ما بَعدَ داعش
اليوم سقطت دولة داعش.. بعد خمس سنوات حوّلت فيها المناطق التي حكمتها إلى جحيم، قتلت وخطفت وسرقت وباعت النساء في أسواق النخاسة، أهانت كرامات الناس، وانتهكت كلّ القِيَم الإنسانية، زرعت الموت والرعب في كلّ أنحاء العالم، بعد الإعلان عن انتهائها عسكرياً في الباغوز آخر معاقلها على يد قوات سوريا الديمقراطية، تبدأ مرحلة جديد في ٢٣ آذار ٢٠١٩، وهي مرحلة ما بعد داعش.
خلّف داعش الكثير من المآسي، كما تركت خلفها الكثير من التطرّف والشرّ، سوف تحتاج المجتمعات التي حكمتها لسنوات لتضميد جراحها، وبالتأكيد زوال هذا التنظيم عسكرياً، لا يعني بالمطلق زواله فكرياً واجتماعياً وحتى اقتصادياً، لذلك أوّل مراحل اجتثاثه فكرياً يبدأ بالاحتفاء بالخلاص من سواده، والقهر الذي خلّفه، ولم يسبق له مثيل، وخاصّة أهالي الضحايا، ولا بدّ من معالجة آثاره والشروخ والانقسامات والعداوات التي خلّفتها في المجتمعات، ومحاولة إزالة أبعادها الاجتماعية، يجب أن يبدأ السلام بالمسامحة وإحلال القانون بديلاً عن العنف؛ حتى لا يفلت الجناة من المساءلة تحت راية المسامحة.
كما يجب ألّا ننسى أن ترتيب ملفّ المقاتلين الأجانب في صفوف الدولة الإسلامية يشكّل أولويّة، ويشكّل ملفّ الأطفال والنساء الذين ولدوا وعاشوا في كنفه ملفّاً إنسانياً بحاجة إلى معالجة متعمّقة لا متشنّجة.
في مرحلة ما بعد داعش يجب على جميع الأطراف البدء ببناء الثقة بين بعضهم البعض، وبناء الثقة يتطلّب من الجميع تقديم تنازلات بالحدّ المقبول الذي يمكن أن يؤسّس لحوار حقيقيّ عميق، تكون فيه القوة متوازنة.
مرحلة ما بعد داعش يجب أن يكون الحوار فيها هو الوسيلة الوحيدة السائدة لحلّ الخلافات وبناء الشراكات للوصول إلى بلد ديمقراطيّ تعدّديّ تُحترم وتُصان فيه حقوق الجميع بدون تمييز.
مرحلة ما بعد داعش يجب أن يكون الحوار فيه مقسّماً إلى مسارات مختلفة، يبدأ من المسار المحلّي بين الأطراف السياسية المتنازعة، وأيضاً بين المكوّنات في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ثم ينتقل الحوار إلى المستوى الوطنيّ.
هذه المحطّة هي إحدى المحطّات المفصليّة والهامّة، سوف تتغيّر فيها موازين القوة على الصعيد السياسيّ الدوليّ والمحلّيّ، وعلينا هذه المرّة أن نلتقطها، ونكون الفعل، لا ردّة الفعل، وإلّا فإنّنا سوف نندب حظّنا كما ندبناه في محطّات سابقة.