الإسلام والديمقراطية
هل يمكن للإسلام أن يكون ديمقراطياً؟ هل يمكن تشكيل أحزاب إسلامية ديمقراطية؟
يحتلّ هذان السؤالان مساحة واسعة من الحوارات السورية نظراً للتحوّلات الكبيرة التي يعيشها المجتمع السوري على المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فهذه التحوّلات فَتَحَت الآفاق للحوار والنقاش حول المواضيع الأكثر تعقيداً، والأكثر إلحاحاً وحاجة إلى إيجاد حلول ناجعة لها.
وبالعودة إلى السؤالين السابقين، فإن الإسلام كغيره من الأديان ساهم بشكل كبير في تنظيم المجتمعات التي حكمها، ومع مرور الزمن وتطوّر المجتمعات وتداخُل المصالح الاقتصادية والسياسية تجاوز دوره الاجتماعي، فتحوّل إلى شكل من أشكال إدارة الدولة، بما فيها إدارة مصالح مواطنيها الاقتصادية والسياسية، فوُضعتِ التشريعات والقوانين حسب مصالح القوة المسيطرة، وأعطيت تفسيرات مناقضة للدين، ومع تطوّر أنظمة إدارة الدولة وآليّات تداول السلطة بشكل سلميّ، فشل القائمون على تطوير أدوات الحكم في الإسلام بشكل ينسجم مع الدولة الحديثة، فتحوّل الدين إلى وسيلة للوصول إلى السلطة، وفلسفة لإدارة وإخضاع المجتمعات.
أمّا الديمقراطية فكانت منذ البداية أداة لإدارة المصالح السياسية والاقتصادية، تستمدّ سلطتها من الإرادة الحرّة للمواطنين، وتطوّرت لتكون أهمّ أداة لتداول السلطة وإدارة الدولة من خلال قواعد وآليّات محدّدة، فالديمقراطية هي دين الدولة الذي خلقه العقل البشري مستمدّاً سلطته من الإرادة الحرّة للإنسان، لذلك لا يمكن الجمع بين الديمقراطية والإسلام أو أي دين آخر، والجمع أو الخلط بينهما سوف يخلق شكلاً مشوّهاً للإدارة، وأي شكل من أشكال المواءمة بينهما بحاجة إلى إجراء تغييرات جذرية وعميقة على أحدهما أو كليهما.
بالنسبة للجدلية الثانية المتعلّقة بوجود أحزاب إسلامية، فليس هناك ما يمنع وجودها في الأنظمة الديمقراطية، أو أن يكون لهذه الأحزاب أجندة سياسية متعلّقة بقضايا أخلاقية وثقافية دينية ذات أبعاد اجتماعية على غرار الأحزاب الديمقراطية المسيحية المنتشرة في أوروبا، ولكن بدون المساس بشكل الدولة وقِيَمها وقوانينها الناتجة عن الإجماع العام، أو حتى حياديّة الدولة تجاه مكوّناتها، وخاصة الدينية منها، كما لا يجوز استخدام المنابر الدينية مكاناً للدعاية الحزبية، فالكنيسة في أوروبا حاولت السيطرة على جميع مفاصل الدولة، وكانت نتائجها كارثية وذات أبعاد تدميرية، ولم تستطع المجتمعات الأوربية النهوض إلا حين قامت بفصل الدين عن الدولة، وهذه العملية كانت بمثابة توزيع وتهذيب الصراع بين القوى المختلفة في المجتمعات.
فتوزيع الأدوار بين القوة والتيارات السياسية بشكل سلميّ، بحاجة إلى حاضنة قادرة على أن تستوعب الجميع، وتوفّر البيئة الآمنة من أجل بناء مؤسّسات حقيقيّة، ومن أجل أن يسود القانون، وأن يتمّ تداول السلطة وصولاً إلى دولة حيادية كاملة الأركان، تحمي مصالح مواطنيها بعيداً عن القوى السياسية. واليوم لا يوجد أفضل من الديمقراطية حاضنة وحاملاً للتنوّع والاختلاف في المجتمعات، لأن الديمقراطية لا تلغي الانتماءات ولا تفاضل بين التنوّع، إنّما تساوي بين الجميع، وتجعل الدولة تقف على مسافة واحدة من الجميع بدون تمييز.
لذلك يجب أن تشكّل الديمقراطية هدفاً أساسياً لجميع القوى السياسية، وحتى الإسلامية منها، لأنها الوحيدة القادرة على حماية مصالح الجميع، وعلى إتاحة الفرصة للجميع للمشاركة في الحكم بدون تمييز طرف على حساب طرف آخر، كما أن الديمقراطية هي الأكثر قدرة على منح المواطنين حقوقاً متساوية لممارسة معتقداتهم وشعائرهم الدينية بدون تمييز أو اعتداء أو تفضيل دين على آخر.