كورونا سوريا.. كُرة الحياة في ملعب الصّحة الهشّ

بينما كان فيروس كورونا يجتاح العديد من دول العالم من شرقها إلى غربها، وتُرفع حالة الطّوارئ في بعض الدّول، وتُعلن فيها الحرب على هذا العدو الخفيّ الّذي تسلّل إليها وضرورة مواجهته بكلّ طاقتها؛ كانت سوريا تلتزم الصّمت تعبيراً عن خلوّها من فيروس كورونا.
وإلى الآن لا تزال الأرقام الّتي توردها وزارة الصّحة السّوريّة تُشير إلى أنّ الوضع تحت السّيطرة حيث نشرت وزارة الصّحة على صفحتها الرّسميّة على الفيسبوك التّحديث اليوميّ يوم الخميس ١٨ حزيران ٢٠٢٠. وصل إجماليّ الإصابات المسجّلة بفيروس كورونا في سوريا إلى 187إصابةً، وذلك وفق ما يلي 102 حالةٍ نشطةٍ فيما بلغ عدد حالات الشّفاء 78 حالةً، و7 حالاتٍ للوفيات.
بدأ نوعٌ من الجدّيّة يطرأ على عمل دوائر القطاع الصّحي في سوريا، بعد إعلان منظّمة الصّحة العالميّة (23 آذار 2020) أنّ "هذا البلد من الدّول الأكثر عرضةً لتفشي فيروس كورونا المستجد، بسبب الحرب المندلعة فيه منذ سنواتٍ، والنّظام الصّحيّ الهشّ، والأفراد الأقلّ حصانةً صحيّةً أمام الإصابة بهذا المرض".
بدأت القصة.. كيف دخل الفيروس؟
رغم السُّخرية الّتي سادت الأجواء السّوريّة بسبب تأخر دخول الفيروس نسبياً إلى البلد، إلّا أنّه وبتاريخ 10 آذار 2010، أعلنت باكستان تسجيل 9 إصاباتٍ جديدةٍ بفيروس كورونا، مشيرةً إلى أنّ 6 من المصابين الجدد وصلوا إلى مدينة كراتشي قادمين من سوريا عبر العاصمة القطريّة الدّوحة، فيما أنكرت الحكومة السّوريّة وجود أيّ حالةٍ لفيروس كورونا في البلاد حتّى تاريخ 22 آذار، حينما أعلنت وزارة الصّحة عن أول إصابةٍ قادمةٍ من الخارج، وفقاً لوزير الصّحة نزار اليازجي، دون مزيدٍ من التّفاصيل. وفي 25 مارس أعلنت الوزارة تسجيل 3 حالاتٍ جديدةٍ. أما في 29 آذار، فكان الإعلان عن أول حالة وفاةٍ لسيّدةٍ بعد دخولها إلى المشفى بحالة إسعافٍ تبيّن إثر إجراء اختبارٍ لها أنّها كانت حاملةً لفيروس كورونا، أي بعد 6 أيامٍ فقط من إعلان منظّمة الصّحة، لتتحوّل تلك الجدّيّة إلى خوفٍ وترقّبٍ.
وما بين إعلان منظّمة الصّحة ووفاة أول مواطنةٍ سوريّةٍ، كانت الصّحة أمام نظريّةٍ جديرةٍ بالدّراسة للحالة الصّحية والبنى التّحتيّة الّتي تعاني قبل الوباء أصلاً، رغم أنّ المشافي والمستوصفات الحكوميّة تقدّم خدماتها مجاناً، ما يميّزها عن كثيرٍ من الدّول، لكن مع دخول ضيفٍ خبيثٍ تغيّرت المقاييس الاقتصاديّة والاجتماعيّة، حيث تبلغ نسبة المستشفيات العامّة العاملة بشكلٍ كاملٍ في سوريا 64%، فيما يوجد عجزٌ شديدٌ في الطّواقم الطّبّيّة المدرّبة، وفقاً لمنظّمة الصّحة.
وتناولت تقاريرٌ حالة كورونا في سوريا، معتبرةً أنّ السّبب يعود إلى المزارات الإيرانيّة في دمشق، الّتي يزورها الإيرانيون بالآلاف، ولإنّ الإصابات كانت مهوّلةً في إيران في الأيام الأولى من هجوم الفيروس، حيث نفت الحكومة السّوريّة الأمر كما هو الحال مع انتشار مرض شلل الأطفال من منتصف عام 2013، إلّا أنّ منظّمة الأمم المتّحدة، ومنظّمة الصّحة العالميّة تُرسل الإمدادات والمعدّات الطّبّيّة لمعاونة القطاع الطّبّيّ الرّسميّ في سوريا.
فجر روبرت فورد، السّفير الأمريكيّ السّابق لدى سوريا قنبلةً، حين كتب مقالاً تحت عنوان مخاطر "كورونا" في إدلب أكثر من دمشق قال فيها إنّ للحكومة السّوريّة سجلاً سيئاً بشأن إساءة استخدام الإمدادات والمعدّات الطّبّيّة ليس لصالح المدنيّين، وإنما لخدمة أجهزة النّظام الأمنيّة. وهذا ما أكّدته الدّكتورة آني سبارو الطّبيبة في مجال الصّحة العامّة والمختصّة في الشّؤون الصّحيّة السّوريّة، حين كتبت في مجلّة فورين آفيرز، العدد الصّادر في سبتمبر (أيلول) من عام 2018، أنّ منظّمة الصّحة العالميّة استخدمت أموال الجهات المانحة في شراء إمدادات الدّماء لصالح وزارة الدّفاع السّوريّة؛ نظراً لأنّ الوزارة تسيطر بالكامل على احتياطي بنوك الدّم الوطنيّة في سوريا".
وفي المنطقة الخارجة عن سيطرة النّظام السّوريّ "إدلب"، فقذ سلّمت منظّمة الصّحة الإمدادات والمعدّات المطلوبة إلى إدلب، حيث قالت مديرية الصّحة في إدلب (الحكومة السّوريّة المؤقّتة المعارضة) أنّها تعتزم توفير 60 سريراً داخل 3 مستشفيات تابعةٍ لها، وتخصيصها للمصابين بفيروس كورونا"، رغم أنّ الرّقم المذكور قليلٌ للغاية عند مقارنته بتعداد سكّان المحافظة البالغ 3 ملايين نسمةٍ.
وفي شمال شرق سوريا، أصدرت هيئة الصّحة في الإدارة الذّاتيّة لشمال شرق سوريا بياناً، أكّدت فيه وفاة أول مواطنٍ في المشفى الوطنيّ بالقامشلي بعد إصابته بفيروس كورونا، ملقيةً اللّوم على منظّمة الصّحة العالميّة الّتي لم تقم بإعلام الجهات المعنيّة بالجانب الصّحيّ في الإدارة الذّاتيّة، في وقتٍ لا تتعاون فيه الحكومة السّوريّة مع هذه الإدارة.
ماذا فعلت الحكومة السّوريّة؟
شكّلت الحكومة السّوريّة ما يُسمّى بـ"الفريق الحكوميّ المعنيّ بإجراءات التّصدي لفيروس كورونا المستجد"، الّذي يُصدر البيانات والقرارات بين الفينة والأخرى على صفحات وزارة الصّحة السّوريّة، ودوائرها على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، مثل أخبار توزع الفرق الطّبّيّة والعيادات المتنقّلة ومواعيدها وأماكنها وأعداد المصابين والوفيات وعدد التّحاليل المخبريّة وما إلى ذلك، فيما أطلق ناشطون وسماً بعنوان #إجراءات_الحكومة_للتصدي_لوباء_كورونا".
وتؤكّد الحكومة السّوريّة أن لديها 5 مخابر موزعةٍ، بواقع 2 بدمشق و3 في حمص وحلب واللاذقية، لتصبح معها قادرةً على إنجاز المهامّ المطلوبة ضمن زمنٍ أقصر، وهذا يعني أنه أمام 14 محافظة، وتوجد تلك المخابر في 4 محافظات، بواقع 100 تحليلٍ يوميّاً.
وفي هذا الصّدد، يشير مسؤولٌ في وزارة الصّحة السّوريّة، رفض ذكر اسمه، إلى ورود العديد من حالات الإصابة بكورونا إلى المشافي يوميّاً، ممّن تتراوح حالاتهم بين الخفيفة والمتوسطة، والشّديدة، والحرجة، "ونؤكّد قدرتنا على توفير الأدوية المدرجة ضمن الخطّة العلاجيّة، ووضع البروتوكول العلاجيّ ودليل التّوعية والوقاية للعاملين الصّحيّين في المؤسّسات الصّحيّة".
وأَضاف المسؤول الصّحيّ لـ"صور" إنّ خطّة خارطة وزارة الصّحة تتضمّن 19 مركز حجرٍ صحيٍّ و14 مركز عزلٍ طبّيٍّ في جميع المحافظات، فضلاً عن وجود مراكز حجرٍ مجهّزةٍ من قبل جهاتٍ رسميّةٍ وجمعياتٍ أهليّةٍ في حال الحاجة.
وأوضح أنّ الوزارة تواجه تحدّياً لوباء كورونا بسبب العقوبات الاقتصاديّة المفروضة على البلاد، فهناك حاجةٌ ماسّةٌ لتأمين المستلزمات والتّجهيزات الطّبّيّة اللّازمة لتدبير المرضى وتلبية احتياجاتهم، داعياً دول العالم والمنظّمات الأمميّة للنظر إلى الحالة الصّحيّة بغض النّظر عن الصّراعات السّياسيّة.
فيما اعتبرت دراسةٌ لمركز دمشق للأبحاث والدّراسات "مداد" أنّ الحكومة السّوريّة أمام تحدٍّ هو تدابير الإجراءات والسّياسات المتّخذة حيال خطر الفيروس الصّحيّة وغير الصّحيّة، والالتزام بتأمين تدفقٍ مناسب للسلع والخدمات والاحتياجات، مثل الموادّ الطّبّيّة والغذائيّة، وضبط التّلاعب بأسعارها، وخدمات الاستشفاء والنّقل والاتصال والتّعليم والعمل والأمن، ....إلخ، وفي حال استمرّ تهديد الفايروس مدّةً طويلةً، أو انتشر بكيفية أو بأخرى في البلاد".
كورونا.. وماذا بعد؟
في نهاية آذار 2020، حذر مارك لوكوك، وكيل الأمين العامّ للأمم المتّحدة للشؤون الإنسانيّة، من أن جميع الجهود الرّامية إلى الكشف عن الحالات المصابة بمرض كوفيد 19 والتّصدي له ستُعرقل بسبب النّظام الصّحيّ الهشّ في سوريا، مشيراً أن حوالي نصف مستشفيات الدّولة ومرافق الرّعاية الصّحيّة كانت تعمل بكامل طاقتها في نهاية عام 2019، ومحذراً أن الحالات العشر الأولى المصابة وحالة الوفاة الواحدة ليست سوى "قمة جبل الثّلج" وقد يكون هناك تأثيرٌ مدمّرٌ لذلك على المجتمعات الضّعيفة.
أرقام الأمم المتّحدة تشير إلى أنه مع دخول النّزاع السّوريّ عامه العاشر، أُجبر أكثر من نصف السّكّان على الفرار من منازلهم، وأكثر من 11 مليون شخصٍ داخل البلاد، بينهم ما يقرب من 5 ملايين طفلٍ بحاجةٍ إلى المساعدة الإنسانيّة، ونحو 8 ملايين شخصٍ لا يحصلون على الغذاء بشكلٍ موثوقٍ، وهو رقمٌ أكثر من 20 بالمائة من العام الماضي، و500 ألف طفلٍ يعانون من سوء تغذيةٍ مزمنٍ".
بالنّظر إلى البنية التّحتيّة لقطاع الصّحة في سوريا بشكلٍ خاصّ المشافي وانتشارها في المحافظات السّوريّة، نجد أنّ هناك تحدّياتٍ كبيرةٍ حيث إنّ بعض المناطق تفتقر إلى المشافي وبحسب إحصائيات 2017 يوجد 505 مشفىً في عموم سوريا تتوزع بين المشافي العامّة، والمشافي الخاصّة، والمشافي التّابعة لوزارة الصّحة، والمشافي التّابعة لوزارة التّعليم العالي
يقول المحلّل الاقتصاديّ معمر عواد إنّه "بالنّظر إلى الوضع الأمنيّ والسّياسيّ في سوريا وتهالك المنظومة الصّحية برمتها، فإنّ الحكومة السّوريّة لا تمتلك ما يكفي لإجراء مسوحاتٍ وفحوصاتٍ كافيةٍ لحصر الأعداد الحقيقية للإصابات المؤكّدة، بل تحاول التّعتيم على الأرقام لأسبابٍ سياسيّةٍ واجتماعيّةٍ في ظلّ تهاوي الوضع المعيشيّ حالياً".
وأضاف عواد لـ مجلّة "صور" إنّ "البنية التّحتيّة للقطاع الصّحيّ في حالةٍ رثّةٍ، سواءً في مستوى الكادر الطّبّيّ أو التّمريضيّ، فضلاً عن نقص المعدّات والأجهزة الكافية، إلى جانب نقص القطع الأجنبيّ لاستيراد ما يحتاجه القطاع من أدويةٍ.. لذلك هناك مخاوفٌ كبيرةٌ من اتّساع دائرة الوباء لعدم جاهزية القطاع الطّبّيّ في التّعامل مع الجائحة".
والجدير بالذّكر أنّ قطاع الصّحة في سوريا يواجه الوضع الصّعب والأكثر احتمالاً لانتشار كورونا في شرق الفرات وفي محيط التنف، حيث لا يمكن إيصال المساعدات الإنسانيّة إلى تلك المناطق المكتظة بمخيمات النّزوح الدّاخليّ وكذلك تحتوي على أكثر من 10 آلاف محتجزٍ من الدّواعش، وفقاً لمتحدّثةٍ باسم وزارة الخارجيّة الرّوسيّة ماريا زاخاروفا.
سخطٌ شعبيٌّ
استياءٌ شعبيٌّ واضحٌ يسود الأجواء السّوريّة وسط تعتيمٍ إعلاميٍّ، حيث تقول سماح (الاسم مستعارٌ) لـ مجلّة "صور" إنّ "المشافي قبل كورونا حذرت النّاس من نزلات البرد والكريب، في الوقت الّذي كان الأطباء يقومون بتشخيص ذات الرّئة والتّشنج القصبيّ الحادّ المستمرّ إلى الآن، لكننا في النّهاية كشعبٍ (مو ناقصو تهويل)".
فيما دعا مواطنٌ سوريٌّ من ريف دمشق إلى ضرورة التّدقيق على المناطق العشوائيّة، مثل "دفّ الشّوك" الّتي تعاني من عدم الالتزام بتاتاً، بحسب منشورٍ له على فيسبوك، مضيفاً أن "الأطفال وأسرهم لا يزالون في خارج منازلهم طوال الوقت مثل الجلسات أمام باب المنازل، وأغلب المحلاّت لا تلتزم بالحظر، كما أنّ القمامة في كلّ مكانٍ، ولا يوجد تعقيمٌ للمنطقة.. يرجى إيصال صوتنا للمعنيّين".
ويشكّك آخر بالأرقام الّتي تُصدرها وزارة الصّحة السّوريّة، قائلاً: "الله أعلم أديش عدد الحالات المثبتة بالطبقي ويلي ما عم ينحكى عنها.. وسيارات مديرية صحة ريف دمشق يلي عم تنقل المرضى ع الزبداني من مشافي".
5 مراحلٌ لفحص كورونا في سوريا
تحدّياتٌ صحيّةٌ جمّةٌ يشير إليها مراقبون في سوريا، منها نقص المعدّات الواقية وأجهزة التّنفس الصّناعيّ وصعوبات العزل في مخيمات النّازحين المكتظة وخدمات الصّرف الصّحيّ، إلّا أنّ الحكومة السّوريّة تؤكّد أنّ فحص المشتبه بهم بالإصابة بفيروس كورونا يتمّ عبر خمس مراحل وهي:
- مخبر الأمراض الطّارئة والأوبئة بدمشق؛ يضمّ خمسة أجهزة تحليل بي سي آر قادرةً على إجراء أكثر من 100 تحليلٍ يوميّاً لعيّناتٍ من أشخاصٍ مشتبهٍ بإصابتهم بفيروس كورونا المستجد، بالإضافة إلى مخابر في اللاذقية وحلب وحمص.
- العيّنات تُؤخذ من قبل فرق التّرصد في المحافظات، وكوادر المشافي والمراكز الصّحيّة، وهي عبارةٌ عن مسحاتٍ أنفيّةٍ بلعوميّةٍ أو فمويّةٍ بلعوميّةٍ.
- المسحة تبقى صالحةً للتحليل بعد أخذها من الشّخص المشتبه بإصابته حتّى 12 يوماً، كما يمكن أخذ مسحةٍ من شخصٍ متوفٍ.
- مدّة تحليل الكشف عند الإصابة بالفيروس تستغرق أكثر من خمس ساعاتٍ.
- إذا كانت النّتيجة إيجابيّةً (توجد إصابةٌ) يُعاد التّحليل في مرحلةٍ أخرى تُسمّى مرحلة التّأكيد للتثبّت من دقّة النّتيجة.