البطالة.. أزمةٌ متجدّدةٌ تعصفُ بالشباب في الشمال السوري
بعد محاولات بحث عديدة تمكّن الشاب عمر الشيب من الحصول على عمل في أحد مطاعم مدينة إدلب بساعات عمل طويلة وأجر زهيد.
عمر مضطر للعمل، وبأي أجر كان، فالغلاء فاحش، والأوضاع المعيشية سيئة، وفُرص العمل شبه معدومة، وهو مسؤول عن إعالة عائلته، ولو بتأمين الخبز اليومي فقط.
يعاني الشباب في شمال غربي سوريا من تردي الأوضاع الاقتصادية في ظل انعدام فرص العمل، ما يدفعهم للذهاب نحو العسكرة، والانضمام لصفوف الفصائل العسكرية، أو الهجرة، أو الاتكالية والاعتماد على المساعدات الإغاثية. وقد وصل الأمر بفئة من الشباب إلى قبول العمل كمرتزقة إلى جانب القوات التركية، والذهاب للقتال في كل من ليبيا وأذربيجان.
يوضح الشاب رائد العلي ما ينتابه نتيجة عدم قدرته على إيجاد عمل، وهو البالغ من العمر (30 سنة) حين فكّر بالسفر إلى أذربيحان ليحارب إلى جانب القوات التركية ضد أرمينيا مقابل مبلغ 2500 دولار أمريكي شهرياً، يقول رائد: "عمري ثلاثون عاماً، وأنا عاطل عن العمل لا أستطيع الزواج، ولا أستطيع حتى مجرد تأمين احتياجاتي الشخصية"، حاول العلي البحث عن عمل دون جدوى، ما دفعه للتفكير بالعمل كمرتزق في نهاية المطاف في سبيل تأمين بعضٍ من المال.
في النهاية تمكّن العلي من إيجاد عمل في محل لبيع أجهزة الهواتف الذكية يمكّنه في نهاية الشهر من تأمين أجرة المنزل، وبعض مصاريف العائلة، لكنه يحز في نفسه أنه لم يتسنَّ له العمل في مجال دراسته التي جهد في تحصيلها لسنوات أخدت من وقته وجهده.
الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها سوريا بعد تسع سنوات من حرب أنهكت اقتصاد البلاد، حوّلت قسم من الشباب إلى عاطلين عن العمل بعد انشقاق عدد كبير من الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة المعارضة المسلحة، ومع ندرة فرص العمل ازدهرت ظاهرة السمسرة، والمحسوبيات والوساطة من أجل التوظيف خاصة في قطاع عمل المنظمات.
أكثر فئة تعرَّضت للتهميش في ظل هذا الواقع الاقتصادي هم أصحاب الشهادات والخبرات الذين لم يجدوا فرصاً مناسبة، فاتجهوا للعمل في مجالات بعيدة عن دراستهم وشهاداتهم العلمية.
ساهر الريان، خريج هندسة مدنية، لم يستطع الحصول على عمل مناسب منذ تخرجه من الجامعة عام ٢٠١١ رغم محاولاته التقدم للكثير من الوظائف إلا أنه لم يحظَ بواحدة منها.
ينتقد ساهر وبشدة سياسة المحسوبيات لدى منظمات المجتمع المدني التي لا تهتم بالشهادات أو الخبرات، ويعتقد أن الواسطات وحدها الكفيلة بتأمين الوظيفة، وهي في الغالب تذهب لأقرباء ومعارف الإداريين في تلك المنظمات حتى لو كانوا أُمِّيين. يقول ساهر "لقد أرسلت سيرتي الذاتية لأكثر من عشر منظمات، وخضعت للفحوص التحريرية، والمقابلة، وبعد شهور من عدم الرد، فوجئت بأشخاص تم توظيفهم، ولم يحضروا فحص المقابلة حتى". ويضيف أنه علم من مصادر داخل المنظمة أن أسماء المقبولين كانت موضوعة من قبل أن يتم الإعلان عن المسابقة.
تشهد إدلب كثافة سكانية عالية لا سيما بعد النزوح الواسع من ريف حماه الشمالي، وريف إدلب الجنوبي، بعد سيطرة قوات النظام على تلك المناطق، ومعظم سكان ريف إدلب الجنوبي ممن نزحوا شمالاً هم مزارعون يعتمدون في مصدر رزقهم على مواسمهم الزراعية، ومع النزوح باتت فرص العمل معدومة أمامهم بعد أن خسروا جميع أرزاقهم وأراضيهم بسيطرة قوات النظام عليها.
خسارة الشريحة الكبيرة من النازحين لأموالهم وبيوتهم وممتلكاتهم وأرزاقهم في مدنهم وقراهم جعلهم بحاجة لعمل جديد يوفر لهم مدخولاً مادياً يكفي لتغطية مصاريفهم، وهو ما دفع بالأغلبية منهم للعمل كـ (عمال أجرة) في مساحة صغيرة تعج بالسّكّان.
لا وجود لمنظمات تقيم مشاريع ضخمة لتشغيل الشباب العاطل عن العمل، إلى جانب الفساد الإداري في المؤسسات المدنية التابعة لحكومة الإنقاذ التابعة لهئية تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، هي بعض الأسباب التي جعلت الكثير من الشباب دون عمل.
لا توجد إحصائيات رسمية لنسبة البطالة بين الشباب في الشمال السوري (في مناطق ريف إدلب الشمالي والغربي)، وباتت الظاهرة تشكّل العبء الأكبر على كاهل المدنيين بالإضافة إلى أن الوضع المعيشي الصعب، والفقر الشديد الذي يعيشه معظم سكان الشمال السوري ساهم بدوره في زيادة البطالة.
وبحسب تقرير منظمة التنمية المحلية هنالك مشاكل على صعيد توفير فرص العمل تتلخّص بوجود انخفاض في فرص العمل الموجهة للشباب ضمن مناطق سيطرة المعارضة المسلحة، وعدم قدرة تلك الفرص على استيعاب سوى نسبة محددة من الشباب بين ٢٠_٤٠ بالمئة.
المرشد الاجتماعي حسن البكور يقول أن فئة الشباب تعرّضت لظلم كبير خلال سنوات الثورة السورية من كافة القوى، وتم إهمالهم بشكل تام، لم يكن هناك حس بالمسؤولية تجاههم، وخصوصاً فيما يخص التعليم، وتأمين فرص العمل حيث أن الطفل الذي كان عمره بداية الثورة عشر سنوات، عمره الآن ١٩ عاماً، والنسبة الأكبر من هذه الفئة تُعد إما أمية أو شبه أمية بسبب المعارك والتهجير، وتدمير التعليم بكافة أشكاله، وخصوصاً المدارس التي سعى النظام إلى تدميرها، مشيراً إلا أن عدم الاهتمام بالتعليم ساهم بانخراط الشباب في حمل السلاح، والمشاركة في المعارك للحصول على رواتب شهرية بعد يأسهم من الحصول على فرصة عمل مدنية.
ومع استمرار أزمة البطالة بالتفاقم عاماً بعد عام يعيش الشباب السوري على أمل إعادة الاستقرار إلى بلدهم، وإيجاد أجواء آمنة للاستثمار، وإعادة بناء مؤسّسات الدولة، وتوفير وظائف لأصحاب الشهادات بعيداً عن المحسوبيات، ومنح الأولوية لذوي الكفاءات والخبرات.