انعدام الحريات السياسية وسوء الأوضاع الاقتصادية في سوريا يبعد الشباب عن السياسة
يقول كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة "المجتمع الذي يقطع نفسه عن الشباب يقطع نفسه عن ما يمدّه بالحياة؛ ويكون مكتوباً عليه أن ينزف حتى الموت".
اتسم إشراك الشباب في العمليات السياسية على المستوى العالمي بأهمية كبيرة، وفي المنطقة العربية بينت الانتفاضات الشعبية التي جرت في الدول العربية والتي عرفت بانتفاضات الربيع العربي أهمية مشاركة الشباب في السياسة وصناعة القرارات في تلك البلدان ومدى خطورة تهميشهم وما يمكن أن يترتب عليه من شعور بالإحباط وما قد ينشأ عنه من نزاعات وحروب أهلية.
والواقع في سوريا لا يختلف عن ما في البلدان العربية حيث كان حراك عام 2011 مساحة للشباب ليخرجوا ويعلنوا عن أفكارهم وتوجهاتهم السياسية، وعدم قبولهم احتكار المجال العام والمجال السياسي من قبل حزب البعث، ونخبة من السياسيين تصدروا المشهد السياسي في سوريا لعقود من الزمن.
استخدام النظام السوري العنف ضد المتظاهرين الشباب إلى أن تحول ذلك الحراك السلمي إلى حرب أهلية، أدخل البلاد في دوامة العنف غير المنتهي.
وبعد مضي أكثر من 9 سنوات لا زال المشهد السياسي يكرر نفسه فالوجوه والأسماء ذاتها وقلّة قليلة من الشباب ممن استطاعوا أخذ مكان لهم، وإثبات ذاتهم والمشاركة في الحياة السياسية.
في استطلاع لآراء الناس أجرته مجلّة صُوَر في خمس محافظاتٍ سوريّةٍ، وهي دمشق، وحلب وحماة وإدلب، والحسكة، كعيّنةٍ عشوائيّةٍ تعكس جزءاً من آراء المجتمع السّوريّ حول مشاركة الشباب في الحياة السياسية، وذلك من خلال المقابلات المباشرة لفريق صُوَر، مع العيّنة المستطلعة آراءهم حيث شمل الاستطلاع 41 شخصاً شاركت فيه 8 نساء و33 شاباً، تراوحت أعمارهم بين 22 سنةً حتّى 42 سنةً. وكانت الآراء كالآتي بعد أن اّتفق جميع من استطلعت صور آراءهم على وجود ضعف في مشاركة الشباب في الحياة السياسية:
أسباب ضعف مشاركة الشباب السياسية
يرى محمد أيوب (اسم مستعار) 28 سنة، من إدلب، يعمل في مجال الإغاثة، أن العوائق التي تقف في وجه فئة الشباب، وتمنعهم من المشاركة السياسية كثيرة منها العوائق الأمنية، تتعلق بوجود جهات ذات طابع إيديولوجي تسيطر ولا تقبل أي فكر آخر أو نقد، ولن تتقبل وجود حزب سياسي مخالف، وأخرى معيشية، ترتبط بالواقع الاقتصادي للشباب حيث يشكل ضغطاً عليهم، كما أن هناك أسباب فكرية تتمثل في أن معظم الشباب المثقف ليس لديهم فكرة عن كيفية ممارسة السياسة أساساً، بالإضافة إلى عدم وجود بيئة سياسية في سوريا منذ عقود بحسب تعبيره.
بينما تعزو فاطمة وهي طالبة جامعية من حماه ( 22 سنة) ابتعاد الشباب عن السياسة إلى إهمال وجود الشباب أساساً، وتجاهل آرائهم وعدم تسليط الضوء عليهم وعلى احتياجاتهم، وذلك يفقدهم حماسهم واندفاعهم للمشاركة بالإضافة الى افتقادهم لوجود الحاضنة. ويتفق أنس( 22 سنة) من إدلب ويعمل في احدى منظمات المجتمع المدني مع ما ذهب إليه كل من محمد وفاطمة ويضيف إلى ذلك "انشغال الشباب في تأمين لقمة العيش".
من جانبها ترى لينا (33 سنة) من حلب وتعمل كمدرّسة بأن أهم عائق هو الخوف من وعي الشباب من قبل بعض الجهات التي لها مصلحة ببقاء الفوضى على وضعها الراهن. وتقول "أظن أن للشباب رغبة قوية للاطلاع على العمل السياسي وخاصة في الوقت الحالي بسبب الأوضاع الصعبة التي تمر بها المنطقة، وثورة الوعي لكل ما يحيط بنا"
احتكار الفضاء السياسي من قبل الجيل القديم
يرى البعض أن المجال السياسي تم احتكاره من قبل طبقة سياسية لا تزال تتحكم بالنشاط السياسي ما يجعل الأبواب أمام الشباب مغلقة، ويبعدهم عن المجال السياسي. هذا ما اتفق عليه كل من عمر من حماه وأحمد ( 22 سنة) من إدلب حيث يري الشابان أن هناك قوى مهيمنة على المجال والنشاط السياسيَّين ويعتقدان أن "الجيل القديم من السياسيين" بحسب تعبيرهم يعيق الشباب من المشاركة السياسية، ويؤيد ذلك عبدالله ( 28 سنة ) الذي يعمل في منظمة مجتمع مدني في إدلب يقول عبدالله "نسبة المشاركة تكاد تكون معدومة ففي أغلب التجمعات السياسية تجد أن أصغر مشارك عمره 50 سنة".
لكن الدكتورة سامية (30 سنة) وهي طبيبة نسائية، تعمل في إدلب، لها رأي مغاير، فترى أن الشباب يبتعدون عن السياسية عندما لا يحصلون على الفرص المناسبة التي تمكنهم من المساهمة في صنع القرارات السياسية، تقول سامية "يتم استبعادهم بسبب طروحاتهم الجديدة التي يقدمونها أولاً، وبسبب سيطرة أصحاب النفوذ على المناصب السياسية والحيوية".
قلة الخبرة السياسية تحول دون مشاركتهم
هناك نظرة نمطية خاطئة حول ضعف مشاركة الشباب في المجال السياسي تتمثل في اعتقاد البعض أن الشباب يفتقدون إلى الخبرة التي تؤهلهم للمشاركة في صنع القرارات، في حين يرى آخرون أن هذه النظرة خاطئة، وأيوب واحد منهم حيث يعتقد أن السوريين لم يكن لديهم حياة سياسية في البلد لذلك مسألة عدم الخبرة يمكن أن تنطبق على الجميع، ولا تتوقف عند الشباب وحدهم. يقول أيوب "إذا أخذنا النخب السياسية بشكل عام وخصوصاً من هم في الخارج من الكبار في السن ينظرون للناس من برج عاجي، وكأنهم هم الذين يعرفون كل شيء وغيرهم لا يعرف".
في حين تختلف هبا (23 سنة) من إدلب مع أيوب فيما ذهب إليه في رأيه حيث تعتقد أن استبعاد الشباب عن المشاركة السياسية مرتبط بقلة المعرفة والخبرة بالحياة السياسية، وقلة المعرفة بالتاريخ.
ويعتقد البعض أن مسالة الخبرة قد تشكل حقلاً للمنافسة بين من يمتلكها فيحاول احتكار المجال ومن يفتقدها فيبتعد من ذاته، أو يتم إبعاده، وهذا ما يعتقده عبدالله حيث يرى أن هناك أسباباً أخرى تبعد الشباب عن السياسة إلى جانب قلة العلم والثقافة تتمثل في وجود كوادر ذات خبرة دائماً تحاول أن تسيطر وخصوصاً كبار السن ويورد مثالاً على ذلك بقوله "تجد المجلس المحلي مسيطر عليه من قبل كبار السن فقط، وقس على ذلك في كل شيء" ويضيف" 50% من ابتعاد الشباب عن السياسة سببه عدم فهمهم لها بالشكل الصحيح و50% يتم إبعادهم من قبل الأكثر خبرة للمحافظة على أماكنهم وكراسيهم".
ومسالة إبعاد الشباب عن المشاركة السياسية من عدمها شكّلت حالة خلاف بين العديد من الآراء التي تم استطلاعها بين من يرى أن هناك نوع من التشجيع، والعمل على تثقيف الشباب سياسياً من قبل العديد من الجهات السياسية، وآخرون يرون أن هناك عدة أطراف "تحاول إبعادهم" كما يعتقد الصحفي حازم (25 سنة ) من إدلب.
أجمعت كل الآراء أن مشاركة الشباب في السياسة بالمجمل، والعملية السياسية والتفاوضية على وجه الخصوص باتت ضرورة يتطلبها الواقع السوري، ويجب العمل على تمكينهم، وتفعيل دورهم من قبل المؤسسات والجهات السياسية، وإشراكهم وإعطاءهم مساحة أكبر للمشاركة بالعملية السياسية بشكل فعلي وجِدّي. والاستفادة من إمكانياتهم وطموحهم وحماستهم في خلق واقع جديد يساهم في تغيير المسار السياسي في سوريا نحو إيجاد حل سياسي سلمي بدلاً من العنف والاقتتال.
يقول الناشط عمر مسعود "لو تم إشراك الشباب في العملية السياسية سيتم تطوير في العمل السياسي بحكم أن الشباب هي الفئة الأكبر في المجتمعات، وسيتم النظر في الاحتياجات الرئيسية في واقع الشعب".