سيناريوهات ما بعد الانسحاب الأمريكيّ من سوريا
تسود حالة من الهلع بين السوريّين، وخاصة شرقي الفرات، نتيجة لقرار ترامب المفاجئ بالانسحاب بشكل فوري من سوريا.
هذا القرار المفاجئ ترك العديد من علامات الاستفهام حول جدواه وتوقيته، وأيضاً آثاره على الساحة السوريّة، وخاصة في ظِل عدم وجود أي انفراج سياسي حقيقي في الأفق، وفي ظِل ضبابية القرارات، وأبعادها داخلياً وخارجياً، وبناء عليه يمكننا القول إننا سوف نكون أمام عدة سيناريوهات تلوح في الأفق:
السيناريو الأول: هو اجتياح تركي مدعوم بما يسمّى الجيش الوطني للمنطقة، وسوف تكون ضريبة هذا السيناريو على المستوى الإنسانيّ كارثية، حيث لا يمكننا سوى تخيّل صور نزوح ولجوء المدنيين، وخاصة الكرد منهم، وصور الجثث والسرقات والتدمير الثقافي والاجتماعي أضعاف ما حدث في عفرين، وخاصة في ظِل تصريحات المسؤولين الأتراك العنصرية تجاه الكرد ومقاتلي (قسد)، أمّا على المستوى السياسي، فهذا يعني أن تركيا تكون قد سيطرت على نصف مساحة سوريا المفيدة تقريباً، وهو ما يجعلها نداً قوياً على طاولة المفاوضات مع الروس والإيرانيين، ولا أعتقد أن الطرفين سوف يقبلان بدون وجود اتفاق مسبق بإعادة المناطق إلى النظام، أو ضمن ترتيبات أخرى بين حلفاء الأستانا.
السيناريو الثاني: هو تسليم المنطقة إلى الحكومة السوريّة، وهنا سوف تكون تكلفتها إنسانياً أقلّ؛ بما أنها سوف تكون ضمن اتفاق، ولكن سوف نشهد حركة نزوح، وعمليات انتقامية واعتقال، وخاصة في دير الزور والرقة، أمّا سياسياً فسوف يسمح هذا السيناريو للإيرانيين بتوسيع نفوذهم، فالميليشيات الإيرانية لا تتحرّك سوى تحت مظلة النظام كتكتيك اتّبعته منذ البداية، وهذا بدوره يزيد من قوة الإيرانيين التفاوضية، وسوف يعيدنا إلى المربع الأول، واحتمالات قبول النظام بأية تسوية سوف تتضاءل إلى الحضيض.
السيناريو الثالث: هو أن يكون البديل روسيا الاتحادية باتفاق شبيه إلى حدّ ما باتفاق درعا، وفي الحقيقة هو أفضل السيناريوهات على المستوى الإنساني، مع عدم قدرتها على ضبط انتهاكات المليشيات الإيرانية وقوات النظام، وقد يتمّ دمج قوات (قسد) بالفليق الخامس، وربطها بحميميم إلى حين الانتهاء من ترتيب الملفّ السياسي والأمني، ولكن هذا السيناريو على المستوى السياسي سوف يكون الأسوأ، وخاصة للمعارضة، فرغم يقيني أنه سوف يؤدّي إلى انفراج سياسي، وخاصة على مستوى العملية الدستورية، ولكن باتجاه رؤية أحادية للحلّ، وهي الرؤية الروسية، وذلك نتيجة لاختلاف ميزان القوى، وهذا بطبيعة الحال لن يرضي أحداً، حتى الإيرانيين والأتراك، وهو يعني استقرار مؤقّت.
السيناريو الرابع: هو دخول قوات عربية (إماراتية، سعودية) أو قوات دولية للفصل بين الأتراك وقسد، ولكن كلا الاحتمالين مستبعدين.
السيناريو الخامس: وهو الأفضل لبقاء الوضع على حاله إنسانياً، وأيضاً من ناحية الحفاظ على توزان القوة والعملية السياسية، وهي أن يقوم التحالف الدولي بملء الفراغ الأمريكي إلى حين إتمام الانتقال السياسي، وخاصة (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا)، فهذا السيناريو قد يحقن الدماء، وقد يعيد التوازن في القوة التفاوضية بشرط دعمها أمريكياً، وقد نشهد أيضاً انفراجاً سياسياً كبيراً يحقّق استقراراً أطول، وخاصة إذا تمّ ربط التواجد الأوربي على الأرض بإجراءات الاتحاد الأوربي السيواقتصادية المتعلّقة بإعادة الإعمار والعقوبات على روسيا واتفاقها مع إيران بخصوص الملفّ النووي، والعقوبات الأمريكية على الأخيرة.
السيناريو السادس: وهو الأخطر، وهو تصارع جميع الدول السابقة فيما بينها، وعدم قدرتها على إيجاد تفاهمات، خاصة أن القرار كان مفاجئاً، ولا يوجد أي إستراتيجية لما بعد الانسحاب للإدارة الحالية.
تبقى جميع هذه السيناريوهات هي عبارة عن احتمالات قد تصحّ أو تخطئ، ولكن لهذا الانسحاب نتائج لا يمكن الهرب منها، وهي: زيادة معاناة السوريين الإنسانية واستمرارها، وتعميق الانقسامات بين المكوّنات السورية، وفراغات كبيرة قدم تسمح لداعش ولتنظيمات أخرى بالظهور، والإخلال بتوازن القوى السياسي لصالح النظام ودول الأستانا، والأهم هو فشل للدور الأمريكي في الشرق الأوسط، واقتصار دوره على تدمير وتفكيك المجتمعات بدون القدرة على مساعدتها على الاستقرار.
وفي النهاية فان أكثر ما يحزن هو أن السوريين، وخاصة أبناء المنطقة الشرقية، لم نحظَ إلى الآن بحرّية اختيار لممثّلينا، فدائماً ما نضطرّ إلى إيجاد آليّات تأقلم مع قوة الأمر الواقع بدون أن يكون لنا دور في اختيارها. فنحن لسنا فاعلين بقدر ما نحن ردّة فعل ضمن خيارات محدودة جداً.