عين عيسى وخيارات قسد الصّعبة
تتعرض مدينة عين عيسى الاستراتيجيّة لهجمات متتالية منذ أيام من قبل "الجّيش الوطنيّ" التابع لتركيا للسّيطرة عليها. يأتي هذا الهجوم نتيجة اتفاق روسي تركي يهدف إلى إضعاف سيطرة "قسد" على شمال شرقي سوريا، مستغلّة الفراغ السّياسي الذي تعيشه الولايات المتّحدة بسبب الانتقال غير المكتمل للسّلطة حتى الآن.
تتمتّع المدينة بأهميّة كبيرة بسبب موقعها الجغرافي الذي يربط عدّة محافظات ومدن ببعضها، ويشكّل عقدة فاصلة بين الأطراف الإقليميّة والدوليّة (الولايات المتحدة والاتحاد الرّوسي وإيران وتركيا)، والسّيطرة عليها تعني التّحكم في الطّريق الدّوليّ M4.
هذه التكتيكات استخدمتها مجموعة أستانة ببراعة في مناطق شمال غربي سوريا، واستطاعت تحقيق تقدم كبير، واليوم يحاول الرّوس استخدامها في مناطق شرقي الفرات عبر الضّغط التّركيّ على قسد من أجل الحصول على تنازلات أكثر في هذه الفترة الحرجة والحسّاسة لكلّ الأطراف، والتي يأمل الرّوس من خلالها أن تتخلى قسد عن عين عيسى لصالح النّظام، وفي حال رفضت قسد ذلك فيمكنها التّخلي عن تلك المدينة، وريفها لتركيّا، وإطلاق يد الفصائل المُتشدّدة فيها؛ فاستعادتها من تركيّا وحلفاءها أسهل بكثير من استعادتها من أمريكا وقسد، كما أنّ وجود جماعات متّهمة بارتكاب انتهاكات حقوق إنسان جسيمة ضمن تلك الفصائل التي تقودها تركيا، يعطي لها مُبرراً قويّاً فيما بعد أمام المجتمع الدّوليّ لشن هجوم واستعادتها مُستقبلاً.
اقرأ أيضاً:
تقرير لجنة التحقيق الدولية يكشف الانتهاكات المروّعة بحق المدنيّين في سوريا
أمامَ هذه السيناريوهات تبدو خيارات "قسد" محدودة للغاية، وخاصّة في ظلّ صمت الإدارة الأمريكيّة الحاليّة، عمّا يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان، وزعزعة الاستقرار في شمال شرقي سوريا، لذلك يعتقد كثيرون أنّ " قوات سوريا الديمقراطيّة" لديها ثلاثة خيارات صعبة للحفاظ على مصالحها.
الأول: أنْ تغرق المفاوضات في التفاصيل، وأن تستبسل في المقاومة إلى حين اكتمال انتقال السّلطة في الولايات المتّحدة على أمل أن تحمِل إدارة بايدن رؤية جديدة في التعامل مع الملف السوري، وهذا السيناريو سيكون له تكلفة بشريّة وماديّة كبيرة.
الثاني: أنْ يستغلّ المجلس الوطنيّ الكرديّ وجوده في الائتلاف، ويدفع المعارضة للضّغط على تركيّا لوقف العمليّات العسكريّة على أساس أنّ أيَّ إضعافٍ لقسد هو بمثابة نجاح سياسي للنّظام السوريّ والروسيّ خصوم المعارضة الأساسيّين، كما أنّه يشكّل تهديداً لإنهاء التّجربة الوحيدة الّتي من الممكن أن تشكلّ بديلاً للنّظام السوري على جميع الأصعدة رغم عدم مثاليّة التّجربة ووجود الكثير من الملاحظات عليها.
الثالث: هو أنْ تقول قسد تبّاً للتحالف الدّولي ... والدّخول في مفاوضاتٍ مفتوحةٍ مع الرّوس وتقديم تنازلات لهم للوصول إلى اتفاق شامل لشمال شرقي سوريا على غرار اتفاق درعا الذي يمكن من خلاله الحفاظ على تجربة الحُكم المحليّ، ولو جزئياً، وسيكون أفضل من الوقوف مكتوفة الأيدي، وروسيا وتركيا وإيران يأكلون جسد الإدارة الذّاتيّة، قطعة، قطعة.
هل هناك سيناريوهات أخرى؟ نعم طبعاً، لكن هذه السيناريوهات تبقى الأكثر شيوعاّ وواقعيّة.