موسمُ الزيتون في عفرين قوت المدنيّين عرضة لنهب فصائل المُعارضة
يمتلك رفعت مامو، وهو من مزارعي الزيتون في منطقة عفرين، ما يقارب 400 شجرة زيتون في منطقة شيه "شيخ الحديد"، فقدها جميعها في ليلةٍ واحدة، بعد أن استولت إحدى الفصائل العسكرية المنتشرة في ريف مدينة عفرين عليها بالكامل.
يصرّح مامو لـ"صُوَر" عن ذلك، بالقول: "جرى الاستيلاء على كامل ثمار الزيتون من الأشجار التي أمتلكها، إذ قامت فصائل عسكرية في المنطقة في ليلة واحدة بنشر عناصرها بين أشجار الزيتون وجني كامل الثمار وسرقتها، دون أن أحصل على تعويض لذلك من الجهات المختصة رغم تقديم الشكوى لعدة جهات تابعة لهم".
تعتبر زراعة الزيتون في منطقة عفرين، بمحافظة حلب، المصدر الرئيس لسكان المنطقة، الذين يعتبرون تلك الزراعة المشهورة بجودتها ونوعيّتها المميّزة من الموارد الهامّة التي تقام من خلالها المشاريع التجارية والاقتصادية داخل المدينة أو خارجها.
في حين يعتبر العفرينيّون أن شجرة الزيتون تمثّل القيَم والعطاء والكرامة بالنسبة لهم، وهي مرتبطة بوجودهم في تلك المنطقة الجبلية التي تُستهدف من قبل المتطرّفين في المنطقة، إلا أنه لم يحالف الحظّ سكان مدينة عفرين وقراها هذا العام، فباتت تلك الأراضي الممتدّة على طول المنطقة عرضة للسرقة والنهب من قِبَل الفصائل السورية المعارضة المسيطرة عليها، حيث امتهنت تلك الفصائل السرقة الممنهجة بتفكيك المعاصر، وجني ثمار الزيتون في الليل، وصولاً إلى مصادرة صفائح الزيت على الطرقات وفي المنازل.
أتاوات مختلفة حسب الجهة المسيطرة
في قرية معراته القريبة من مدينة عفرين مركز، أصدر قيادي في فرقة الحمزات المسيطر على القرية عدداً من القرارات التي تصل إلى السيطرة على كامل منتوج زيت الزيتون، وثمار أشجار الزيتون في القرية، فدعا إلى فرض ضرائب تقدّر بـ4 آلاف تنكة زيت كضريبة تؤخذ من الأهالي في القرية لصالح الفصيل، وبعد تدخّل بعض وجهاء المنطقة ومع وساطات محلية تمّ خفض الضريبة إلى ألفي تنكة زيت، بالتزامن مع تعميم القرار على كافة القرى التي تسيطر عليها فرقة الحمزات، مع منع استخراج زيت الزيتون أو ثمار الأشجار خارج تلك القرى لبيعها أو إرسالها إلى خارج المنطقة، وفرض أسعار منخفضة جداً لبيعها في الداخل.
أمّا في ريف ناحية بلبله فقد فرضت الكتائب المسلحة ضرائب جديدة على المواطنين، تتمثّل بدفع مبلغ ألف ليرة سورية عن كل شجرة زيتون، للسماح لهم بجني محصول الزيتون، ولاحقاً تمّ استبدال القرار بعد ذلك بتغريم سكان القرية بـ300 تنكة من زيت الزيتون من إنتاج محاصيل القرية، التي هجرها معظم سكانها وأوكلوا لمَن تبقّى في القرية من سكانها مهمّة جني محاصيل الزيتون في مزارعهم، بينما عمدت فصائل في منطقة ميدان إكبس لسرقة الزيتون، ومن ثم تقطيع أشجار مزارع هجرها سكانها، وتحطيبها وبيعها في الأسواق.
المجالس المحلّية المدنيّة تفرض أتاوات إضافية
حدّدت المجالس المحلية التابعة للحكومة التركية في منطقة عفرين شروطاً عديدة لجني ثمار الزيتون هذا العام، مع فرض ضرائب متفاوتة تعود إلى المجالس المحلية في المنطقة؛ فطالبت المجالس المحلية مالكي معاصر الزيتون بتحويل 10% من نسبة إنتاج الزيتون لصالح المجالس المحلية في المنطقة، و5% لصالح المعصرة، إلا أن الفصائل المسلحة في المنطقة لم تلتزم حتى بهذا القرار، وفرضت أتاوات خاصة بها على السكان، بالتزامن مع فرض ضرائب على الأراضي التي لا يتواجد أصحابها في المنطقة، إن حالفهم الحظّ ولم يُسرق كامل المنتوج من قبل الفصائل.
يقول الحاج أحمد ولي، من مزارعي مدينة عفرين: "خلال اجتماعاتنا مع المجالس المحلية قبل الموسم، اتّفقنا على تحديد نسبة من الموسم تعود للمجالس المحلية أو للجهات التي تشرف عليها، ولكن لم تلتزم تلك الأطراف بهذه النسبة، وفرضت ضرائب وأتاوات متنوّعة على المزارعين، دون الالتزام بالقرار التركي أو قرار المجالس المحلية، وبالتزامن مع تجاهل كامل من المجالس لمثل تلك التصرّفات".
مهجّرو عفرين محرومون من محاصيلهم
حاولت فصائل الجيش السوري الحر المسيطر على منطقة عفرين، الاستفادة من عدم تواجد الأهالي ونزوحهم باتجاه مناطق الشهباء ومحافظة حلب بسبب الحرب الدائرة؛ حيث صدرت عدة فتاوى وقرارات من تلك الفصائل بجني ثمار أشجار الزيتون لعدد كبير من النازحين غير المتواجدين في المنطقة، أو فرض أتاوات كبيرة على من يوكّل بجني ثمار الزيتون هناك.
يقول قازقلي مراد، أحد مهجّري المدينة "لدي مساحات واسعة من أشجار الزيتون في منطقة عفرين، إلا أنه وبحكم هروبنا من الحرب الدائرة في المنطقة، واحتلال تلك الفصائل لها، لم نستطع جني ثمار الزيتون من أراضينا، حيث أخبرني بعض الأصدقاء أنه يتوجّب عليّ توكيل أحد الأقرباء لجني ثمار الزيتون، إلا أن ذلك مرفوض بالنسبة لي، فقد حُجزت جميع ممتلكاتي، وقامت الفصائل المسيطرة على المنطقة بنهبها، بحجّة تبعيّتي لوحدات حماية الشعب، مع العلم أنني مدني وليس لي أية علاقة بالعمل السياسي أو العسكري".
وهذا ما تؤكّده السيدة أمينة حاجي، صاحبة مزرعة للزيتون في ناحية راجو بقولها "رغم عودتي من محافظة حلب إلى مدينة عفرين ودفع مبالغ كبيرة لقاء ذلك، إلا أن الفصائل المسلحة المسيطرة على المنطقة كانت قد نهبت نصف المحصول هناك، والنصف الآخر دفعت عليه ضرائب باهظة مع أجور النقل والمعصرة، وبذلك نُهب كامل المحصول، ولم أحصل من تلك المزرعة الكبيرة إلا على عدة صفائح من الزيت يُمنع خروجي بها من عفرين، وبقائي عرضة للسرقة في أي وقت".
منع خروج الزيت من عفرين وبيعه لتجّار أتراك
تمّ إصدار عدّة قرارات عسكرية من الفصائل المسلحة ومن المجالس العسكرية بمنع خروج الزيت خارج منطقة عفرين، دون ذكر سبب لتلك القرارات، فيما تحاول الأطراف العسكرية من خلال السماسرة بيع صفائح الزيت التي يشترونها من المزارعين بنصف القيمة لتصديرها إلى تركيا وبيعها بمبالغ باهظة.
من ناحية أخرى تحدّثت مصادر محلية من عفرين عن إرسال الحكومة التركية فريقاً تابعاً لغرفة التجارية التركية، لشراء زيت الزيتون من المدنيين بأسعار منخفضة جداً، حيث حدّد الفريق التركي أن الحدّ الأعلى لبيع تنكة الزيت الواحدة، والتي يُقدّر وزنها الصافي بـ١٦ كغ هو ٣٤ دولار، أي ما يعادل ١٦٣٢٠ ل.س، وبحسب الأهالي يمثّل هذا المبلغ نصف ثمن الصفيحة الواحدة بحسب السعر المتعارف عليه في الأسواق سابقاً، قبل الاحتلال التركي للمنطقة.
وعن ذلك يقول عارف جومي : "لا تكمن مصيبتنا فقط بعمليّات السرقة الممنهجة التي تعرّضنا لها، وإنما المصيبة الأكبر هي في العملية التي تلي استخراج الزيت، حيث فرضت الجهات المعنيّة على المزارعين بيع صفائح الزيت بأسعار منخفضة جداً مقارنة بالمواسم السابقة، كما منع علينا إخراج الزيت إلى خارج منطقة عفرين لبيعه، وهذا يُعتبر جريمة كبيرة بحقّنا، ما دفع أغلب الأهالي بالاحتفاظ بمنتوج الزيت، وسط مخاوف كبيرة من تعرّضهم لعمليات سرقة جديدة من قِبل تلك الفصائل المسيطرة على المنطقة".
تركيا تصدّر زيت عفرين المسروق إلى الأسواق الأوروبيّة
ذكرت العديد من التقارير الإعلامية في الصحافة الأوروبية عن بيع زيت عفرين في الأسواق الأوروبية عبر تركيا، حيث نشر موقع صحيفة بابليكو الإسبانية على الإنترنت تقريراً تحت عنوان " تركيا تحاول بيع زيت الزيتون بشكل غير قانوني في إسبانيا" إن الحكومة التركية تستخدم عدداً من الشركات الوسيطة لتصدير الزيت الذي يتمّ الاستيلاء عليه من الفلاحين الأكراد في عفرين إلى إسبانيا.
وذكر موقع BBC في تقرير له نشر بعنوان " سورية: زيتون عفرين تحوّل إلى "مصدر دخل" للجماعات المسلحة"، اعتراف وزير الزراعة التركي في شهر تشرين الثاني 2018 باستيلاء تركيا على محصول الزيتون في عفرين وبيعه، وقال الوزير التركي خلال جلسات للبرلمان التركي حول موازنة عام 2019 "إننا في الحكومة نريد أن نضع أيدينا على موارد عفرين بطريقة أو أخرى، كي لا تقع هذه الموارد في يد حزب العمال الكردستاني".
خلافات عسكريّة على تقاسم المسروقات
لم تتوقّف الانتهاكات الخاصة بالفصائل المسلحة والمسيطرة في المنطقة على نهب وسرقة أشجار الزيتون ومعاصر زيت الزيتون والصابون هناك، بل تجاوزت تلك الانتهاكات لتصل إلى اشتباكات مسلحة بين الفصائل المسلحة، بسبب الاختلاف على تقاسم مناطق النفوذ، والمسروقات التي تمّت سرقتها من تلك المناطق، حيث دارت عدّة اشتباكات في المنطقة أسفر عنها عدد من القتلى والجرحى العسكريين لأطراف عسكرية مسيطرة على منطقة عفرين.
ويشرح ذلك مجو محمد، من سكان مدينة عفرين بالقول: "لم تتوقّف الانتهاكات على السرقة والنهب، حيث دارت عدّة اشتباكات بين الفصائل المسلحة بسبب الخلاف على تقاسم المناطق والحصص التي تمّ الحصول عليها من سرقة محاصيل الزيتون في المنطقة، وتلك الاشتباكات تدور بين الأحياء السكنية في المدينة، ووسط وجود دوريّات آنية للجيش التركي".
الزيتون المورد المادّي الرئيس للمنطقة
عن أهمّية زراعة الزيتون في منطقة عفرين بالنسبة للسكان المحليّين، يحدّثنا المهندس الزراعي علي أحمد فيقول: " يصل عدد أشجار الزيتون في منطقة عفرين إلى 18 مليون شجرة تقريباً، كما وصلت كمّية إنتاج الزيت في السنوات الماضية إلى 270 ألف طن تقريباً، وتنتشر في المنطقة أكثر من مئتي معصرة لعصر ثمار الزيتون واستخراج الزيت والصابون، كل ذلك هو مورد أساسي ورئيسي لسكان المنطقة، الذين يعتمدون على تلك الزراعة، ويقيمون أغلب مشاريعهم من مردود موسم الزيتون".
وبحسب منظمة حقوق الإنسان في عفرين، يُقدّر عدد معاصر الزيتون في المنطقة بـ250 معصرة، منها 158 معصرة فنّية قديمة ذات طاقة إنتاجية ضعيفة، و92 معصرة فنّية حديثة ذات طاقة إنتاجية كبيرة، حيث تعرّض أكثر من نصفها للسرقة من قِبَل الفصائل المسيطرة على المنطقة، إلى جانب معامل البيرين "تفل الزيتون" الذي يُستخدم للتدفئة واستخراج عدد من الزيوت الأخرى منه، يُقدّر عددها بـ18 مصنعاً، يعمل منها فقط 11 مصنعاً، بالتزامن مع توقّف 7 مصانع عن العمل بسبب تعرّضها للسرقة والسطو المسلح من قِبَل تلك الفصائل، إلى جانب معامل الصابون التي يُقدّر عددها بـ10 معامل كانت تصدر الصابون إلى كافة المحافظات السورية، بالتزامن مع فتح خطّ إنتاج إلى خارج سورية، إلا أن أغلبها تعرّض للسرقة والنهب حسب المصدر.
مخاوف من هروب جديد بعد سرقة المحصول
وتزداد مخاوف الكرد، وهم يراقبون الأوضاع في عفرين، من نزوح المزيد من سكانها الأصليين إلى خارج عفرين، وذلك بعد تعرّضهم لعمليات سرقة جديدة، وتخوّفهم من المزيد من تلك العمليات بعد جني ثمار الزيتون.
بحسب بعض الأهالي، إن أغلب السكان المحليّين كانوا بانتظار جني ثمار الزيتون للسفر بعدها خارج عفرين، والهروب من تلك العمليات التي تستهدف المدنيين. يقول السيد رمزي حاج علي: "بالطبع أنا أول من قمت بالهروب من المنطقة بعد جني ثمار الزيتون وبيعه في الأسواق المحلية، فالبقاء هناك يعني التعرّض من جديد إمّا للاختطاف والسرقة أو القتل، فأغلب السكان الأصليّين يجهّزون أنفسهم لبيع منتوج الزيت، ثم السفر خارج المنطقة هرباً من تلك العصابات".
تبقى الأنظار متّجهة نحو تلك المدينة، التي سُلب من أهاليها الإرادة ومحاولة العيش بكرامة في منازلهم وعلى أراضيهم، بالتزامن مع استمرار الانتهاكات من قبل فصائل المعارضة المسلحة المسيطرة على منطقة عفرين، وقيامهم بارتكاب العديد من الجرائم، حيث يحاول أغلب العفرينيّين بحمل ماجناه من عطاء وحبّ من تلك الأشجار والاتّجاه خارج المنطقة للعيش بسلام، في حين يصرّ البعض الآخر على البقاء وسط تلك الانتهاكات الجسيمة مع صمت دولي كامل لما يحصل من انتهاكات لحقوق الإنسان في المدينة وقراها.