info@suwar-magazine.org

الخبزُ طعام الفقراء وبدونه لن يشعروا بالشبع

الخبزُ طعام الفقراء وبدونه لن يشعروا بالشبع
Whatsapp
Facebook Share

 

 

قبل الحرب في سوريا، كانت أقسى الأشهر على السوريين من الطبقة الفقيرة والمتوسطة هما شهرا أيلول وتشرين الأول، ومع غياب الطبقة المتوسطة بسبب الحرب وما رافقها من تردّي الأوضاع الاقتصادية، أصبح هذان الشهران مصدر قلقٍ وكآبة للسوريين، ففي مفتتح أيلول موعد افتتاح الجامعات والمدارس، والذي يعني ثيابًا ودفاترَ وأقلامًا وحقائبَ ومصروفًا شخصيًا، وأجورَ مواصلات بشكلٍ يومي وغير ذلك... وفي حال استطاع الأهل تأمين كلّ هذه المستلزمات أو بعضًا منها، يكون موعد تخزين المؤن الشتوية كالزيت والزيتون والمكدوس والثوم والبصل وغيرها قد حلّ، ولا مجال لأخذ قسطٍ من الراحة والاستعداد لجولة ثانية من الأعباء المالية الثقيلة التي تفوق طاقتهم، لذا نرى أنّ معظمهم لم يعودوا يفكّرون بتخزين المؤن، بل يلجؤون لشراء ما يحتاجونه بشكل يوميّ أو أسبوعيٍّ، وبالطبع بأسعار لا تتناسب البتة مع مداخيلهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ شراء السِلع من الدكاكين - التي تبيع بسعر المفرّق - تكون بأسعار مرتفعة؛ فمثلًا سعر الليتر الواحد من زيت الزيتون في الدكّان يكون أعلى بكثير من سعره، فيما لو تمّ شراؤه من بائع الجملة، وهذا ينطبق على باقي الحاجيات...

 

في كلّ مرة تقوم الحكومة فيها برفع الأسعار، تصلني رسالة على هاتفي الجوّال من صديقي الذي يستيقظ بشكل يومي في السادسة صباحًا يفتح الإنترنت ويبدأ بسرد آخر الأخبار، وهو في طريقه إلى العمل، يُرسل إليّ رسالة يعبر فيها عن امتعاضه تجاه خبر ما... آخر رسالة وصلتني منه، كانت بسبب رفع سعر الليتر الواحد من البنزين المدعوم إلى 450 ليرة سورية، وغير المدعوم إلى 650 ليرة سورية خلال شهر تشرين الأول من هذا العام|، وقد جاء في نصّ رسالته: (الحكومة ليش ما بتشبهني أنا وشريكي؟) حين التقيته أخبرته أنّي لم أفهم المغزى من رسالته، فأجابني: (منذ متى أنا وأنت شركاء؟) وهو يقصد شركاء في المقهى الذي نملكه، فأجبته: (منذ حوالي عشر سنوات! فقال لي: (منذ عشر سنوات، وفي كلّ مرة نُريد فيها رفع الأسعار لتتماشى مع الوضع الاقتصادي، نخوض نقاشًا لعدة أيام ونختلف مثلًا على رفع تسعيرة كأس النسكافيه كأن تكون مئة ليرة سورية أم خمسين! وبعد نقاش وتحليل وحسابات مفصّلة يقتنع أحدنا برأي الآخر، وفي حال لم أستطع إقناعك ولم تستطع إقناعي، يُحسم الأمر بأن يبقى السعر كما هو دون أيّ تغيير حتى إشعار آخر).

 

نحن نفعل ذلك لأنّنا نعلم جيدًا بأنّ من يرتاد المقهى في غالبيتهم من طلاب الجامعة؛ يأخذون مصروفهم من أهاليهم، والبقيّة هم مثلنا من ذوي "الدخل المحدود". لكن هل تأخذ الحكومة وقتًا كافيًا في النقاش والتحليل والتمحيص قبل أن تتخذ قرارًا برفع تسعيرة سلعة ما؟!  ألا يوجد في الحكومة مسؤول فقير ليقول: (كتير هيك الزيادة خلينا نخفضها شوي!) حسنًا ربما لا يوجد بينهم مسؤول فقير، لأنّ كلمة مسؤول من غير المناسب أن تأتي بعدها كلمة فقير! سأُعيد صياغة سؤالي: ألا يوجد مسؤول كان فقيرًا فيما مضى أو سمع بقصة شخص فقير ما، أو شاهد على اليوتيوب والفيسبوك ما يتم نشره عن الفقراء، وبناء عليه يخرج عليهم ويقول: (كتير الزيادة هيك خلينا نخفضها شوي!)

 

اقرأ أيضاً:

 

أزمة مستعصية.. خبز السّوريين فسادٌ وتجويعٌ على البطاقة الذّكيّة

 

فقلت له: (من المؤكد أنّ هناك أكثر من مسؤول من النوع الثاني الذي ذكرته، وهم يعرفون جيّدًا أنّ هناك الكثير من الفقراء، وحين تُعلن الحكومة زيادة ما لا يشعرون بأنّ هذه الزيادة مؤثرة أو ذات قيمة، أو أنّها فعلًا قد تُنهك المواطن اقتصاديًا؛ لأنّهم يقيسون الأمر بوضعهم المالي، فما الذي يعنيه أن ترتفع تسعيرة عدّة سلع مبلغ مئتي ليرة بالنسبة إلى مسؤول؟ فلو اشترى خمسة سلع في اليوم الواحد ستكون الزيادة ألف ليرة سورية؛ أي ثلاثين ألفًا في الشهر الواحد! تبدو هذه الزيادة عادية جدًا بالنسبة إليه! بينما تكون هذه الزيادة بالنسبة لفرد لا يتجاوز دخله الشهري الخمسين ألف ليرة سورية كارثيّة؛ فمثل هذه الزيادة ستجعله ينفق أكثر من نصف راتبه، وحتى وإن كان دخله مئة ألف ليرة في الشهر الواحد فإن مثل هذه الزيادة سترهِقه بالطبع.

 

حين كنتُ صغيرًا كان والداي يقولان لي، أنه في حال سقطت سندويشة الزعتر على الأرض  فيجب ألا أرميها؛ لأنّ الخبز من أعظم نِعم الله على الإنسان، لذا يجب أن ألتقطها أقبّلها وأضعها على جبيني ثلاث مرات ثم أتناولها دون التخوّف من الأذى؛ لأنّي بشكري لنعمة الله تموت كلّ الجراثيم، وتصبح السندويشة طاهرة من كلّ دنس! وأنه عليَّ أن أقوم بالبسملة قبل الطعام كي أشعر بالشبع، وإذا رأيت بقايا خبز مرمية في الشارع يجب ألا أدوس عليها، بل وعليّ أن أزيحها عن قارعة الطريق كي لا تدوسها أرجل المارة. تمّت تربيتي على أنّ الخبز مقدّس وكأنّه النعمة الوحيدة التي أرسلها الله لنا! لقد تم منحه هذه القداسة لأنّه طعام الفقراء.

 

الأغنياء يمكنهم شراء كلّ أنواع الطعام وبكميات كبيرة تكفيهم ليشعروا بالشبع دون الحاجة إلى الخبز، بينما على الفقراء أن يملؤوا بطونهم بالكثير من الخبز والقليل من الطعام. في طفولتي وبسبب الفقر كان والدي يقول لي ولأخوتي الستة: إنّ كثرة الطعام أيًّا كان نوعه في لقمة الخبز شيء غير جيد، ومذاقه ليس لذيذًا ويضرّ بالصحة، فالخبز هو الأهمّ! فـ(الخبز الحاف بيعرّض الكتاف)، وبالطبع لم يحظَ الماء خلال تربيتي بتلك القداسة لأنّه كان متوفرًا وكان بالمجّان، مع أنّه وبحسب مفهوم النعمة الإلهية أكثر قداسة من الخبز لأنّ من المستحيل العيش دونه.

 

حين صدر قرارٌ برفع سعر ربطة الخبز في سوريا الشهر الفائت، لم يُرسل صديقي إليّ رسالة كعادته؛ بل اتصل بي وقال: (إنّ الفقراء حين لا يتوفّر لديهم الطعام ينقعون الخبز ويأكلونه حتى لو كان يابسًا.. لقد رفعوا سعر ربطة الخبز بنسبة مئة في المئة! الخبز طعام الفقراء وبدونه لن يشعروا بالشبع، وإذا تمّ رفع سعره مرة ثانية، يا هل ترى بماذا يمكن أن نستبدله لنشعر بالشبع؟!

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard