المُرتزقة.. جنودٌ تحت الطلب
تداولت وسائل الإعلام العربيّة والدوليّة خلال الأشهر الماضية أخبار السوريّين الذين ترسلهم تركيا للقتال تحت قيادة القوّات التركيّة إلى الجبهات الساخنة في كل من ليبيا وأذربيجان، وقد تناولت عشرات التقارير الإعلاميّة وجود المرتزقة السورييّن، وأعدادهم في جبهات القتال في أكثر من دولة، تمّ تجنيدهم من قبل تركيا وروسيا اللّتين تتقاسمان دعم أطراف الصراع في عدة دول.
المرتزق هو أي شخص يجرىي تجنيده خصيصاً -محلياً أو في الخارج- ليقاتل في نزاع مسلح أو يشارك فعلاً ومباشرة في الأعمال العدائية، ويحفِّزه أساساً للاشتراك في الأعمال العدائية الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويتم وعده من قبل طرف في النزاع أو نيابة عنه بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم؛ وليس من رعايا طرف في النزاع ولا متوطناً بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع؛ ليس فرداً في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع؛ وليس موفداً في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفاً في النزاع بوصفه فرداً في قواتها المسلحة. هكذا ورد تعريف المرتزقة في الملحق الأول الإضافي في اتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949، والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة.
في تقرير جديد نشره "سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة" بعنوان "سياسات حكومية تسهم في تنامي ظاهرة استخدام السوريين للقتال كمرتزقة" تمّ إجراء تحقيق مفصّل حول عملية خروج مقاتلين سوريّين ينتمون للمعارضة السوريّة، إلى أذربيجان للقتال هناك مع القوات الأذربيجانيّة، حيث يذكر التقرير بأنّ أكثر من 2000 مقاتل سوريّ تمَّ إرسالهم من قبل تركيا للمشاركة في العمليّات القتاليّة الدائرة في أذربيجان خلال أيلول الفائت.
والتقرير المنشور يحتوي معلومات مدعومة بشهادات وصور وفيديوهات، تُؤكّد نقل المئات من المقاتلين الحالييّن والسابقين وعشرات المدنييّن من سوريا -عبر الأراضي التركيّة- للقتال كمرتزقة إلى جانب الحكومة الأذربيجانيّة في صراعها العسكريّ مع أرمينيا، في إقليم ناغورنو/قره باغ/ كراباخ /أرتساغ المتنازع عليه.
وبحسب التقرير استطاعت سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة، توثيق عمليّات تجنيد عشرات المدنييّن، لم يسبق لهم الانخراط في العمليات العسكريّة داخل سوريا بتاتاً، اضطروا لقبول "العرض التركي" بسبب الأوضاع الاقتصاديّة المزرية في سوريا والحاجة الماديّة. وقد تمّت عمليّات التجنيد بشكل أساسيّ في المناطق الخاضعة للسيطرة التركيّة/المعارضة السوريّة، منها منطقة عفرين (مناطق غصن الزيتون) بشكل أساسي.
وفي تقرير آخر منفصل تحت عنوان " كيف خدعت القوات الروسية عشرات السوريين واستخدمتهم كمرتزقة؟" قالت منظّمة سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة أنّ روسيا وبتواطؤ مع الحكومة السوريّة جنّدت مئات الشبّان للقتال في أرمينيا بدافع المال، وقد تمّ توثيق ذهاب مقاتلين سورييّن من أصول أرمنيّة للقتال بدوافع أخرى.
وقال مصدر طبيّ ضمن التقرير "خلال الأشهر الثلاثة الماضية وصلتنا 35 جثّة، والكثير من الجرحى قادمين من قاعدة حميميم العسكريّة، كانوا قد قاتلوا في ليبيا وأذربيجان/أرمينيا، هناك العديد من الجثث لم يقم ذووهم بتسلّمهم حتى الآن."
في هذه المادّة الإعلاميّة تقابل مجلّة صور بعض هؤلاء السوريّين الذين ذهبوا للقتال كـ (مرتزقة إلى جانب القوّات التركيّة أو أحد أقربائهم، يُظهِر من قابلتهم مجلّة صور أنّ الهدف الرئيسيّ هو الحصول على المال بالإضافة إلى أسباب أخرى، مع وجود رفض شعبيّ واسع واستنكار إلصاق صفة المُرتزقة بالسورييّن.
رافع 50 سنة من قرية النُقّير في ريف إدلب الجنوبيّ، والتي سيطر عليها النظام السوريّ الآن، قرّر أن يذهب للقتال في ليبيا من أجل تأمين المال بعد أن تراكمت عليه الديون وعجز عن إيفائها، سجّل اسمه لدى أحد السماسرة في ظلّ الوعود المغرية التي تقدّمها الحكومة التركيّة للمقاتلين السورييّن، وبحسب رافع يبلغ الراتب حوالي 2000 دولار شهريّاً، يستلم المقاتل منها 300 دولار، وبقيّة المبلغ يُحوّل لأهله، بالإضافة إلى التعويض الماليّ في حال الوفاة، والذي يبلغ 20 ألف دولار، مع حصوله على منزل وعلى الجنسيّة التركيّة.
رافع واحد من بين المئات من الرجال والشباب السوريّين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلّحة، الذين اختاروا العمل كـ (مُرتزقة) في جبهات القتال في كلّ من ليبيا وأذربيجان، في ظلّ الوضع الراهن الذي تعيشه مناطق المعارضة، حيث المعارك المستمرة بين قوّات النظام وفصائل المعارضة، والتقدم المستمر للنظام، وسيطرته على المزيد من القرى والبلدات، وسط رفض شعبيّ واضح لهذه الظاهرة.
تبدأ العمليّة بتسجيل أسماء الشبّان الراغبين بالذهاب إلى القتال في الخارج لدى الأشخاص المسؤولين عن التسجيل ممّن باتوا يُعرفون باسم "السماسرة"، وهم مرتبطون بشكل أساسيّ بالفصائل المسلّحة المعارِضة والمخابرات التركيّة.
تَجنّد عبدالسلّام خطيب من كفرنبل ( 26 سنة) ضمن صفوف إحدى فصائل درع الفرات، وبعد أقلّ من شهر على ذهابه للقتال في ليبيا جاء خبر وفاته، قبل أن تصل جنازته مع اثنين آخرين من سوريا، تقول والدة عبدالسلام " كان عبدالسلام يعمل مع درع الفرات في فصيل تابع للقوّات التركيّة، وفيما بعد التحق بصفوف المقاتلين في ليبيا"، وتعترف بأنّها خافت عليه بداية الأمر، لكنّها لم تُصرّ على منعه من الذهاب بسبب ضعف حالتهم الماديّة كما تقول، بينما يبدو والده عماد ممتن من التعويض الذي سوف يحصل عليه، فهو سيتمكّن من السكن في تركيا والحصول على الجنسيّة التركيّة، وسوف يترك سكنه في مخيّم باريشا. فيما تروي حوريّة، وهي عمّة عبدالسلّام لـ مجّلة صور عن ظروف عبدالسلّام الاجتماعيّة، وأنّ والديه كانا يعاملانه بقسوة كبيرة لدرجة أنّهما كانا يطردانه خارج المنزل، حين لا يتمكنّ من الحصول على عمل أو حين يجلس بدون عمل.
زياد (40 سنة) من قرية كللي شمال إدلب وهو قياديّ في أحد الفيالق العسكريّة التي سيطرت على بعض المدن شرقي الفرات تحت قيادة القوّات التركيّة، يؤكّد أنّ ذهاب المقاتلين السوريّين هو بإرادتهم، وباختيارهم بعد أن يعرض الأمر على مجموعتهم، يقبل العرض عدد من المقاتلين والبقيّة يرفضون الذهاب.
أسباب أخرى غير الوضع الاقتصاديّ وتحسين الحالة الماديّة تدفع هؤلاء الشباب نحو التحول إلى مرتزقة، وهي تتعلّق بظروف كلّ شخص، منها قسوة الأهل وغيابهم أحياناً، فها هو عمر يحدّثنا عن صديقه عبدالرحيم الذي قُتِل أثناء القتال في ليبيا، فيقول: " كان صديقي عبدالرحمن يتيم الأب، وأمّه متزوجة بعد وفاة والده، ولا يملك من ينصحه حين اختار الذهاب إلى ليبيا للهروب من واقعه المؤلم هنا".
لقد وجد الكثير من المقاتلين في الذهاب إلى ليبيا فرصة للهرب من واجباتهم، خاصّة لمن لديهم انحرافات وعقد نفسيّة، ويجدون صعوبة في الاندماج مع المجتمع.
رائدة 32 سنة، مُطلّقة تتحدّث عن طليقها ياسر الذي هرب للقتال في ليبيا من مسؤوليّاته تجاه زوجته وطليقته الثانية، عندما طالبته بدفع مؤخرها ويبلغ 50 غ من الذهب، تقول رائده "تزوّج طليقي بعد أن أخذت أولادي منه، ولكنّه كان يعاني من اضطرابات نفسيّة، لذلك لم يستمر زواجه الثاني كثيراً".
يتحدّث الشاب عمر من قرية حاس غربي مدينة معرّة النعمان بريف إدلب الجنوبيّ، عن صديقه محمّد من مدينة الدانا شمالي إدلب على الحدود التركيّة، و"حظّه الكبير" حسب وصفه وذلك لأنّه عاد من القتال في ليبيا سالماً، مع الراتب الذي حصل عليه وهو 1700 دولار شهرياً خلال الفترة التي قاتل فيها في ليبيا وهي ثلاثة أشهر، ويقول "خرج محمد إلى ليبيا من أجل أهله، فوالده لا يستطيع العمل ولديه 8 أخوة صغار بحاجة لمصروف".
يُبدي الحاج أبو محمود 65 سنة من دير سنبل في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الشمالي، رفضه الشديد للذهاب للقتال في ليبيا يقول "لا مصلحة لنا في القتال في ليبيا بينما نظام الأسد، وأعوانه ماضون في احتلال أرضنا وتشريد شعبها" كما يعتبر أن ذلك يُمثّل خسارة كبيرة واستنزاف إضافي للشباب السوريّ، لأن أغلب الذاهبين إلى تلك الجبهات من المقاتلين يلقون مصرعهم.
موقف الحاجّ أبو محمود لا يتناقض مع الموقف الشرعيّ الإسلاميّ من هذه الظاهرة، والذي عبّر عنه الشيخ أيمن من مدينة كفرنبل، حيث اعتبر في حديث له "أنّ كلّ من يذهب من الشباب السوريّ للقتال هناك آثم عند الله، لأنّ بلاده أولى بالدفاع ضدّ الأعداء كونها تتعرّض للغزو أيضاً".