ازدواجية في تعامل مؤسسات النظام الخدمية في درعا
تتعامل مؤسّسات النظام السوري بازدواجية في توزيع الخدمات بين المناطق، والمدن التي خضعت لسيطرة المعارضة، وتمكنت من السيطرة عليها مؤخراً وبين المناطق التي بقيت تحت سيطرته خلال سنوات الحرب، وإن كانت كل المناطق والمدن السورية تعاني من نقص في الخدمات.
بعد أن سيطرت قوات النظام على معظم قرى ومدن محافظة درعا في آب/ أغسطس 2018 بدأت مؤسسات النظام الخدمية بالعودة تدريجياً إليها، ولكن دون أن ترتقي الخدمات المقدمة إلى أدنى مستويات الحاجة التي يعانيها المدنيين، ففي مدينة ازرع التي بقيت تحت سيطرة النظام طيلة أيام الثورة تجد مؤسسات النظام الخدمية من "بلديات ومراكز بريد وسجل مدني ووحدات إرشادية ومصارف زراعية، ومقاسم اتصالات وغيرها تعمل بشكل جيد، وتقدم خدمات جيدة للقاطنين في المدينة. بينما يتحدث سكان المناطق المجاورة لمدينة ازرع (نامر، بصرالحرير، مليحة العطش، اللجاة) عن تقصير كبير في الخدمات المقدمة من مؤسسات النظام. تحدّث مزْيَد الصالح وهو مساعد فني يعمل في بلدية "المسيكة" في منطقة اللجاة في ريف درعا الشمالي :لـ مجلّة صُوَر موضحاً الفرق في التعامل بقوله "هناك فرقٌ كبير بمقدار الخدمات المقدمة للمناطق التي لم تخرج عن سيطرة النظام طيلة السنوات الماضية، والأخرى التي كانت تخضع لسيطرة المعارضة سابقاً".
يكشف صالح عن وجود قرار من قيادات النظام بعدم تحسين الواقع الخدمي في هذه المناطق مشيراً إلى أن ذلك يتجلّى في الصعوبات الكبيرة في التوصل لنتائج في المباحثات مع دوائر النظام لتقديم خدماتها، ويتم الاعتماد في ذلك على الضغط، والعلاقات الشخصية أحياناً مع بعض الموظفين فيها.
وحول أبرز الخدمات التي يُلاحظ الفرق في توفرها بين المناطق أشار الصالح إلى أن الخدمات في مجال النظافة على مستوى قرى منطقة اللجاة من أبرز المجالات العالقة، إذ ينتشر عمال وآليات لجمع القمامة، ومعدات رش المبيدات في أحياء مدينة ازرع، وغيرها المناطق التي بقيت تحت سيطرة النظام، في حين تفتقر الأحياء الأخرى (اللجاة– بصرالحرير – درعا البلد) لهذه المقومات، ويحل بدلاً عنها بعض المبادرات في المجتمع المحلي بجهود، وإمكانيات محدودة.
يقول أبومحمد وهو أحد سكان درعا البلد "المياه يتم ضخها بشكل دوري ومنتظم في قسم سيطرة النظام في (درعا المحطة)، في حين تضخ المياه مرة واحدة كل أسبوع وأحياناً كل 10 أيام لأحياء درعا البلد الأخرى التي تعاني بالأصل من أعطال في شبكة المياه نتيجة المعارك التي دارت فيها خلال السنوات السابقة الأمر الذي يؤدي إلى ضياع كميات كبيرة منها في الشوارع وبالتالي لا تصل إلى بعض أجزاء المنطقة".
وبالمسطرة ذاتها يمكن أن تقيس بقية الخدمات المقدمة وتلاحظ الفرق فيها يضيف أبو محمد "أيضا الكهرباء هناك فرق كبير في ساعات التقنين، وقطاع التعليم إذ ما تزال معظم مدارس المنطقة التي لا تخضع لنفوذ النظام مدمرة وغير مؤهلة لاستقبال التلاميذ مع بدء السنة الدراسية الجديدة دون أن يعطي النظام أية أهمية لهذا الواقع".
بمتابعة بعض الصفحات المحلية على مواقع التواصل الإجتماعي لمدن وقرى في محافظة درعا تجد أن في بعضها تقلّ شكوى السكان حيث تجد الشوارع نظيفة والمدارس مجهّزة والمياه تكفي الجميع، في حين تعيش مناطق أخرى في صراع الحصول على متر مكعب من المياه وتُجمع فيها المبالغ من السكان لإزالة القمامة المتراكمة لأيام وأحياناً لأسابيع، وحملات تطوعية شبابية لإصلاح شبكة الكهرباء وحملات تبرع للمغتربين من أبناء المحافظة لتأهيل بعض المدارس .
ليومين متتاليين يذهب مراد الحريري إلى مركز مدينة درعا ويقف في طابور بالانتظار وسط زحام شديد بين المواطنين حتى يتمكن إصدار إخراج قيد مدني لابنه المسافر. يصف الحريري وهو أحد سكان بلدة الشيخ سعد في ريف درعا الغربي كيف أنه في اليوم الأول ذهبت إلى السجل المدني، ومع اقتراب نهاية الدوام قام أحد الموظفين بصرفهم من الدائرة قائلا "لا يوجد انترنت، ولن نستطيع إخراج أية وثيقة اليوم عليكم العودة في اليوم التالي".
اقرأ أيضاً:
يقول الحريري "موظفو النظام لم يعودوا يخجلوا من أخذ الرشوة، والفساد أصبح أمام الجميع، وكل ذلك بحجة حالة الحرب التي تعيشها البلاد والوضع الاقتصادي المتردي للموظفين".
في بلدة بصر الحرير في ريف درعا الشرقي البلدة التي تعتبر مدمرة بنسبة 60% تحدث (عبدالرزاق الجرابعة) وهو أحد أهالي البلدة لـ مجلّة صُوَر عن انعدام شبه كامل لمؤسسات النظام حيث لا يوجد بلدية، ولا وحدة إرشادية، ولا مركز طبي يعمل في البلدة، وعند مراجعة وفود من الأهالي لمؤسسات النظام يكون الرد بأن البلدة تعتبر غير آمنة، ولا نستطيع العمل بها، وعليكم أن تقوموا بجمع التبرعات لكي تقوموا بإصلاح شبكة المياه والكهرباء.
بقيت البلدة بدون كهرباء حتى نهاية العام 2019 مما اضطر الأهالي وبمبادرة شبابية بجمع التبرعات، وأعمال تطوعية لإصلاح شبكة الكهرباء والماء، ومع ذلك لا تزال ساعات التقنين بالنسبة لشبكة الكهرباء كبيرة وفق النظام المعتمد في التقنين هو 4 ساعات قطع، وساعة ونصف وصل، وبالتالي أصبح هناك شح كبير في مياه الشرب بسبب غياب الكهرباء اللازمة لإخراج المياه من الآبار. يقول عبدالرزاق " أهالي هذه البلدة مؤمنون بأن حياتهم ستستمر قسوة مع استمرار هذا النظام، ولن نستطيع العيش كمواطنين إلا بعد زوال هذا النظام".
وفي سؤالنا لعدة شخصيات من المحافظة عن السبب وراء ازدواجية النظام في تقديم الخدمات للمناطق كان الرد شبه موحد من جميع من سألناهم: بأن النظام لا يريد لهذه المناطق أن تفكر إلا بتأمين الخبز والمياه والكهرباء، وصرفهم عن أي شيء آخر ممكن أن يوتر الأجواء في المحافظة من جديد .
تشهد البلاد في هذه الأيام حالة شح وندرة في توفر مادة البنزين حيث وصلت طوابير السيارات على بعض محطات الوقود في محافظة درعا إلى أكثر من (4 كم) ووصل سعر الليتر الواحد في السوق السواداء إلى 3ألاف ليرة سورية لتصبح أزمة البنزين من أكبر الأزمات التي يعيشها المدنيون في عموم سوريا في هذه الأيام.
توقفت المنظمات الإنسانية عن العمل، وتقديم المساعدات مع سيطرة قوات النظام على محافظة درعا في منتصف العام 2018 ما زاد من مأساة المدنيين في المحافظة.