الحوار الكُرديّ-الكُرديّ
الحوارُ الكُرديّ-الكُرديّ مطلبٌ سياسيٌّ عامّ ينادي به غالبيّة الشّعب الكورد في سوريا وفي بقيّة أجزاء كوردستان، لما له من أهميّة استراتيجيّة سياسيّة في النِّضالِ الكرديِّ لتحصيلِ الحقوق المَشروعة للكُرد.
ممّا لا شكَّ فيه أنّ الحوارَ هو أكثرُ الآليّاتِ الناجِعة في العمل السّياسيّ وأقلّها تكلفةً ماديّةً وبشريّةً ويشتملُ على أشكالٍ عدّة منها السّياسيّة ومنها الاجتماعيّة، وجميعُها تهدُف إلى حلّ النّزاعات وإيجادِ حلولٍ مشتركةٍ تجنّبُ التّصادُم، أيْ أنّها حمايةُ مصالحِ الأطرافِ المتحاورةِ وإيجادُ طريقةٍ جديدةٍ للعملِ معاً، فهو فِعلٌ سياسيٌّ إيجابيٌّ حتى ولو لمْ تصلِ الأطرافُ إلى رؤىً مشتركة.
وبالعودةِ الى الحِوار الكُرديّ الّذي يجري بينَ الأحزابِ الكُرديّة برعايةٍ أمريكيّةٍ، يمكنُ تصنيفه في خانة الحِواراتِ السياسيّة، كونُه يجري بينَ ممثّلين لأحزابٍ وأُطرٌ سياسيّة لكلٍّ منها مناصريهُ المرتبطين به بحكمِ الانتماءِ أو المصلحةِ السياسيّة، فالتّمثيل الاجتماعيّ يختلفُ كثيراً عن التّمثيل السياسيّ ولكلٍّ منها ممثليها، وبما أنّ هذا الحوارَ اقتصرَ على ممثّلينَ سياسيّين لأطرٍ وأحزابٍ سياسيّة وليس برلماناتٍ شعبيّةٍ منتخبةٍ، فكانَ الأفضلُ أن يتمّ تسميتُه بالحوارِ الكرديّ-الكرديّ السياسيّ، كما أنّ من شأنِ إضفاءِ أبعادٍ اجتماعيّةٍ شاملةٍ للحوارِ أن يجعلَ المجتمعَ الكرديّ مسؤولاً عنِ الفشلِ الّذي قدْ يحدث، والّذي سيكونُ له آثارٌ اجتماعيّةٌ تُغذيّ الصِراعَ القائمَ بينَ جمهورِ الطّرفينِ القائِم بالأساس.
برأيي نحنُ الآن أماَم خيارينِ، إما أن يتمّ تغييرُ الاسمِ ليكونَ الحوارَ الكرديّ-الكرديّ السياسيّ أو أن يتمّ توسيعُ الحوارِ ليكونَ حواراً اجتماعيّاً يتمّ فيه تضمينُ الجميعِ بدونِ استثناءٍ (منظماتُ مجتمعٍ مدنيّ، قياداتٍ مجتمعيّة، نقاباتٍ، إعلامٍ.. الخ). وشخصياًّ أنا من أنصارِ أنْ يتمّ توسيع الحوار.
النّقطةُ الثّانيةُ الّتي يجبُ إعادةُ النّظر بها، هي شكلُ الحوارِ والّذي بدأَ من أعلى الهرمِ "المثلّث" الى أسفل الهرم الّذي يشكّلُ القاعدةَ الأساسيّةَ في أيّة عمليّةٍ تفاوضيّةٍ، فإنّ ١٠٪ فقط من المجتمعِ الكرديّ يُعتبر مشارِكاً في الحوارِ القائم وبالتّالي فإنّ من الطبيعيّ ألّا تكونَ احتياجاتُ ٩٠٪ جزءاً من الحوار، فالمواطن الّذي يبحثُ عن الاستقرارِ والعيشِ بكرامةٍ قد لا يهمّه من يقومُ بإدارةِ الملفّ الاقتصاديّ ولكن ما يهمّه هو كيفَ سيتمّ إدارةُ الملفّ الاقتصاديّ للاستجابةِ لاحتياجاتهِ المعيشيّة.
اقرأ أيضاً:
التّجاربُ السّابقة للبشريّة تقولُ أنّ جميعَ الحواراتِ الّتي اعتمدت العملَ من الأعلى إلى الأسفل، فشلت في الوصول إلىالاستجابةِ للاحتياجاتِ العريضةِ والكثيرةِ للقابِعينَ في أسفلِ الهرمِ، ولفهم المشكلةِ أكثر فليسَ علينا إلّا تخيّلَ مثلّثٍ مقلوبِ القاعدةِ في الأعلى ورأس الهرمِ في الأسفل، بطبيعة الحالِ لا يمكنُ أيقافُ الحواراتِ وإعادتها من الأسفل إلى الأعلى ولكنْ يمكنُ أن يتمّ اعتمادُ منهجيةٍ ثالثةٍ، بدءُ الحوارِ من المسار الأولِ والّذي حدثَ مسبقاً ومن المسار الثّالثِ والالتقاء في المسار الثّاني.
النّقطةُ الأخيرةُ الّتي أودّ التّطرقَ إليها هيَ تِلكَ المُتعلّقةِ بمنهجيّةِ الحوارِ وهي اعتمادُ الأبوابِ المغلقةِ بدلاً من الحواراتِ السِريِة، وهذه المنهجيّة رغمَ إيجابيّتها فلها سلبيّات جَمّةٌ منها غيابُ الشّفافيّة، وحجبُ حقّ الوصولِ إلى المعلوماتِ، والتي تُشكّل أحدَ الحقوقِ الرئيسيّةِ، ومن شأنِ هذا النّوعِ من الحوارِ أن يجعلَ الأخبارَ تتناقلُ بشكلٍ متواترٍ وبطيءٍ، ممّا قد يسبّبُ التّشويشَ وتشكيلَ ضغطٍ أكبر، فهي بشكلٍ أو بآخر مثلَ فريقِ كرةِ قدمٍ يقومُ بالتّحضير للمباراةِ النّهائيّة خَلف أبوابٍ مغلقةٍ إلى حينِ موعدِ المباراةِ واللّعبِ أمامَ الجمهورِ، والّتي قدْ تكونُ نتيجتها خسارةَ النهائيّ.