ممنوع عليك أن تكون: "عبد العزيز الخيّر"
ممنوعٌ عليك أن تكون "عبد العزيز الخيّر"، فالقضايا الكبرى محتاجة إلى رجالٍ كبار.. سيتنكَّر الصغار لهذا الكلام، وأكثرُ من ذلك سيمارسون التنظير في رفضه واستنكاره ربطاً بكلامٍ من نوع:
- الشَّعْـبُ وحده الكبير..
ثم: يأكلون الشَّعْبَ بصغرهم.
حال سوريا، أنَّ كبارها ضاعوا أقله منذ تشرّد جيلين اثنين، الجيل وارث الاستقلال، وقد اغتالته مرحلة الوحدة السوريّة – المصريّة، وأبناء هذا الجيل واغتالتهم مرحلة حافظ الأسد، وقد جعلت للبلاد رجلاً أول و:
-ممنوعة هي المساحة التي يمكنها أن تتَّسِع لرجلٍ ثانٍ.
وحين تسرّب رجال كبار من ثقوب الموت، جاء من يعمل على تصغيرهم. وليسوا كثراً.. ولكنهم قوّة مِثْل، وهي قوّة أنتجها اليسارُ السوريّ حصراً.. يسار السجون والمعتقلات، ومن بينهم، (وربما من كان بلا شوائب) عبد العزيز الخيّر.
اليسار إيَّاهُ، مَنْ أكَلَ عبد العزيز بالتجاهل، وشباب ضالّون رشقوه بالبيض في ميدان التحرير في القاهرة، والمجهول أخذه مختطفاً، ولا نعلم إذا ما كان نحو الزنزانة أم نحو القتل.
عبد العزيز الطبيب، غاب عن غرفة الجراحة الصغيرة، وعبد العزيز السياسي غاب عن مقترحات وضع حد للموت في سوريا، وعبد العزيز (السوري) غاب عن سوريا، والمساحات اتسعت لتجار الموت، ذارِفِي الدموع على الموتى.
اليوم حملة من أجل إطلاق سراح عبد العزيز الخّير، وبالأمس حملات للتشهير بعبد العزيز الخيّر، حملات يقودها صغار المعارضة لا لخلافٍ في الرأي (لا يفسد للرأي قضية)، بل، لخلافٍ أكبرَ وأعمق، والأكبر والأعمق، يطال السيكولوجي أكثر ما يطال السياسي، فالقباحة على خصومة مع الجمال، والزهد على تضاد مع الشراهة، وقوة المِثْل أكبر من مِثْل القوّة، وفي كل الثنائيات على اختلافها كان العقدة، ومازال عبد العزيز عقدة.
عقدة في سجنه وعقدة في منفاه، وعقدة إذا ما كان على قيد الحياة أم خارجها.
هو عقدة لمن تاجر بمال الإغاثة وحفّاظات الرضع.. هو عقدة لمن استباح الاتجار بالسلاح وتبييض المال والمواقف.. هو عقدة لمن ارتُهِن لسفارة، وارتُهِن لإمارة، وسرح في صالات المؤتمرات ينادي:
- حمد يمثلني.
عبد العزيز عُقْدة سلطة لم تستطع السَّطْوَ على روحه، وإن نالت من جسده.
هو عقدة معارضات كلما زاد عددها قَلَّ شأنُها.
هو روح المثل، لسوري كان أحوج للمثل في زحمة أصوات الصغار، وقد كُبِّروا على دماء الناس، وتوافقوا على إسقاط البلاد.
عبد العزيز صديق سلطان الأطرش، ورفيق درب نيلسون مانديلا، وتوأم سيمون بوليفار. طبيعي أن يُرشَق بالبيض هناك، وأن يناله ظلام الزنازين هنا.
ممنوع على السوري أن يكون قامة شاهقة. ممنوع عليه أن يكون: عبد العزيز الخيّر .
*هذا المقال جزء من مشاركة الكاتب في كتاب "عبد العزيز الخير مناضل من سورية"