info@suwar-magazine.org

الجامعات السوريّة بين الواقع المتردّي والمستقبل المجهول

الجامعات السوريّة بين الواقع المتردّي والمستقبل المجهول
Whatsapp
Facebook Share

 

 

- الجامعات السورية: تَسرُّب المدرسين والحاجة تدفع الطلاب للبحث عن حلول.

 

- جامعة إدلب الحرّة بين سلطات الأمر الواقع وأحلام الشباب بمتابعة تحصيلهم العالي.

 

- أكاديميّات ومعاهد خاصّة لتعويض نقص الكوادر في الشمال السوريّ.

 

 

 

الجامعات السورية: تَسرُّب المُدرّسين والحاجة تدفع الطلاب للبحث عن حلول

 

جورج . ك . ميالة

 

لا تنفصل الجامعات الواقعة في مناطق سيطرة النظام السوري عن واقع أي مؤسّسة حكومية أخرى، تردّي واقعها والفساد الإداري أصبح منتشراً على نظاق واسع، إضافة للمخاوف الأمنية من الاعتقال لأي سبب يشكّل هاجساً للطلاب شباباً كانوا أم شابّات، خصوصاً ممّن ينتمي لمناطق خارجة عن سيطرة النظام.

 

يقول جمال طالب في كلّية الطبّ بجامعة الأندلس الخاصة في منطقة القدموس التابعة لمحافظة طرطوس "رغم أن أبي هو ضابط طبيب متقاعد كان يعمل في مشفى تشرين العسكري، ويسكن في دمشق، وليس له أي نشاط سياسي، وأنا كذلك، إلا أنه تمّ اعتقالي مرتين في فرعي الأمن السياسي والعسكري بطرطوس، لمدة أسبوعين، بداعي الاستجواب والتحقيق، وعلمت لاحقاً أن الاعتقال الأول كان نتيجة وشاية من أحد موظّفي الجامعة".

 

ويتابع "كنت سابقاً أرغب بعد التخرج بالتخصّص والبقاء للعمل في عيادة والدي بدمشق، لكنني الآن أرغب بالسفر نحو أي مكان، فالوضع لم يعد يُطاق (بمشي الحيط الحيط ياربّ السترة، وما خلصت)".

 

أمّا سارة إحدى طالبات كلية العلوم بدمشق: "عددنا في السنة الرابعة نحو مئتي طالب وطالبة، معظمنا من الإناث، الكثير من الشباب إمّا استشهدوا، أو التحقوا بالجيش الحرّ وقوات النظام وميليشياته، ومنهم من سافر دون إنهاء دراسته".

 

تكاليف الدراسة تدفع الطلاب للعمل

 

نتيجة تردّي الأوضاع المعاشية أصبحت متابعة التحصيل الجامعي أمراً صعب المنال للكثيرين، نتيجة ارتفاع أجور السكن الخاصة للطلاب، وعدم إمكانية الحصول على غرف في المدينة الجامعية، نتيجة سيطرة بعض المليشيات الموالية للنظام على الكثير من أبنيتها، ما حرم آلاف الطلاب من الحصول على سكن رخيص نوعاُ ما رغم رداءة خدماته.

 

السيدة نورا كيوان مدرّسة من مدينة حماة تقول لـ مجلّة صُوَر  "لدي بنت وابن يدرسان بجامعة دمشق، يحتاجان شهرياُ حوالي ثمانين ألف ليرة بالحدّ الأدنى، لولا وجود أخوالهم في السعودية الذين يتكفّلون بمصروفهم الشخصي، لكانا عاجزَين عن متابعة دراستهم هناك".

 

 

ونتيجة صعوبة الحياة، انتشرت ظاهرة العمل بين طلاب الجامعات إلى جانب الدراسة، على خلاف المألوف سابقاً خصوصاً بين الإناث.

 

هيا طالبة في قسم اللغة الإنكليزية بجامعة حلب "سابقاً ثقافة عمل البنت أثناء الدراسة الجامعية لم تكن مألوفة بل ومرفوضة، أمّا اليوم فأصبحت أكثر شيوعاً، فأنا أعمل على سبيل المثال كمدرّسة خاصة، هذا الأمر يؤمّن لي دخلاً يتجاوز الخمسين ألف ليرة سوريّة، يساعدني على متابعة دراستي، ويرفع العبء المادي عن أهلي".

 

وتتابع "صحيح لم يكن الأمر مألوفاً سابقاً، لكن الحرب قوّتنا ودفعتنا لتجريب أمور جديدة، اكتشفنا أنها مفيدة جداً لنا كنساء، فعملي أعطاني استقلالاً مادياً، وزاد ثقتي بنفسي، هذه التجربة تدفعني للتفكير بمشاريع أكبر في المستقبل القريب، العمل مع الدراسة فرضته الحرب علينا، لكن رُبّ ضارة نافعة".

 

أمّا سمية هناني طالبة بكلّية السياحة بجامعة البعث فتقول لـ صُوَر  "أعمل كنادلة في مقهى بمدينة حمص يومي الجمعة والسبت، رغم صعوبة الأمر في البداية، وعدم تقبّل المجتمع له كثيراً، لكنه أمر جيد يعطيني خبرة عملية تضاف لدراسي الجامعية".

 

مصير أساتذة الجامعات

 

أدّت الحرب الدائرة في السنوات الماضية، والمضايقات الأمنية التي تفرضها الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، لفرار وسفر الكثير من أساتذة الجامعات السوريين، إلى خارج البلاد، وفي وقت سابق صرّح وزير التعليم العالي في حكومة النظام عاطف النداف إلى أنّ نسبة تسرّب أعضاء الهيئة التدريسية على مستوى الجامعات تقدّر بـ 20 بالمائة، وأنّ معظمهم غادر تحت تأثير ظروف وتداعيات الأزمة التي تشهدها البلاد، في حين أن أرقاماً غير رسمية تشير إلى أن النسبة تفوق الـ 40 بالمئة.

 

المهندسة (هبة.ع) اسم مستعار للضرورة الأمنية تعمل في كلية الهندسة الميكانيكية بجامعة حلب تقول لمجلّة صُوَر "قبيل عام 2011 كان هناك ما يقارب 127 من حملة شهادة الدكتوراه في الكلية بثمانية أقسام حتى عام 2017 خرج منهم حوالي 45 بالمئة، قاصدين مختلف دول العالم، وخصوصاً بلدان الإيفاد التي أكملوا دراساتهم العليا فيها، كاليابان فرنسا وألمانيا وإنجلترا.

 

وتتابع "هذه الخسائر فقط في الكادر التدريسي من حملة شهادة الدكتوراه، أمّا في مستوى المهندسين والفنّيين العاملين، فتجاوزت النسبة 50 بالمئة، منهم من هرب بسبب الملاحقات الأمنية، كونه من أبناء المناطق الثائرة في وجه النظام، رغم أن الكثير منهم لم يشارك بأنشطة مناهضة، ومنهم من هرب بسبب طلبه لأداء الخدمة الإلزامية، ومنهم من خرج باحثاً عن مستقبل أفضل". وتضيف، هذا الواقع المتردّي من حيث نقص الكوادر التدريسية دفع مسؤولي الجامعة للجوء لطلاب الماجستير والدراسات العليا لتدريس طلاب الكلية".

 

أمّا محمد علي موظف في إدارة شؤون العاملين فيقول لمجلّة صُوَر "العشرات من المدرّسين الجامعيين تقدّموا بطلبات نقل نحو الجامعات المتركّزة في مناطق أكثر أمناً كجامعة تشرين في اللاذقية والبعث في حمص، وأصبحت الرشاوى التي وصلت لمبالغ تزيد عن مليوني ليرة سوريّة للحصول على موافقة النقل من الوزارة أمراً مألوفاً بين صفوف المدرّسين".

 

أحوال الموفَدين

 

يمتنع غالبية الموفَدين من الجامعات السورية عن العودة إلى سوريا بعد انتهاء مدة إيفادهم، وحسب أرقام صادرة عن وزارة التعليم العالي فإن ما يزيد عن 80 بالمئة منهم لم يعودوا، فغالبيّتهم يفضّلون البقاء في دول الإيفاد، رغبة منهم بمتابعة العمل والاستقرار في هذه البلاد، ما أدّى إلى خسائر كبيرة لكوادر الجامعات من الناحية المادية والعلمية".

 

يقول عمران زادة الموفد السابق من جامعة دمشق في ألمانيا لمجلّة صُوَر "إلى أين سأعود؟! أنهيت إيفادي في عام 2012، وفي نفس العام اضطرّ جميع أفراد أسرتي للنزوح نحو الأردن، إذا قرّرت العودة علي أن أدفع ثلاثة أضعاف ما أنفقته الجامعة عليّ، وهو مبلغ يقدر بعشرات آلاف الدولارات، حتى أجمعه في ألمانيا علي أن أعمل لعشر سنوات متواصلة. قبل سفري للإيفاد وضعت أرضاً كبيرة وعدّة منازل لأخوتي كرهن لإتمام عقد الإيفاد الموقّع مع الجامعة، أصدرت الحكومة قراراً بالحجز على جميع هذه الأملاك في عام 2015، اليوم لم أعد مهتمّاُ لا أنا ولا أهلي بما صدر من قرارات، لأننا لا نستطيع العودة لمدينتنا على كل الأحوال".

 

 

 

شروط قاسية للحصول على إذن السفر

 

نتيجة حالة التسرّب الكبيرة الحاصلة في كوادر الجامعات السوريّة، أصدر مجلس التعليم العالي في عام 2017 قراراً يفرض على طلاب الدراسات العليا الحصول على موافقة الأستاذ المشرف وعميد الكلية لتقديمها لإدارة الهجرة والجوازات للحصول على إذن سفر، إلى جانب موافقة شعبة التجنيد بالنسبة للذكور، وشكّل القرار صفعة كبيرة للكثير من الشباب الراغبين بالسفر لتحسين حياتهم وكفاءتهم، أو من ناحية السفر بداعي تجنّب الخدمة الإلزامية في جيش النظام.

 

يقول رامي وهو طبيب يعمل في مشفى الأسد الجامعي في اللاذقية "أثناء عملي في المشفى كنت أدرس اللغة الألمانية، رغبة منّي بالسفر لألمانيا لمتابعة تخصّصي، ولكن القرار تسبّب بتأخّري عن مقابلتي مع السفارة الألمانية في بيروت، وتسبّب بتأجيل سفري للعام القادم، ورتّب عليّ أعباء مالية جديدة تزيد عن ثلاثة آلاف يورو".

 

وفي المقابل نتيجة محدوديّة مقاعد الدراسات العليا في الجامعات السورية، أصبح حجزها مجال تنافس بين الشباب لشغل أحد مقاعدها ليس حباً بمتابع التحصيل العلمي ولكن للحصول على تأجيل الخدمة الإلزامية.

 

تقول ريما طالبة دراسات عليا في كلية التربية بجامعة البعث للمجلّة "يطلب الكثير من زملائنا الشباب من الطالبات غير الراغبات بمتابعة الماجستير التنازل لصالحهم عن المقعد المخصّص، فقط من أجل الحصول على إشعار تأجيل الخدمة العسكرية، ووصل الأمر ببعضهم لعرض مبالغ مالية علينا لقاء ذلك، فالماجستير هو سبيل النجاة الوحيد بالنسبة لهم للهروب وتأخير الخدمة الإلزامية.

 

الجامعات الخاصّة

 

مع بداية تسلّم بشار الأسد الحكم في عام ألفين، أصدر عدّة قرارات تقضي بافتتاح جامعات خاصّة، والتي أصبحت استثماراً كبيراً ورائجاً لعدد من كبار رؤوس الأموال السورية والمغتربة، وانتشرت على الخارطة السورية العديد من الجامعات الخاصّة، ووصل عددها إلى ستّ عشرة جامعة خلال سنوات قليلة، ورغم معارضة الكثيرين من الأكاديميين لها، بحجّة أولويّة التعليم الحكومي وتطويره في بلد طالما عرف بمجانية تعليمه، إضافة لعدم وجود الكفاءات العالية الكافية.

 

بالمقابل رأى آخرون من مؤيّدي القرارات هذه أنها مفيدة لسوريا، لأنها تساهم في رفع سويّة التعليم، وتوفّر القطع الأجنبي لخزينة الحكومة السوريّة، والتي كان يدفعها الطلاب السوريون المقتدرون مادياُ في الخارج.

 

الوضع السائد في البلاد دفع الحكومة لإصدار قرارات تشمل إغلاق ونقل بعض الجامعات الخاصّة خصوصاً في محافظتي درعا وحلب نتيجة وقوعها على خطوط الاشتباك، خفض ثقة الناس بها، كما أن فرض العمل على مدرّسي الجامعات الحكومية بالعمل بالجامعات الخاصة أيام العطل فقط، انعكس على سويّة التعليم، وخفض أعداد المؤهّلين فيها.

 

نور طالبة بجامعة الحواش الخاصة بريف حمص تروي للمجلّة "في عامي 2015 و2016 توقّفت عن دراستي نتيجة صعوبة الوصول من الحسكة إلى حمص، وفي عام 2018 عاودت دراستي، لكن هناك صعوبات كبيرة، أبرزها رفع الأقساط السنوية وغلاء السكن، الأمر الذي يعتبر صعباً حتى على الأغنياء".

 

التوسّع الجامعي

 

انتهجت الحكومة السوريّة بعد عام 2012 سياسة التوسّع الجامعي نحو المناطق الأكثر خضوعاُ لسيطرته، فجاء قرار إنشاء جامعة طرطوس، إضافة للتوسّع بجامعة تشرين في اللاذقية.

 

هذا القرار اعتبره الكثيرون، أنه جاء على خلفية خسارة النظام الكثير من مناطق سيطرته، إضافة لمخاوفه السابقة حول خروج كامل مدينة حلب عن سيطرته ومن ضمنها جامعتها، والتي تُعتبر من أفضل الجامعات السوريّة.

 

يقول المحامي عبد الله كركوتلي لمجلّة صُوَر "افتتاح جامعة طرطوس وامتدادها للمدن والبلدات المجاورة يأتي ضمن خطّة كبيرة لإعادة الهندسة الديموغرافية لمراكز الثقل في سوريا، باتّجاه مناطق يضمن ولاءها له حاضراً ومستقبلاً".

 

وتشهد جامعة طرطوس انتقادات واسعة في صفوف الطلاب، نتيجة قلّة الكوادر التعليمة عالية التأهيل، وضعف البنية التحتيّة والتجهيزات المخبرية.

 

يقول علي وهو مهندس يعمل في إحدى كليات الهندسة فيها لمجلّة صُوَر "غالبية الأبنية عبارة عن مدارس قديمة تمّ تأهليها على عجل، لا شيء يدلّ على أنها مؤسّسة تعليم عالٍ سوى اللافتة الموضوعة على بابها".

 

ويتابع "هناك سياسة غير مدروسة من ناحية افتتاح اختصاصات جديدة لا مستقبل لها على المدى المنظور في ظل الواقع السيّئ الذي نعيشه، على سبيل المثال افتتحوا كلّية للهندسة البحرية، ليس لدينا مخابر مؤهّلة ولا كوادر، ولا يُسمح لنا بالسفر بحراً لتدريب الطلاب فما الطائل منها؟!".

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

 

جامعة إدلب الحرّة بين سلطات الأمر الواقع وأحلام الشباب بمتابعة تحصيلهم العالي

 

ليليا نحاس

 

بعد خروج مدينة إدلب عن سيطرة النظام السوري عام 2015، أُعلن عن إعادة افتتاح جامعة إدلب، وتمّ رفدها بفروع جديدة كالاختصاصات الطبّية والهندسية والأدبية، ووصل عدد كلّياتها عام 2018 إلى اثنتي عشرة كلّية و6 معاهد متوسطة، وكانت الكلّية تضمّ وقت افتتاحها حوالي 4500 طالب غالبيّتهم من المنقطعين عن الجامعات التابعة لحكومة النظام بسبب ملاحقتهم أمنيّاً، ووصلت أعداد الطلاب فيها العام الماضي لأكثر من 10500 طالب وطالبة و155 مدرّس من حملة الدكتوراه والماجستير.

 

أحمد طالب في السنة الثالثة بكلّية العلوم يقول للمجلّة "كانت جامعة إدلب بالنسبة لي، بارقة أمل أعادتني للحياة من جديد، بعد أن تمّ فصلي من جامعة حلب، واعتقالي لمدة عام ونصف بسبب مشاركتي في المظاهرات، التحقت فيها مجدّداً كطالب في السنة الثانية، صحيح أن الوضع العام مختلف عمّا كان عليه بجامعة حلب، لكننا يجب أن نستمرّ ونحصل على الشهادة العليا، لنبدأ العمل مجدّداً، ونبني هذه المدينة التي هدمتها الكوارث المتعاقبة عليها".

 

 

جميلة طالبة تتحدّث لمجلّة صُوَر "نلت الثانوية العامة الفرع العلمي في المناطق المحرّرة، هذا العام كانت علامات القبول في كلية الطبّ البشريّ أعلى من مثيلاتها بجامعات النظام، أغلب الأساتذة من حملة شهادة الدكتوراه، بعضهم من فرنسا وألمانيا، كانوا يعملون في الجامعات التابعة للنظام سابقاً، وبعضهم ترك عمله في الخليج، وجاء ليعمل كطبيب في المناطق المحرّرة ويدرّس في الكلية، وبعضهم يدرّسون في الجامعات التركيّة".

 

وتتابع "بالنسبة لأعداد دفعتنا وهي الثالثة، تقدّر بحوالي 350 طالب وطالبة، 190 من الإناث والباقي من الذكور، المخابر مجهّزة والبنية التحتيّة مخدّمة بشكل جيد".

 

وتضيف "لا يوجد اختلاط بين الطلاب والطالبات، بناء المحاضرات النظرية منفصل عن بناء المحاضرات العملية، فعندما يكون لدينا محاضرة نظرية، تكون الطالبات في البناء الآخر يتلقّينَ الدروس العملية، وبالنسبة للهيكلية الإدارية والمناهج والخطّة الدراسية، فهي تحمل نفس هيكلية الجامعات التابعة لحكومة النظام، ونظام كليّتنا مماثل تماماً لكلية الطبّ البشريّ بجامعة حلب، كون جميع الكوادر ممّن عمل فيها سابقاً".

 

وتضيف "أودّ الإشارة إلى أن رئاسة الجامعة استبدلت مادة الثقافة، أو التربية القومية التي تدرّس في الجامعات الحكومية، بمواد دينيّة على قسمين، هما: أصول الإيمان وفقه العبادات، وهو أمر لا يروق للكثير من الطلاب".

 

حكومة الإنقاذ

 

حسب الموقع الرسميّ للجامعة، تُعتبر "جامعة إدلب مستقلّة عن أي إدارة سياسية أو عسكرية بدءاً من عام 7 / 8 /2017، وأصبحت هيئة عامة علمية، مستقلّة مالياً وإدارياً وتتمتّع بشخصية اعتبارية مستقلّة، حيث جرى انتخاب رئيس الجامعة الجديد من قِبَل الهيئة العامة الأكاديمية في جامعة إدلب، في جوّ من المنافسة وبمشاركة كبيرة من الأكاديميين، وبذلك انضمّت جامعة إدلب إلى مجلس التعليم العالي المستقلّ، الذي تشكّل بتاريخ 3 / 8 /2017".

 

لكن الواقع عكس ذلك، حسبما أكّد الكثيرون ممّن تحدّثت معهم المجلّة، فحالها كالعديد من المؤسّسات المدنية المنتشرة في المحافظة، تخضع لسيطرة سلطة الأمر الواقع، وتعمل تحت إشراف مباشر لحكومة الإنقاذ التي شكّلتها هيئة تحرير الشام، بل ويؤكّد عدد من الطلاب أن الجامعة تخضع لرقابة أكبر، لإدراك القائمين عليها أن الشباب قوة يمكن أن تغيّر أي سلطة.

 

ويعاني الطلاب وبعض الكوادر التدريسية من حالة تضييق عامّ على الحرّيات الشخصية والأكاديمية، إضافة لفرض مدرّسين غير مؤهّلين بشكل حقيقي، فمؤخّراً أصدرت رئاستها قراراً يقضي بتعيين شرعيّين اثنين في صفوف "هيئة تحرير الشام يحملان جنسيات غير سوريّة كمحاضرَين في كلّية الشريعة، ويعملان فيالوقت ذاته كقياديّين عسكريّين مع الهيئة، الأمر الذي أثار حفيظة الطلاب، وأطلق موجة احتجاجات، قرّر على إثرها عدد من الطلاب مقاطعة الدراسة، لكن المخاوف الأمنيّة من سلطة الهيئة ونفوذها، أدّى إلى تراجع عدد منهم عن القرار والسكوت عن الموضوع.

 

 

تقول هدى (اسم مستعار لطالبة للضرورة الأمنيّة) لصُوَر "كيف يريدون منّا أن نقبل بمثل هؤلاء الشخصَين كمدّرسين في جامعتنا التي طالما حلمنا بوجودها لمتابعة تعليمنا، لسنا راضين عن الأمر، أكثر من 70 بالمئة من الطلاب يكرهون حكومة الإنقاذ وهيئة تحرير الشام، لكنها سلطة الأمر الواقع، علينا القبول بهم ومتابعة الدراسة، أو التوقّف والخروج خارج سوريا، وهو صعب جداً علينا بسبب الوضع المالي السيّئ لغالبيّتنا".

 

طالبة أخرى من كلّية الآداب تحدّثت لصُوَر "نحن ضدّ فرض اللباس الشرعي في الجامعة، بعض الطالبات كنَّ يرتدينّ الحجاب التقليديّ ككلّ البنات في مجتمعنا، أمّا اليوم فقد اضطُررنَ للنقاب، اتّقاءً لأي مضايقة من أي جهة كانت".

 

وتتابع الطالبة القادمة من ريف دمشق حديثها للمجلّة "نرفض الفصل بين الجنسين أيضاً، كنّا نحلم أن تكون جامعتنا كجامعة دمشق، فيها حيّز لا بأس به من الحرّية الاجتماعية، مع فائض من الحرّيات السياسية التي حرمنا منها النظام السوري".

 

صعوبات وتحدّيات

 

تصرّح إدارة الجامعة بأنها تعتمد على الدعم الذاتي من خلال الأقساط التي يدفعها الطلاب سنوياً، وتعاني من عدم وجود مخابر علمية كافية، إضافة لعدم القدرة على افتتاح كلّيات جديدة توافق حاجات سوق العمل التي تخدم قرابة 4 مليون سوري يسكنون المحافظة.

 

إضافة لعدم توافر الفائض الماديّ لتعيين كوادر جديدة رغم توافرها، كما تفتقد الجامعة لتخصّصات محدّدة، لا تتوافر في سوريا بسبب هجرة غالبية الكفاءات خارج سوريا.

 

كما تعاني الجامعة من عدم الاعتراف الدولي بالشهادات الصادرة عنها، وعدم وجود اتفاقيّات تَوْءَمة مع جهات دولية رسمية.

 

كامل أحمد طالب آخر في الجامعة يقول لصُوَر "يدفع الطالب 200 دولار كرسم تسجيل سنوي في التخصّصات العلمية، بينما ترتفع الرسوم في التعليم الموازي إلى 350 دولار في الكلّيات الطبّية والهندسية، و300 دولار في باقي التخصّصات العلمية، أمّا بالنسبة للاختصاصات الأدبية فرسم التسجيل 150 دولار للتعليم العادي، و250 دولار للتعليم الموازي".

 

ويتابع "أوضاع الطلاب المادية سيّئة جداً، بعضهم يسكنون في المخيّمات ويتابعون دراستهم، ولا يوجد سكن جامعي، مؤخّراً أصدرت إدارة معبر باب الهوى قراراً بتقديم منحة لتغطية 40 بالمئة من تكاليف المواصلات للطلاب، وهذا أمر جيد، لكن يجب على الإدارة أن تساعد الطلاب أكثر، ولا سيّما في موضوع تأمين السكن المجاني أو المخفّض بسبب ارتفاع الإيجارات بشكل كبير في إدلب".

 

الدراسات العليا

 

تضمّ الجامعة في كلّ كلّية شعبة للدراسات العليا، تمنح شهادات الماجستير والدكتوراه، لكن صعوبة إجراء البحوث العلمية وقلّة التمويل لها، تُعتبر من أكبر المشاكل التي تعترض الباحثين فيها، وفي العام الدراسي الحالي تمّ قبول عشرين طالبة وطالبة بمرحلة الماجستير في الهندسة الزراعية، قرابة الخمسين بالمئة منهم من الإناث، بعضهم كانوا قد بدؤوا الدراسات العليا في الجامعات الحكومية، وانقطعوا عنها في مرحلة كتابة رسالة الماجستير.

 

يقول أحد هؤلاء الطلاب لصُوَر "تركت الماجستير قبل 7 أشهر من مناقشة رسالتي، هنا أكمل كتابتها بنفس الموضوع لأحصل على الدرجة العلمية، مجتمعنا بحاجة لتنمية حقيقية رغم كلّ التحدّيات والصعوبات، خصوصاً في بيئة كمحافظة إدلب تشكّل الزراعة عمودها الفقري الأساسي".

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

 

أكاديميّات ومعاهد خاصّة لتعويض نقص الكوادر في الشمال السوريّ

 

 

محمد همام زيادة

 

أدّت الحرب المستمرّة منذ سنوات في سوريا، إلى خسائر كبيرة في المنشآت التعليمية والكوادر العلمية والتقنية المؤهّلة، والتي كانت تخرّج وتؤهّل الآلاف من الشباب السوري بمختلف الاختصاصات.

 

يقول محمد أبو تيم وهو مدّرس سابق في عدد من كلّيات العلوم الصحّية في الجامعات الحكومية لـ مجلّة صُوَر "كنت أعمل في جامعة دير الزور، واستمررت في عملي رغم الحصار الشهير الذي ضُرب على دير الزور من قِبَل النظام وداعش، وتمكّنت من الهروب إلى مدينة إدلب، بعد عدّة تهديدات بالاعتقال والتصفية، هذا حال عشرات الآلاف من السوريين، بعضهم توجّه إلى مناطق المعارضة ليتابع خدمة أبناء شعبه، وآخرون فضّلوا الخروج باحثين عن حياة أفضل".

 

ويتابع أبو تيم "الخسارة الكبرى لسوريا هي كوادرها، فالحجر يمكن إعادة بنائه، أمّا الكوادر المؤهّلة التي قُتلت في سجون النظام أو هاجرت البلاد، فنحتاج عشرات السنوات لإعادة بنائها".

 

منظّمات تحاول سدّ الثغرات

 

لتغطية النقص الحاصل في الكوادر المدرّبة، عمدت بعض منظمات المجتمع المدني لافتتاح فروع للتعليم والتأهيل، فقد قامت الرابطة الطبّية للمغتربين السوريين "سيما" بتأسيس قسم للتدريب الطبّي والتعليم، يهتمّ بالإشراف ومتابعة المشاريع التعليمية للرابطة من معاهد وأكاديميّات، ويسعى لرفع العملية التعليمية للمعايير الدولية، كما يقيم دورات تدريبية متنوّعة والتي تهدف لرفع سويّة الكوادر العاملة في المجال الطبّي.

 

وفي هذا المجال أطلقت الرابطة ثلاثة مشاريع هي: أكاديمية العلوم الصحّية في قاح بريف إدلب، والمعهد الأكاديمي الطبّي بريف اللاذقية، وأكاديمية شام للعلوم الطبّية في الغوطة الشرقية بريف دمشق، والتي أغلقت أبوابها بعد سيطرة النظام السوري على المحافظة.

 

 

وتحاول هذه المعاهد تقديم الدراسة الأكاديمية على مدى سنتين، وإعادة تأهيل الممرّضين المتطوّعين، وأغلبهم غير حاصل على شهادة علمية، متضمّنة عدداً كبيراً من التخصّصات كالتمريض، والإسعاف الأوّلي، والجراحة، والمعالجة الفيزيائية، والصيدلة والأطراف الصناعية، وصيانة الأجهزة الطبّية، إضافة لتأهيل مستمرّ لخريجي الأكاديمية، والمعاهد الطبّية السابقين.

 

وبالمقابل تحاول منظمات أخرى تأهيل الكوادر بطرق  أخرى، من خلال تقديم منح دراسية للطلاب في الخارج، على أن يضمنوا عودتهم وخدمة السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. حيث أعلنت الجمعية الطبّية السورية الأمريكية هذا العام عن تقديم منحة دراسية لثلاثين طالباً سورياً في الجامعات التركيّة، على أن يكونوا ممّن قام بالتسجيل سابقاً في أحد الجامعات الحكومية الرسمية السوريّة أو أي جامعة سوريّة خاصّة أخرى معترف بها، ثم انقطع عن دراسته لفترة من الزمن، واشترطت الجمعية على الطالب المقبول في هذه المنحة بعد التخرّج أن يعمل في أحد مراكزها الطبية ومشاريعها في سوريا، ووفقاً لما تحدّده إدارة المنح،ة وبنفس المدة الزمنية التي تلقّى بها الدعم من المنظمة، وكل من يخالف ذلك أو يخالف شروط المنحة أو العقد فيتوجّب على المخالف إعادة 150 %من مجمل القيمة المالية المدفوعة عليه من المنظمة.

 

إقبال على المعاهد

 

تمتلئ شوارع المدن الرئيسة وصفحات التواصل الاجتماعي بإعلانات معاهد التدريب والتأهيل التي تمنح شهادات من جامعات دولية في الشمال السوري.

 

وتشهد هذه المعاهد رواجاً كبيراً عند الشباب المتعطّش للحصول على فرصة عمل في أحد المنظمات التي أصبحت بديلاً في الكثير من المجالات عن الحكومية. وتتراوح تكاليف الدورات حسب مدّتها ونوعيّتها من مئة دولار حتى بضعة آلاف.

 

يقول الناشط الإعلامي غيث أبو العبد لمجلّة صُوَر "هناك بعض هذه المعاهد ذو مستوى جيد وبعضها سيّئ للغاية، هدفه الربح المادي، هناك أشخاص افتتحوا معاهد، وجمعوا الأموال وفرّوا خارج سوريا".

 

أما سميّة العطري فتقول لمجلّة صُوَر "نضطرّ لمثل هذه المعاهد غير الموثوقة أحياناً، لتحسين مؤهّلاتنا لإيجاد فرص عمل في المنظمات التي أصبحت تطلب كفاءات عالية في اللغة الإنكليزية وعلوم الكمبيوتر والإدارة وغيرها، ونلجأ للاستدانة من أجل دفع تكاليف هذه الدورات".

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard