المرأة وتأثيرات الحرب عليها
العرف أقوى من القانون (7)
تقول سارة (اسم مستعار) وهي أرملة منذ ثلاث سنوات " أستعين بأخ زوجي في أي أمر يتعلّق بأطفالي، فلا أستطيع استخراج جوازات سفر لهم، ولا السفر بهم، ولا ملاحقة ميراثهم بشكل جيد، فكل شيء متعلّق بأخ زوجي الذي يسكن بمدينة بعيدة، ويتململ دائماً من أي طلب أطلبه".
لعبت النساء السوريّات دوراً قوياً بعد آذار 2011 كناشطات مجتمع مدنيّ من خلال (التظاهر السلمي، والتشكيل والمشاركة في بناء منظّمات مجتمع مدنيّ، وإيصال المساعدات الإنسانية، والتفاوض المباشر مع الأطراف المتنازعة، وتنظيم الخدمات في المجتمعات المحلّية)، ونشاطات أخرى مختلفة.لكن التطوّر السياسي والعسكري أظهر أيضاً آثاراً كارثية على النساء بعد الحرب، وتحمّلت مسؤوليات وأعباء مضاعفة، لم تراعي ولم تخفّف من الضغط عليها، بل على العكس، ظهرت أشكال جديدة للعنف وسلب الحقوق.
1- الاعتقال الممنهج: استخدمت السلطات اعتقال النساء بسبب أنشطتهن من جهة، ومن جهة أخرى للضغط على المجتمعات أو الشخصيات المعارضة، وتعاني المعتقلات في الكثير من الأحيان بعد نجاتهنّ من نبذ العائلة لهن لما يمارَس على الفتيات من عنف جنسي داخل المعتقلات، فيتمّ تحميل العار للضحية. وقد استُخدمت قضية المعتقلات كسلاح حرب من قِبل السلطة وكل أطراف النزاع المسلح في سوريا، وظهر هذا في صفقات تبادل المعتقلين وأسرى الحرب بين السلطة المعتقِلة والمجموعات المعارضة التي تعتبر إطلاق سراح النساء أولوية، من مبدأ الأعراف والعِرض، والذي زاد من نسبة الاعتقال بشكل كبير بغية إتمام عمليات التبادل.
اعتقلت سعاد بسبب نشاط زوجها المناهض للنظام حيث طلب الأمن أن يسلم نفسه، لكنّه سافر خارج البلاد، تقول سعاد " لم أكن أعلم أين أطفالي، طيلة فترة اعتقالي، ومن المسؤول عنهم، وعند خروجي طلّقني زوجي بداعي الشرف، لشكّه أني تعرّضت للاغتصاب، وعشت مع أطفالي عند أهلي، لكن كلام الناس لم يرحمني حتى قرّر والدي الانتقال بنا إلى مدينة أخرى.
2- الزواج والأبناء غير المسجّلين: في غياب السلطة الشرعية ، وانتشار العنف بات هناك الآلاف من حالات الزواج غير المسجلة، وبالتالي أطفال بلا قيود مدنية، والمخيف هنا أن حالات الاختفاء للأزواج، وتشتّت ذكور العائلة منتشرة جداً بسبب الحرب وأعمال العنف.
3- الزواج من مجهولين: انتشرت هذه الظاهرة في جميع المناطق، على عكس الاعتقاد بوجودها في أماكن سيطرة المتطرفين، فتتزوج المرأة أو الفتاة من رجل تجهل اسمه الحقيقي، كالمجاهدين في مناطق داعش، أو بزواج غير مسجّل من جنود استُقدِموا للمحاربة في المنطقة واختفوا، أو حتى من مقاتلي الميليشيات الأجنبية التي تحارب إلى جانب النظام السوري، أو الزواج من الرجال السوريين الذين يستغلون الظروف الاقتصادية السيئة للنساء، وسطوة هؤلاء الرجال العسكرية، وكل هذا يلغي أمل تسجيل الزواج والأطفال مستقبلا،ً ومتابعة حقوق الزوجة والأطفال تحت قانون الوصاية والجنسية، ويمنعها من التنقّل بأطفالها حتى في حالات الهروب من الخطر.
4- زواج الفتيات: بسبب الضغوط الأمنية والاقتصادية تضاعفت أعداد حالات تزويج الفتيات، كنوع من تأمين الأمان لهنّ، وتخفيف العبء عن العائلة، وهذا ما يزيد الآثار الصحية والنفسية والاقتصادية على الفتاة، كما يزيد من انتشار الاغتصاب الزوجي.
5- التوقّف عن التعليم الأساسيّ: بالتأكيد إن كل ما سبق سيحرم الفتيات من التعليم مع عجلة الحرب والأوضاع الاقتصادية والعنف المتفشّي والخوف على العرض، بالإضافة لأولوية الذكور من العائلة في التعليم، خصوصاً في المخيمات.
6- العنف الجنسيّ والاستغلال الجنسيّ: تتجلّى أسوأ حالات العنف الجنسيّ في معتقلات السلطة، وعلى الحواجز الأمنية، واستغلال النساء في العمل، والحصول على المعونة، وتشغيل النساء في الدعارة مع احتجاز حرّيتهنّ، والذي يصنّف تحت بند الاتّجار بالبشر، وانتشار عمليات السبي من قِبل التنظيمات المتشدّدة.
7- منعها أو إجبارها على العمل: تغيّرت الكثير من الأدوار الاجتماعية للنساء بعد الحرب، فباتت المرأة، في الكثير من الأحيان، مسؤولة بشكل كامل عن العائلة في ظلّ غياب الرجل أو إصابته، فأُجبرت على أعمال شاقّة، لم تعمل بها من قبل مع استمرارها بتحمّلها أعباء المنزل عدا ظروف النزوح واللجوء أو منعها من العمل بسبب قلّة تقيّدها بمجالات محدودة تحدّ من الفرص، وكل هذا تحت زيادة ضغط المجتمع الذي يزيد من مراقبتها، ويحدّ من حرية حركتها، مع عدم تأمين الأمان لها. فرضت الكثير من المناطق، وخصوصاً الخارجة عن سيطرة السلطة، قيوداً متشدّدة على النساء في العمل واللباس والحركة والنشاطات الاجتماعية.
8- الحرمان من ملاحقة الملكيّات والإرث: مع ظروف الحرب واللجوء والنزوح والذي تسبّب في فقدان أفراد العائلة أو تشتّتها، بات من الصعب ملاحقة النساء لملكياتهنّ وملكيات أطفالهنّ مع غياب الوصاية والولاية وملاحقة الإرث إن وجد، فصعوبة الوصول للسجلات العقارية والمدنية والتسجيل الشرعي، تزداد مع غياب الوصيّ المختفي في الكثير من الأحيان، عدا عن التكلفة العالية، وبات من السهل استملاك الملكيات من قِبل الأقارب أو من المستغلين بسبب الفساد المنتشر فتعدّ ملكيات النساء وإرثهن صيداً سهلاً قانونياً. وبالتأكيد هناك انعكاس لثقافة المجتمع من حرمان النساء أصلاً من الميراث.
اقرأ أيضاً:
المرأة وحرّية التحكّم بالأموال وإدارتها
9- الحدّ من مشاركتها السياسية والأمنية: من الحقائق التي لا يمكن تجاهلها بعد آذار ٢٠١١ ، أن النساء السوريّات لعبنَ دوراً قوياً كناشطات مجتمع مدنيّ من خلال )التظاهر السلمي، والتشكيل والمشاركة في بناء منظّمات مجتمع مدنيّ، وإيصال المساعدات الإنسانية، والتفاوض المباشر مع الأطراف المتنازعة، وتنظيم الخدمات في المجتمعات المحلّية( ونشاطات أخرى مختلفة. وتعدّ النساء من أكثر الفئات المتضرّرة في الحرب، وهي النسبة الأكبر من المدنيين، وتعاني ما تعانيه من كل ما سبق رغم مشاركتها القوية في الثورة السورية منذ بدايتها، لكن المجتمع والحياة السياسة حدّت من مشاركتها السياسية بعد تراكم كل تلك الظروف القانونية والمجتمعية، بالإضافة للسياسية فما أسباب ضعف مشاركة المرأة سياسياً؟
- عزوف النساء بشكل عام عن الخوض في الأعمال العسكرية أو التدخل فيها، وتعتبر هي المحرك السياسي الرئيسي في سورية وبالتالي سوء الوضع السياسي في سورية وفقدان الجدوى من العمل السياسي في ظل سيطرة العسكرة.
- التشهير الدائم بالنساء القياديات أو اللواتي يحاولن الخوض في السياسة، ويركّز التشهير على جنسهنّ قبل أعمالهن أو المواقف السياسية، مما يؤدّي لخوف النساء المتمكّنات من دخول المجال السياسي واكتفائهن بالعمل المدني.
- محاربة القيادات السياسية الموجودة لمشاركة النساء معهنّ، فهو يعتبر منافساً للسيادة التي يملكونها.
- المحاصصات الحزبية والسياسية التي يسيطر عليها الرجال.
- التنميط لدور النساء السياسيات دائما بإطارات محدّدة أو متخصّصة فقط بحقوق النساء والجندر.
- انخفاض نسبة النسويات بين النساء السياسيات الموجودات على الساحة.
التوصيات التي خرج بها البحث:
إن أهمّ ما يمكن أن يوصى به في الحالة السورية هي ضرورة مشاركة النساء بالسياسة والاقتصاد والاجتماع والإعلام، وتكون المشاركة على جميع المستويات، وبشكل مباشر في عملية السلام والانتقال السياسي، والذي سيؤدّي إلى إضافة أولويات المدنيين وحقوق الإنسان وحقوق المرأة على وجه الخصوص لأي عملية تجري لتحقيق السلام، وبالتالي زيادة فرصة تحقيق السلام المُستدام.
- دستور يضمن المساواة في الحقوق والواجبات
- تعديل القوانين لتكون خالية من التمييز على أساس الجنس والدين والعرق.
- استحداث قوانين لحماية النساء من التمييز المجتمعيّ.
- استحداث قوانين تحمي النساء من العنف الممارس عليها.
- وجود برامج حكومية لتمكين النساء في جميع المجالات.
- تضمن جميع مؤسّسات الدولة مشاركة جميع الفئات بدون تمييز في جميع المناصب والوظائف الحكومية و غير الحكومية.
- منظمات مجتمع مدني مستقلّة تراقب وتقوّم ببرامجها أي ثغرات حقوقية وتمييزية.
- نظام تعليمي تربوي مبني على أساس الحقوق وعدم التمييز.
- نظام ديمقراطي يضمن مشاركة جميع المواطنين بجميع فئاتهم في بناء الحكم والدولة.
- منع خطابات التمييز والكراهية والمحاسبة عليها في الإعلام وفي جميع المؤسّسات.
- دعم التمكين الاقتصادي بشكل خاص للنساء، وتقديم التسهيلات لدخولهنّ في سوق العمل الحرّ.
وهذا يثبت من خلال:
- تعديل قانون الميراث ولوائحه التنفيذية ليضمن حقّ النساء والفتيات بالميراث وحمايتهنّ من ضغط العائلة والمجتمع مع وجود إجراءات محاسبة للمنتهكين ، ويضمن عدم التمييز بين النساء أنفسهن حسب انتماءاتهن الدينية..
- دعم من المنظمات والحكومة لدعم ووصول النساء إلى القانون والمطالبة بحقوقهنّ من الميراث والملكيات.
- تعديل قانون الجنسية والوصاية والولاية لضمان حقّ المواطنة والحرية في الحركة والانتقال للنساء والوصاية والولاية على الأطفال وتسهيل تسجيل الأطفال بغضّ النظر عن وجود الأهل وخصوصاً بعد الحرب.
- إجراءات تنفيذية تضمن حماية النساء والفتيات مع إجراءات محاسبة للمنتهكين.
- دعم الحكومة منظمات المجتمع المدني لتعليم النساء في السكن والتنقّل وبرامج التوعية.
- تعديل قانون الأحوال الشخصية ليضمن حرية المرأة في الزواج والطلاق وضمان حقوقها كاملة في السكن والعيش.
- وجود لوائح تنفيذية وإجراءات تمنع الالتفاف على القانون، و وجود إجراءات محاسبة للمنتهكين.
- لوائح تنفيذية متشدّدة تمنع الاحتيال على القانون مع إجراءات محاسبة تمنع الأهل من إجبار الفتيات على الزواج.
- حملات التوعية الواسعة في المجتمع ضد التمييز حسب النوع الاجتماعي.
- إلغاء القوانين التي تعطي العذر المحلّ للذكور من العائلة لقتل النساء مع وجود إجراءات ومحاسبة لحماية النساء من العنف الجنسيّ والتحرّش والاستغلال في العمل مع وجود إجراءات متشدّدة جداً لمحو هذه الظاهرة من المجتمع.
- وجود قوانين ولوائح تنفيذية تحمي النساء من العنف الأسريّ بكافة أشكاله المباشرة وغير مباشرة.
- وجود مراكز لحماية النساء المعنّفات وتأهيلهنّ في المجتمع.
- حماية حقّ النساء في حقّهن في الإسهام في بناء العائلة والمنزل وإدارته.
- وجود تأمينات اجتماعية عادلة للنساء، وخصوصاً فيما يخصّ الدور الإنجابي ورعاية الرضع.
- دعم البرامج التمكين الاقتصادي للمرأة، ودعم وصولها لسوق العمل والإعمال الحرّة.
- يُنشر هذا البحث بالتعاون بين مجلّة صُوَر وشبكة أنا هي