هيومن رايتس ووتش: الهجوم السوري الروسي على مجمّع للنازحين يبدو أنه جريمة حرب
قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم في تقرير لها إن الضربة التي شنها التحالف العسكري السوري الروسي على مجمّع للنازحين في منتصف أغسطس/آب يبدو أنها جريمة حرب .
الضربة التي أودت بحياة 15 مدنياً، بينهم ستة أطفال بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان جراء قصف روسي على مخيّم للنازحين في بلدة حاس في ريف إدلب الجنوبي.
ذكرت هيومن رايتس في التقرير بأنه وبحسب شهود لم يكن هناك هدف عسكري واضح للهجوم على بلدة حاس في محافظة إدلب، الذي أسفر عن مقتل 20 مدنياً على الأقل في المجمّع، وتشريد حوالي 200 نازح. فرّ هؤلاء إلى القرى المجاورة، ومخيمات النازحين المتاخمة للحدود التركية المغلقة، والواقعة تحت سيطرة الجماعات المناهضة للحكومة، وحيث يوجد مئات الآلاف من السوريين المشردين الآخرين المحاصرين والذين لم يعد لديهم مكان للفرار إليه.
قال جيري سيمبسون، المدير المشارك لقسم الأزمات والنزاع في هيومن رايتس ووتش: "منذ بدء الهجوم على إدلب، استخدم التحالف العسكري السوري الروسي تكتيكات غير قانونية لقتل وجرح مئات المدنيين. تفاقمت خسائر الأرواح والإصابات المأساوية في صفوف المدنيين بسبب الأثر المدمر لهذه الهجمات على البنية التحتية المدنية دافعة بأزمة النزوح المستمرة في سوريا نحو نقطة الانهيار".
وأضافت في التقرير بأن في أبريل/نيسان، صعّد التحالف السوري الروسي حملته العسكرية على محافظة إدلب وأجزاء أخرى من شمال غرب سوريا، آخر معاقل الجماعات المناهضة للحكومة في البلاد. وفقا لـ"الأمم المتحدة"، قتل التحالف ألف مدني على الأقل، وشرّد أكثر من نصف مليون آخرين وضرب البنية التحتية الأخرى التي تتمتع بالحماية بما في ذلك المدارس والمستشفيات. رغم وقف إطلاق النار في 30 أغسطس/آب.
وقال عمال الإغاثة لـ هيومن رايتس ووتش إنهم ما زالوا غير قادرين على تقديم المساعدة الكافية للعديد من النازحين منذ أبريل/نيسان ما ترك عشرات الآلاف دون مأوى. في 9 أكتوبر/تشرين الأول، اجتاحت تركيا والفصائل المسلحة شمال شرق سوريا، وهي منطقة خاضعة لسيطرة قوات يقودها الأكراد. تسببت الأعمال الحربية الدائرة في تشريد 160 ألف شخص آخرين مما زاد من عبء النزوح المتزايد في سوريا.
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى 24 من الشهود والسكان الذين قالوا إنه مساء 16 أغسطس/آب قصفت طائرة مجمّعا للنازحين تديره منظمة إغاثة سورية. من المعروف أن القوات الجوية السورية والروسية هي وحدها الناشطة في هذا الجزء من شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة الجماعات المناهضة للحكومة. يقع المجمّع الذي أنشأ في 2014 لإيواء العائلات النازحة خارج بلدة حاس مباشرة، في منطقة نائية نسبيا. يضم المجمّع سلسلة من المباني السكنية والتجارية الصغيرة حول ساحتين مفتوحتين.
وقال الشهود إنه لم يكن هناك رجال مسلحون أو أهداف عسكرية أخرى في مجمّع النازحين. معظم الضحايا الذين وثقتهم هيومن رايتس ووتش كانوا من النساء والأطفال. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق بشكل مستقل من عدم وجود هدف عسكري في المنطقة، وإن كان ثمة هدف، فسيكون استخدام سلاح له آثار واسعة النطاق في منطقة يسكنها مدنيون، عشوائيا وغير قانوني أو قد يتسبب في خسائر مدنية غير متناسبة.
وبحسب التقرير فإن ستة ناجين قالوا إن الضربة أصابت إحدى الساحتين في المجمّع حيث كانت العائلات النازحة تجلس عادة في المساء بينما يلعب أطفالها. نزح المدنيون في المجمع بشكل متكرر بسبب القتال في أجزاء أخرى من سوريا. وصف الناجون ما حدث في أعقاب الضربة الدموية التي أودت بحياة العديد من النساء والأطفال وفي إحدى الحالات بحياة أسرة مصغّرة بأكملها، بما فيهم امرأة حامل. التقط مصوّر يعمل لدى "المركز الإعلامي العام"، مركز إعلامي محلي، صورا ومقاطع فيديو لجهود الإنقاذ.
راجعت هيومن رايتس ووتش صور الأقمار الصناعية الملتقطة قبل الهجوم وبعده. يدلّ الدمار الظاهر في الصور على ذخيرة كبيرة أسقِطت من الجو على ساحة مفتوحة ما يتسّق مع أدلة الشهود. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد ما إذا كان هذا ناتجا عن انفجار واحد أم عدة انفجارات.
راجعت هيومن رايتس ووتش أيضا الصور ومقاطع الفيديو التي التقطها المصور ونشرها على فيسبوك مباشرة بعد الساعة التاسعة من ذلك المساء. أظهرت المقاطع والصور أضرارا كبيرة في المجمع، فضلا عن العديد من الإصابات والوفيات المتسقة مع ما وصفه الشهود.، لكنها لم تُظهِر أي دليل على وجود أهداف عسكرية.
قال أحد النازحين، والذي تولى مسؤولية متابعة العائلات النازحة، لـ هيومن رايتس ووتش إن العائلات الناجية فرّت إلى الشمال بعد الضربة، لكن بعضها لم يتمكن من إيجاد مأوى بسبب أزمة النزوح واسعة النطاق. قال أب لثمانية أطفال إنه كان يعيش في مجمع النزوح في حاس منذ 2015، وإن أسرته الآن لا تملك خيارا سوى اللجوء إلى مدرسة مهجورة.
قال شهود إن غارة أغسطس/آب على المجمع لم تكن الأولى. في 19 يوليو/تموز، تسببت ضربة جوية شنتها طائرة مروحية سورية-روسية بمقتل رجل وتدمير أحد المباني، مما أدى إلى تشريد 80 عائلة تعيش هناك. عادت أربعون عائلة في أوائل شهر أغسطس/آب لأنها لم تتمكن من إيجاد مأوى في مكان آخر. كان من بينهم خالد السطوف(34 عاما)، من اللطامنة، والذي فقد زوجته وأطفاله الثلاثة في هجوم 16 أغسطس/آب.
قال خالد: "بعد الهجوم بالبراميل المتفجرة في 19 يوليو/تموز، غادرتُ حاس مع عائلتي لأننا كنا خائفين من هجوم آخر لكنني لم أجد أي مكان آخر لأعيش فيه بما أن الإيجار مرتفع للغاية الآن في كل مكان، لذلك عدنا قبل حوالي أسبوعين من هجوم أغسطس/آب".
واعتبر التقرير أن الهجمات المتعمدة أو المتهورة ضد المدنيين والأعيان المدنية المرتكبة بقصد إجرامي جرائم حرب. بموجب "نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية"، يشكل الهجوم على هدف مدني جريمة حرب إلا إذا اقتضته ضرورات النزاع بصورة حتمية. تُلزِم قوانين الحرب أطراف النزاع بأن تولي أثناء القيام بعمليات عسكرية عناية مستمرة لتفادي السكان المدنيين و"اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة" لتفادي أو تقليل الخسائر العرضية في أرواح المدنيين والأضرار اللاحقة بالأعيان المدنية.
وأضافت المنظمة في تقريرها "يمكن مقاضاة الأشخاص الذين يرتكبون انتهاكات خطيرة لقوانين الحرب بقصد إجرامي - أي المتعمدة أو المتهورة - بتهمة ارتكاب جرائم حرب. قد يُحمَّل الأفراد أيضا مسؤولية جنائية عند المساعدة في ارتكاب جريمة حرب أو تيسيرها أو التحريض عليها. جميع الحكومات الأطراف في نزاع مسلح مُلزمة بالتحقيق في جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبها أفراد قواتها المسلحة".
ذكر التقرير "كطرف في العملية العسكرية المشتركة، روسيا شريكة في المسؤولية عن الهجمات غير القانونية التي تشنها الحكومة السورية. توفير الأسلحة أو الدعم المادي لبلد أو جهة فاعلة من غير الدول، مع العلم أنها قد تستخدم لارتكاب انتهاك خطير للقانون الدولي، يعرض الموّرد أو الداعم لخطر اتهامه بالتواطؤ".
وطالبت المنظمة التحالف العسكري السوري الروسي إيقاف جميع الهجمات غير القانونية على شمال غرب سوريا فورا. وقالت "ينبغي أن يتخّذ التحالف جميع الاحتياطات الممكنة لضمان حماية المدنيين. على الدول المعنية أن توضح لسوريا وروسيا أن الوضع لن يبقى على ما هو عليه بالنسبة للمسؤولين الذين انتهكوا قوانين الحرب عمدا أو بتهور.
قال سيمبسون: "من خلال غاراته المتكررة على الأهداف المدنية، وجه التحالف السوري الروسي رسالة إلى المدنيين في إدلب بأنه لا مكان يفرون إليه. وعبر إغلاق حدودها بينما يتعرض مدنيين للقتل والتشويه ويمنعون البحث عن الأمان، تجعل تركيا ودول أخرى هذا الكابوس حقيقة".
يذكر أنه منذ بداية التصعيد، قُتل 820 مدنياً بحسب المرصد السوري. ودفع العنف أكثر من 400 ألف شخص إلى النزوح بحسب بيانات الأمم المتحدة.