية في الحسكة كانت تعتمد على سجلّات "المخاتير" خلال العقود السابقة، والتي كانت تمنح وثائق لفئة "مكتومي القيد" مثل "شهادة التعريف" على سبيل المثال، وقد وصل عدد فئة مكتومي القيد حتى العام 2011 إلى أكثر من (171300) فردٍ، حصل حوالي (50400) فردٍ منهم على الجنسية السوريّة بعد تصحيح وضعهم القانوني من فئة المكتومين إلى فئة أجانب الحسكة وبالتالي إلى فئة المواطنين السوريين. ولكن هنالك حوالي (41000) حالة لم تستطع تصحيح وضعها القانوني بسبب مشاكل صادفتها المديرية أثناء إدخال ملفّاتهم إلى قيود فئة أجانب الحسكة. ومازال هنالك أقلّ من (5000) شخص لم يقوموا بالمجيء إلى دوائر النفوس من أجل تصحيح وضعهم القانوني.
وفي المحصّلة فقد بلغ مجموع عدد المجرّدين/المحرومين من الجنسية منذ عام 1962 إلى العام 2011 أكثر من (517) ألفاً من الكُرد السوريين. وقد تمّ تمييز الهويات الشخصية التي حصل عليها أجانب الحسكة بشفرات خاصّة، حيث تمّ وضع الرقم 8 بعد رقم الخانة/القيد: لتصبح كالتالي: ××/8.
وقال بسام الأحمد المدير التنفيذي لمنظمة "سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة ": أدّى الإحصاء إلى نتائج كارثية، حيث كان جزءاً من سياسات تمييزية ومشاريع موجّهة ضد الكُرد، دمّرت الهوية الكردية، كما دمّرت جوهر المواطنة السوريّة، وحَرَمت الكُرد من حقوقهم في امتلاك الوثائق لتثبيت الزواج ونسب الأولاد وحقّ التنقّل واستملاك العقارات وغيرها الكثير من التبعات التي ترتّبت على العائلات والأشخاص الذين حُرموا من التمتّع بالجنسية السوريّة على مدار السنوات والعقود اللاحقة.
وبعد اندلاع الاحتجاجات السلمية في سورية، صدر المرسوم التشريعي رقم (49) بتاريخ 7 نيسان 2011، الذي نصّ على (منح الجنسية العربية السورية للمسجّلين في سجلّات أجانب الحسكة) وجاء في مواده ما يلي:
المادّة 1: يُمنح المُسجّلون في سجلّات أجانب الحسكة الجنسية العربية السوريّة.
المادّة 2: يُصدر وزير الداخلية القرارات المتضمّنة للتعليمات التنفيذية لهذا المرسوم.
المادّة 3: يُعتبر هذا المرسوم نافذاً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
وبعد عدّة أشهر من صدورهذا المرسوم ، نُشرت وسائل الاعلام أخبار بخصوص قرار وزاري يقضي بمعاملة فئة مكتومي القيد نفس معاملة الأجانب (فيما يخصّ الحصول على الجنسيّة).
بالمحصلّة أدّى الإحصاء إلى نتائج كارثية على الكُرد السوريين لتصبح هذه القضية واحدة من أعقد الملفّات التي فشلت الحكومات السورية المتعاقبة بالتعاطي معها، ورفع الغبن عن الفئات التي وقع عليها.