info@suwar-magazine.org

قانون ( قيصر) يفتتح العقد الخامس من العقوبات على سوريا

قانون ( قيصر) يفتتح العقد الخامس من العقوبات على سوريا
Whatsapp
Facebook Share

 

 

خبير: ربّما تتحوّل سوريا إلى دولة معزولة

خسارة 28% من الناتج المحلّيّ بسبب العقوبات الخارجية

 

 

شكّل قانون ( قيصر) صدمة للسوريين، فتمديده لعشر سنوات، أثار مخاوف في صفوف الموالاة، مقابل ارتياح لدى المعارضين، يستند إلى قوة القانون في تضييق الخناق على النظام السوري. لكنّ سوريا التي عاشت أربعين عاماً متتاليةً منذ 1979 تحت وطأة العقوبات الأمريكية والأوروبية، التي اتّسعت مروحتها لتشمل كلّ مناحي الاقتصاد في ثمانينات القرن الماضي، ماذا سيزيد عليها قانون أمريكي، صنّفه من التقت بهم (صُوَر) بأنه سياسي بامتياز، رغم ظاهره الاقتصادي؟ وهل ستنجو البلاد التي تشير الدراسات أنها خسرت 28% من ناتجها المحلّي الاجمالي بفعل العقوبات الخارجية؟

 

حالة فريدة

 

فجأة شعر سوريون أن للعقوبات الاقتصادية أحادية الجانب المفروضة على بلدهم منذ سبعة أعوام، تأثيرات سلبية عدّة، وسقط بذلك خطاب غير موضوعيّ، كانت وسائل إعلام الحكومة السورية تنقله، مُقلّلةً من شأن هذه العقوبات. واستبدل المحلّلون الذين كانوا يتبنّون هذا الموقف خطابهم، وبدّلوا مواقفهم. هكذا تمرّ القضايا الاقتصادية الشائكة في البلاد التي أنهكتها الحرب. وكأن شيئاً لم يتغيّر، فما زالت الذهنية التي تصدر التعليمات والقرارات، تعمل بالنهج ذاته، وتخطو الخطوات نفسها، وتتوقّع أن تصل إلى نتائج مختلفة، إنها الحالة السورية الفريدة من نوعها.

 

الكآبة المحلّية

 

استيقظ السوريون قبل شهرين، ومادة حليب الأطفال مفقودة من الأسواق، ولا توجد معامل تنتج هذه المادة، وهذا يعني أن 1.9 مليون طفل أعمارهم خمس سنوات ومادون وفق التعداد العام الذي نفّذه المكتب المركزي للاحصاء عام 2004 بلا حليب. كما حاصرهم الشتاء، وداهمهم البرد في بيوتهم والصقيع في مدارسهم، ولم يجدوا محروقات للتدفئة، والسبب الرسميّ المعلن هو العقوبات الاقتصادية. سلسلة جديدة من مسلسل الكآبة المحلّي، الذي تقوده حكومة عماد خميس، والتي تتلطّى في ظلّ الحرب ومفرزاتها ونتائجها الكارثية، لتبرير حالة العجز الحكومي العامّ، والنقص الحادّ في تأمين أبسط الخدمات. فحال السوريين في الداخل ومخيّمات النزوح يتشابه، فقط يختلف الموقف السياسي.

 

  حصار خانق

 

تتمثّل الأضرار التي ستلحق بسوريا جرّاء قانون (قيصر)، الذي أقرّه مجلس النواب الأمريكي أواخر كانون الثاني الماضي، بفرض حصار خانق على المعدّات والتجهيزات التقنية، ومدخلات الإنتاج وحوامل الطاقة والمؤسّسات المصرفية وشركة الطيران الحكومية وقطع الغيار، وكلّ ما يرتبط بالتجهيزات العسكرية. ويفرض القانون الذي يُعرف أيضاً باسم (سيزر)، الذي فرضته واشنطن لمدة عامين أواخر 2016 للمرة الأولى، عقوبات على المورّدين والمموّلين لكلّ ما ذكر آنفاً، إضافة إلى شركات الشحن، والمؤسّسات التجارية والأشخاص. وأَفردَ القانون أبواباً خاصّة لكلّ حالة على حِدة، إضافة إلى صلاحيّات، ومهامّ الرئيس الأمريكي، مع مُدَد زمنية محدّدة لاتّخاذ الإجراءات، والاشتراطات التي يجب أن تلتزم بها المؤسّسات المعنيّة بمتابعة تطبيق هذا القانون وحالات اختراقه. واستثنى القانون المواد الغذائية والطبّية. ودقّ العديد من رجال الأعمال السوريين أجراس الإنذار منبّهين من تداعيات قانون (قيصر) على الاقتصاد السوري، ولاسيّما الصناعة، ما دفع بالحكومة إلى وضع خطط عاجلة لمواجهة التحدّيات المتوقّعة من القانون المذكور.

 

اقرأ أيضاً:

 

سوريا الاقتصاديّة في مهبّ المصالح الدوليّة

 

وتعود تسمية قانون قيصر أو (سيزر) سوريا للحماية المدنية، إلى الاسم الوهميّ لعسكري سوري أعلن انشقاقه 2013، وبحوزته 55 ألف صورة، قال إنها توثّق حالات التعذيب والاعتقال والقتل في سجون النظام السوري. وتحقّقت وزارة الخارجية الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي من هذه الصور على حدّ زعمهما، معتبرين أنها دليل على التعذيب والقتل الجماعيين اللذين يمارسهما الجيش السوري وأجهزة المخابرات، وهو ما ترفضه الحكومة السورية، وتصنّفه ضمن حملات الأكاذيب المغرضة ضدّ النظام.

 

التهويل الاقتصاديّ

 

يصنّف الدكتور سنان علي ديب في حديثه لمجلّة (صُوَر) هذه العقوبات بأنها "ليست جديدة"، ويحدّد رئيس فرع جمعية العلوم الاقتصادية باللاذقية أن الجديد في هذا القانون هو "بتمديده لفترة طويلة، عشر سنوات". ويذهب ديب في تحليله لهذا القانون بأنه استند في فرض العقوبات على "مضمونه السياسيّ" الذي بدا واضحاً  "أكثر من أن يكون اقتصادياً التهويل بأكثر من منحى".

 

ويرفض عضو منصة اللاذقية للحوار الوطني السوري "الخوف" من هذه العقوبات أحاديّة الجانب، ويرى أنه "غير مبرّر واستُثمٍر إعلامياً". ويدلّل على رأيه بالتفرّد الأمريكي لقيادة العالم و خروج واشنطن من الكثير من الاتفاقات الدولية، والإرهاب العالميّ الذي "خيوطه النهائية" بيد الولايات المتحدة الأمريكية. وترافق التهويل الإعلامي ـ وفقاً لديب ـ بأزمات خانقة ومحاولات متتالية لضرب الاقتصاد، عبر اللعب بسعر الصرف والإغراق، لضرب العودة الاقتصادية، فضلاً عن تضخّم الفساد وعدم النظر لأيّ بعد وطنيّ.

 

ويؤكّد الخبير الاقتصادي أن الولايات المتحدة مارست الضغوط على دول أخرى والمؤسّسات الدولية، وقال:" إن أمريكا لا ترهب العالم بقراراتها، وإنما بإرهابها وسلاحها وأدواتها الموزّعة في كلّ دول العالم وافتعال الأزمات والاحتجاجات".

 

كيانات خطيرة

 

يرى ديب أن الحلّ الحقيقيّ لمواجهة هذه العقوبات يكون بتحصين الداخل الوطني، معتبراً أن "طرح الحكومة صحيح" في هذا الشأن. وردّاً على سؤال إمكانية تنفيذ الحكومة السورية البرامج والخطط التي اقترحتها، ولاسيما بالعودة إلى الاكتفاء الذاتي، والاستغناء عن المستوردات، بإيجاد البديل المحلّي للمنتجات، ودعم الصناعة والزراعة، يشرح ديب موقفه بالعودة إلى التجربة السابقة عند طرح اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي كان برأيه "صحيحاً ولكن التنفيذ كان بوادٍ آخر" وهذا ما أدّى إلى "تهشيم الاقتصاد وتدميره"، وكان "مدخلاً للحرب المدمّرة". ويؤكّد أن الاعتماد على الذات برنامج صحيح، وسوريا متكاملة اقتصادياً، و بواعث العودة كانت قوية. ويشترط ديب لنجاح خطّة الاعتماد على الذات وجود "برنامج وطني واضح يعتمد على الحالة التفضيلية، و ينطلق من خصوصيّة الوضع، والإحاطة بالفساد عبر برنامج إصلاح إداريّ حقيقيّ يعتمد آلية الكفاءة والنزاهة ومكافحة التهريب، وتقوية الداخل عبر مصالحة وطنية شاملة".

 

لكنّ ديب لا يغلق الباب، ويلمح إلى وجود كيانات تستفيد من هذه العقوبات، وربما تعمل لعرقلة هكذا برامج تواجه العقوبات. ويؤكّد أن مقترحاته آنفة الذكر هي "وصفة أخطر من قانون أحاديّ الجانب على حيتان الفساد، ومن يتبعون لقوى خارجية".

 

بالغ التأثير

 

يُجمع المحلّلون على أن أخطر ما تَضَمَّنَهُ قانون (قيصر)، هو الفترة الزمنية الطويلة، أي عشر سنوات، ورغم أن لدى واشنطن خبرة كبيرة في تطبيق هكذا قوانين، إلا أن حاملها السياسي يبقى هو الأقوى. ويرى الخبير بالقانون الدولي عماد إبراهيم أن واشنطن "تمنح لنفسها حقّاً" لايمكن لدولة أخرى في العالم أن تمتلكه، لكن من ناحية ثانية وجود هذا القانون وغيره، يسهم في "تخفيف ممارسات الدكتاتوريّات" ولاسيّما تلك التي لاتنخرط بمصالح مباشرة مع واشنطن. ويصف هذا القانون بأنه سيكون "بالغ التأثير" على الداخل السوري، على عكس ما يتمّ الترويج، إذ أننا أمام قانون وليس قراراً لحكومة، وسيكون الكونغرس الأمريكي متابعاً لبنوده، كما أنه يدخل في إطار "ممارسة ضغوط قوية" ليس على النظام السوري فقط، إنما على الكيانات والأشخاص والمؤسّسات والدول التي تدعم هذا النظام، أو تمدّه باحتياجاته.

 

رحمة العقوبات

 

الخبرة السوريّة مع العقوبات الأمريكية لايمكن الاستهانة بها، فمنذ أواخر سبعينات القرن الماضي تعيش سوريا تحت رحمة العقوبات الأمريكية، التي تشمل عقوبات اقتصادية ومصرفية وفي مجال الطاقة والمعدّات العسكرية والتقانة الحديثة..إلخ. كما أن قانون محاسبة سوريا 2003، كان يمثّل تحدّياً للحكومة السورية، التي استطاعت أن تتجاوزه، وتحقّق انفتاحاً دولياً امتدّ من 2008 حتى 2011. ويأتي قانون (قيصر) ليفتتح العقد الخامس على التوالي من عمر العقوبات الأمريكية على البلاد. ويذهب إبراهيم إلى أن حلفاء النظام "لن يتركوه"، وأن الدول التي ساعدته ووقفت إلى جانبه في الحرب ودفعت أثماناً باهظة، لن تتوانى عن تقديم بضعة مليارات من الدولارات لزوم استمرار الحياة الطبيعية. لكن القضيّة الأصعب ـ على حدّ تعبيره ـ هي في إعادة الإعمار التي تترقّب الأوساط السياسية والاقتصادية انطلاقها خلال العامين القادمين. ويرى إبراهيم أنه لاتوجد شركة أو مؤسّسة تجازف بخرق هذا القانون ومواده المحكمة كرمى للسوريين، لأن عداء واشنطن لأيّ كيان اقتصادي دولي يهدّده بالإفلاس والخسارة.

 

ويتوقّع إبراهيم أن "يلعب" النظام السوري على عامل الزمن كعادته، ويسير قدماً في مخطّطاته، لانعدام الخيارات الأخرى لديه، وسيكون هناك نقطة تحوّل كبيرة " ربما تلغي هذا القانون وتبطل مفاعيله ومنعكساته"، لحظة يتمّ الاتّفاق والتوافق الدولي على حلّ الأزمة السوريّة، بغضّ النظر عن الأثمان. ويشير إلى بعض المؤشّرات الدولية والإقليمية التي تؤكّد أن الأزمة السورية باتت "في مراحلها الأخيرة"، وأن التسوية الكبيرة "قادمة لا محالة"، والأمر مرهون بالزمن. ويختم إبراهيم بالقول: إن القانون على غاية من الخطورة، وربما يضع سوريا في خانة "البلاد المعزولة"، لكن هذا في التاريخ السياسي لم يؤدّ يوماً إلى إسقاط نظام أو حكومة، والأمثلة كثيرة وأقربها نظام صدام حسين بالعراق، لكن في مثل هذه الحالات دائماً يترقّب الجميع التسويات أو الاتفاقات المفاجئة، وهذا "ما سيحصل على الأرجح".

 

تقديرات ودراسات

 

عانى الاقتصاد السوري كثيراً من وطأة العقوبات الاقتصادية الخارجية، لكن ثمّة ترجيحات بأن المعاناة السوريّة ستزداد مع قانون (قيصر)، لما يحمله من مخاطر كثيرة. وغابت التقديرات الرسمية المتعلّقة بحجم الضرر الذي لحق بالاقتصاد السوري الكلّي جرّاء عقوبات لم تنقطع خلال العقود الأربعة الماضية المنصرمة، لكن المسؤولين الحكوميين درجوا على رمي كل فشل تنمويّ واقتصاديّ على هذه العقوبات، ولاسيما في القطاعات الإنتاجية. وتبقى الحالة اليتيمة التي تحدّثت بصراحة في هذا المحور، تلك التي قام بها المركز السوري لبحوث السياسات عام 2013، إذ قدّر الباحثون في المركز أن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الخارجية تشكّل أكثر من 28% من خسائر الناتج المحلّي الإجمالي. وبلغت تقديرات الناتج المحلّي 60 مليار دولار 2010، وانخفضت إلى 30 مليار دولار 2017. وهذا ما يبدّد الشكوك بأن العقوبات لن تكون سهلة، وستصيب من الاقتصاد السوري مَقتلاً.

 

  السوريّون بضفّتيهم

 

(قيصر) السوريّ بنسخة وحروف أمريكية، كان مجرّد الإعلان عن تمديده لعشر سنوات قادمة، ضربة اهتزّ لها الاقتصاد السوريّ، وخُلخلت البنى المتهالكة، والدعائم غير المتينة التي يستند إليها. وهو ما فتح الأسئلة أيضاً على موقف الحلفاء، الذين لا يمكن تجزئة موقفهم السياسيّ والعسكريّ عن الاقتصاديّ حتماً، وهذا ينسحب على حلفاء السوريين بضفّتيهم.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard