info@suwar-magazine.org

الزلزال الذي لم يأت على سوريا

الزلزال الذي لم يأت على سوريا
Whatsapp
Facebook Share

 

المزارت تحمي السوريين والرّوس يحبّون الحمضيات

 

في 23 أب/اغسطس 1999 رن الهاتف مساءً، المتصل ابن الجيران، وبصوت مرتبك، وبدون أن يلقي التحية، قال: يجب أن تحزموا أمتعتكم، وتخرجوا جميعاً من البيت خلال أربع ساعات كحدّ أقصى، لقد أخبرنا أحد الأصدقاء أن زلزالاً سيضرب سوريا من جهة دمشق، وبعد أربع أو خمس ساعات سيصل إلى اللاذقية. ولأنه أغلق الهاتف لم أستطع أن أسأله: هل سيأتي الزلزال "بالبولمان" أم بسيارة خاصة؟ ومعرفة الجواب كانت مهمة بالنسبة لي، فلو جاء بالبولمان سيحتاج أربع ساعات ونصف ليصل من دمشق إلى اللاذقية، وسيكون لدي الوقت الكافي لأحزم أمتعتي وكتبي وأشرب كأساً من المتة، ثم أخرج على مهل، أما لو جاء في سيارة مرسيدس فقد يصل بأقل من ثلاث ساعات.

 

تتالت الاتصالات لتخبرنا بضرورة النزول من البيت، وفي كل اتصال كنت أسمع روايةً مختلفةً عن الزلزال: "سيصل في أي وقت، سيضرب اللاذقية أولاً، قوته متوسطة الشدة، وغير ذلك الكثير"، ولأنني شخص يؤمن بالعلم كنت أعلم أن كل ما يقال لا صحة له، لذا قررت أن أخرج من البيت كما فعل الملايين من السوريين في تلك الليلة، وأخرجوا معهم الطعام والشراب والأركيلة، وكأنهم ذاهبون في رحلة...

 

السوريون معتادون على انتظار الأشياء التي لا تأتي، وكان الزلزال من بينها...

 

خلال سيري باتجاه منزل صديقي الذي ينتظرني لنشرب المتة قبل وصول الزلزال توقفت قليلاً مع بعض الشبان، وكانوا يتحدثون بأن أبو سامر الذي تجاوز السابعة والخمسين من عمره لم تنجح زوجته وأبناؤه في إقناعه بالخروج من المنزل، وحين سُئل لماذا لا يريد الخروج قال: إنه سمع منذ سنة في إذاعة "مونت كارلو" المذيع يسأل أحد العلماء من أصل جزائري: لماذا لا يحدث في سوريا زلازل؟ فرد العالم: بسبب القباب البيضاء المنتشرة على تلال و رؤوس الجبال. وعندها سأله المذيع: ماذا تقصد بالقباب البيضاء؟ فرد العالم: المزارات، فالله أسوة بهؤلاء المؤمنين الطاهرين يحمي سوريا من الزلازل والفيضانات أيضاً... وبالطبع الكل يعلم أن أبو سامر ليس عنيداً ومتعصباً لرأيه، بل هو العناد والتعصب ذاته، لذا من المستحيل إقناعه، خاصة حين يطرح أفكاراً ومعلومات يقول أنه سمعها في الإذاعات، أو من معارفه في العاصمة، أو أنه توصل إليها بعد تفكير عميق.

 

اقرأ أيضاً:

 

مزار (علي بدراني) المشحون بالحكايات والأساطير وفيض الكرامات

 

 في إحدى السهرات روى أبو سامر قصة أعرابيّ دخل السينما، وحين شاهد رجلاً يُقبل امرأةً في الفيلم أخرج مسدسه وقال: ولك عيب عليك ما تستحي تبوسها قدامنا، وقام بإطلاق النار على الشاشة التي اشتعلت نتيجة حدوث ماس كهربائي في داخلها... حاول بعض شبان القرية إقناعه أن شاشة السينما مجرد قطعة قماش كبيرة... فسخر منهم.

 

 صحيح أن الزلزال لم يأت، لكن العدو الإسرائيلي كان لديه نية بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا، لذلك قامت الحكومة بنشر إشاعة الزلازل، ليخرج الناس من منازلهم بهدف حمايتهم فيما لو نفذ العدو تلك الضربة!! كان هذا الرأي الأكثر تداولاً بين الناس، بينما الرأي الآخر يقول أن الأمر كله مجرد مزحة قامت بها الحكومة مع الشعب لترى إن كان عملها في كافة المجالات على المواطن خلال عشرات السنين سيعطي نتيجةً مرضيةً، وبالطبع لم تذهب الجهود المبذولة للحكومة أدراج الرياح، فقد خرج ليلتها غالبية السوريين من منازلهم بدون أن يفكروا أو يحللوا خبر الزلزال.

 

في الحرب السورية  تدهور وضع الزراعة وخاصة الحمضيات، وكان أبو سامر الذي لم يستجب لإشاعة الزلزال من بين المتضررين، وقد أصابه ذلك بالإحباط والملل من عمل الزراعة، وفي إحدى السهرات أكد أحد الموجودين أنه شاهد بعض الجنود الروس في المدينة وسمعهم يقولون " خَراشو"، فطلب أبو سامر منه أن يقسم على ذلك، وحين تأكد من صدقه ضحك، وقال : " هلق صار الواحد بينزل ع شغل الأرض بنشاط "، فسعر الحمضيات هذا العام سيتحسن، لأن روسيا ستشتري الفائض من المواسم، فالكل يعلم أن روسيا تحمي وتدعم طبقة البرولو.. "البرولوتيرا " "بروليتاريا"، "والبرولوتيرا" معناها العمال والمزارعون، وخاصة من يزرعون حمضيات وروسيا جاءت لأجلهم، وحين سئُل من أخبرك أن روسيا ستشتري فائض الحمضيات؟ أجاب: الشعب الروسي يحب الحمضيات لدرجة أنه يتناولها ثلاث مرات في اليوم... فيقاطعه أبو أحمد شرطي المرور قائلاً: ما هذا الكلام يا أبو سامر؟ الروس جاؤوا لسبب أهم من الحمضيات، ألا وهو إنهاء الحرب، فمن المؤكد أنهم سيحسمونها بأقل من شهر، فروسيا تملك سلاحاً نووياً وطيارات بلا طيار، وصواريخ عابرة للقارات، والأهم من ذلك أن لديها الصواريخ الذكية، وبهدف تشويقهم، وبينما الجميع ينتظر ليخبرهم ما هي الصواريخ الذكية... يقوم بإشعال سيجارة على مهل ينفث الدخان، وبمنتهى الجدية يقول: بصراحة أنا لا أستطيع أن أخبركم عن فعالية، وآلية عمل هذه الصواريخ الذكية، لأن الأمر سري جداً.

 

في الأسابيع الأولى لقدوم الجنود الروس كل الأحاديث كانت تدور حول أن الحرب قد حُسمت، وقد ساهم ذلك إلى حد ما بالتأثير على تفكير بعض الشباب فيما يخص مستقبلهم، حيث تراجع قسم منهم عن فكرة الهجرة، والبعض الآخر بدأ يتحدث عن أحلامه المستقبلية التي كانت مؤجلةً بسبب الحرب... حتى منامات الفتيات لم تنجُ من قدوم الجنود الروس! فالبعض منهن حلمن بجنود غايةً في الوسامة يتقدمون لخطبتهن.

 

حتى هذه اللحظة الحرب لم تنتهِ في سوريا ، وأبو سامر فقد أكبر حفيد له في إحدى التفجيرات، والحمضيات لم تتحسن أسعارها، والفتيات اللواتي رأين في منامهن جنوداً يتقدمن لخطبتهن معظمهن مهددات "بالعنوسة"، وإحداهن تزوجت شاباً من قريتها وبعد عام أصبحت أرملة.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard