العلم والدين .. صراع أم حوار ؟
إن الحديث عن علاقة العلم بالدين قد أصبح مؤخّراً إحدى المواضيع الأكثر انتشاراً وإثارة للجدل، سواء في المجتمع العلمي أو الديني، أو بين رواد التواصل الاجتماعي.
فالبعض يرى أن هذه العلاقة هي علاقة صراع وعدم توافق، وأنه لن ينجو أحدهما حتى يلغي الآخر، والبعض الآخر يرى أن هناك توافق بينهما، ومن الممكن أن يندمجا سويّة لخدمة البشرية، مستندين بذلك على أدلّة تاريخية كالتقدّم العلمي الذي ساد عند البوذيّين والهندوس، وفي العصور الذهبية الإسلامية، كما يدّعي بعض أنصارها بأن العلم والدين توءَمان، وأن الصراعات التي نشأت بينهما كانت فقط نتيجة للجهل والتعصّب في فهم الحقيقة لا الحقيقة نفسها، فالحقيقة هنا واحدة، و يذهب آخرون على إطلاق مسمّى الاستقلالية على علاقتهما ببعض، فكلّ منهما مستقلّ تماماً عن الآخر بالجوهر والتفاصيل، كما ظهر مؤخّراً من يدعون للحوار بين العلم والدين من أجل صياغة علاقة محدّدة بينهما لطالما كان لهما تأثيران مختلفان على جوانب حياتنا اليومية، كما إن كليهما قادران على إسعاد أو تدمير البشريّة بطرق مختلفة.
نذكر مثالاً هنا : إن العلم قد قدّم لنا الكهرباء و المواصلات والاتصالات والطبّ والأدوية وغيرها الكثير، وبالتالي ساهم في تطوير البشرية، لكن بنفس الوقت قد طوّر أسلحة فتْك وقتْل ودمار شامل، وساهم في تدمير البشرية . والأمر ذاته ينطبق على الدين الذي نظّم المجتمع وأمور الحياة وساهم بصياغة قوانين الدولة على مرّ التاريخ، لكنه تسبّب أيضاً في حروب وصراعات بين الديانات المختلفة.
وبالنظر لِما سبق يمكننا تبيان الفرق الجوهريّ بين العلم والدين، وكيف يبدوان مختلفَين، حيث يستند الدين على الوحي والإيمان، ويعتبر المتديّنون أن مرجعيّاتهم من النصوص المقدّسة، هي حقائق مطلقة وغير قابلة للنقاش ولا تحتمل الخطأ، علاوة على ذلك يركّز الدين على جوانب الحياة الثقافية و الأخلاقية و تنظيم الحياة و المجتمع عبر الوصايا الربّانية التي نزلت عن طريق الوحي . بينما يستند العلم على منهج علمي محدّد قائم على ( الملاحظة ، الفرضية، التجربة و الاستنتاج ) هذا المنهج العلمي يحتمل الخطأ والصواب في أي مرحلة من مراحله، وقد يقودنا إلى صياغة قوانين تكون مفيدة للبشرية مستقبلاً، غير أن العلماء لا يؤمنون بالحقائق المطلقة فأغلب الأمور نسبية، أي أن العلم بنظرهم لا يقبل إلا بالشكّ.
وبناء على هذه الاختلافات الجوهرية، ظهر تاريخياً صراع حقيقيّ بين أتباع الديانات والعلماء، ويمكننا أن نعتبر قضية غاليليو شرارة هذا الصراع الذي بدأ منذ القرن السادس عشر، بعد ما أعلن عن دعمه و إثباته لنظرية كوبرنيكس عن مركزية الشمس، وبذلك يكون قد عارض أفكار الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تقرّ بأن الأرض هي مركز الكون، وبأن هذه الفكرة غير قابلة للنقاش، حيث كانت مرجعيّة الكنيسة هي الكتاب المقدّس و تعاليم أرسطو التي كانت سائدة في أوربا في العصور الوسطى، اتُّهم غاليليو بعدها بالهرطقة من قِبَل محاكم التفتيش، وأصبح منبوذاً حتى توفّي.
من الجدير بالذكر أن غاليليو استنتج نظريّته اعتماداً على التجربة، أي أنه اخترع تلسكوباً، ولاحظ واستنتج وأقرّ نظريّته، كما أن هذه القصة تشكّل نقطة حوار لكل من يدعم الحديث عن العلاقة السيّئة بين العلم والدين . بعد غاليليو ظهر العديد من العلماء الذين نسفوا تعاليم الكنيسة ككبلر ونيوتن وغيرهم.
في العصر الحديث لا شكّ بأن الكثير من العلماء كدوكينز وساغان وهوكينغز الذين عرفوا بإلحادهم ومعارضتهم الواضحة للأديان وللخالق، حيث إن تصريحاتهم المختلفة قد ساهمت كثيراً في إثبات حقيقة وجود هذا الصراع. فضلاً عن نظرية التطوّر التي تعدّ إحدى القضايا التي تدعم هذه الفكرة، حيث تمّ مهاجمتها بعنف من قِبَل الكنيسة الكاثوليكية ورجال الدين المسلمين.
وأخيراً، قد لا يهمّ الكثير ماهي نمط العلاقة بينهما، لكن أستطيع القول إن ما يهمّ المجتمع البشري عموماً هو ما يستطيع أي منهما تقديمه للبشرية لوحده، متصارعاً أو متّحداً مع الآخر .