الشتاء في مخيمات الشمال السوري
"كلّ شتاء نغرق بمياه الأمطار، تصبح الطرقات ضمن المخيم بحيرات صغيرة لا يمكن أن يمر أحد بها، وإذا ما هطل الثلج، وقعت الأسقف علينا ونحن نيام"، هكذا يصف خالد العيسى وضع المخيم الذي يقيم فيه.
خالد (21 سنة) من ريف حماه الشمالي، يقيم في مخيم الكرامة، في منطقة أطمة منذ عام 2013، وصل للمخيم طفلاً، وعاش في ظروف معيشيّة سيئة، وكبر في المخيم مراقباً كلّ مأساة تمر على المخيمات في كل شتاء، يقول خالد "تأقلمنا مع برد الشتاء في المخيمات، التدفئة غير متوفرة دائماً، وليس من السهل تدفئة خيمة ليس بينها وبين البرد سوى قطعة من القماش، في الكثير من الأحيان، لا نستطيع الخروج من خيمنا والأمطار تهطل، فالطرقات لا تصلح لسير الآليات، ولا البشر، كل سنة تقوم المنظمات بإصلاح الطرقات، إلا أنّها لا تؤدي الغرض، فالطرقات غير مُعبّدة، ولا تحتمل أمطار الشتاء"
يعيش النازحون في المخيمات الحدودية مع تركيا في ريف إدلب معاناة مستمرة، في كل شتاء حيث تفتقر المخيمات لأدنى مقومات الحياة، خيم من قماش لا تقي حرّ الصيف ولا برد الشتاء، تسكنها عائلات منذ تسع سنوات هربت من القصف والدمار، يعيشون الظروف الصعبة، ويتحملون المعيشة في الخيم، يحلمون بالعودة إلى بيوتهم كلّ سنة، لكن ظروفهم تصبح أسوأ في كل سنة.
مع تقدم قوات النظام السوري العام الفائت في ريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي، وسيطرته على مناطق واسعة من الريفين، هذه العمليات العسكرية هجّرت ما يزيد عن مليون نسمة من القرى والبلدات التي اجتاحها النظام، ما أدى لازدياد عدد النازحين في المخيمات، وازدياد المخيمات العشوائية في مناطق لا تصلح للسكن، في الجبال والوديان غير المأهولة، والمليئة بالحيوانات المفترسة، في ظروف بيئية سيئة.
ذكر تقرير لفريق "منسقو الاستجابة" في 17 كانون الأول/ ديسمبر الفائت، أنّ هطول الأمطار لمدة 48 ساعة خلال الأسابيع الفائتة، تسبب بأضرار ماديّة لحقت بـ 91 مخيماً منتشراً شمال غربي سوريا، حيث بلغ عدد الخيام المتضررة بشكل كلّي 174 خيمة، فيما تضرّرت 318 خيمة بشكل جزئي، وتركزت غالبية الأضرار بمنطقة معرة مصرين، ومركز إدلب، ومخيمات أطمة، وأجزاء من مخيمات ريف حلب الغربي.
وقدّر الفريق أنّ نسبة الاحتياجات ضمن المخيمات المتضررة من العوازل المطريّة والأرضيّة بـ 100%، ومواد التدفئة من وقود ومدافئ بـ 94%، ومن المواد غير الغذائية بـ 94%، دون استجابة فعليّة من قبل المنظمات.
رهف سعود (44 سنة) أرملة من ريف معرة النعمان، نزحت بداية العام الماضي بسبب القصف الشديد الذي تعرضت له قريتها جرجناز، خرجت مع عائلتها المكونة من أربعة أفراد، ثلاثة أطفال وأمها، ولم تستطع أن تخرج من القرية إلا ببعض الحاجيات لها ولأطفالها، فاضطرها الأمر إلى الذهاب مع أبناء قريتها إلى مخيم أُنشئ حديثاً بالقرب من قرية كللي في ريف إدلب الشمالي، حيث استلمت خيمة في أرض جرداء لها ولعائلتها، تحدثت رهف عن وضعها لمجلّة صُوَر، قائلاً: "لا يمكنني وصف الوضع الحالي بالكلمات، الأسبوع الماضي، وبسبب الأمطار الشديدة، غرقت خيمتنا، واضطررنا للمبيت في العراء، لم نكن وحدنا، فعشرات العوائل غرقت خيمها، ولم تستطع فعل شيء".
سألنا رهف عن الاستجابة المقدمة من المنظمات والسلطات المسؤولة في إدلب، أخبرتنا بأنّ استجابة المنظمات ضعيفة جداً، ولا تقدم إلا القليل من المساعدات الإنسانية، أما بالنسبة للسلطات فلم تر رهف أي أحد من "حكومة الإنقاذ" المسيطرة في إدلب، ولم تقدم للمخيّم التي تقيم به أي مساعدة.
لا يختلف الوضع في ريف حلب عنه في إدلب، أسامة زيدان، 35 سنة، من ريف حلب الغربي، نزح بسبب الحملة الأخيرة للنظام السوري، ويقيم في مخيم عشوائي على أطراف مدينة إعزاز في ريف حلب الشمالي، أخبر أسامة مجلّة صُوَر: "قمت أنا وأقربائي ببناء عدة خيم في أرض زراعية على طرف مدينة إعزاز، الأرض ترابية وعندما تهطل الأمطار، لا يمكن لأحد أن يخرج من الخيمة، وتتسرب مياه الأمطار عبر شقوق الخيمة إلى داخلها، تقوم كل عائلة بمحاولة سد الشقوق، إلا أنه عند الهطول الشديد والمستمر للأمطار، تغرق خيمنا، وتصبح في وضع سيء".
في إحصائيّة صادرة عن فريق "منسقو الاستجابة" في 29 كانون الأول/ ديسمبر الفائت، ذكرت أنّ عدد المخيّمات الكلّي في مناطق شمال غربي سوريا بلغ 1304 مخيّمات منها 393 مخيماً عشوائياً، فيما بلغ عدد النازحين أكثر من مليون و48 ألف نازح، يعانون من بيئة غير صحية، ومخاطر التلوث وخاصة في المخيمات العشوائية، وانتشار حفر الصرف الصحي المكشوفة، إضافة إلى معاناتهم من انعدام أبسط الخدمات اليوميّة، والنقص المستمر في الغذاء والماء، والحرمان من مصادر الدخل الأساسيّة، والاعتماد على المساعدات الإنسانية فقط في تلبية حاجاتهم المعيشية.
كما قدم التقرير بعض التوصيات منها تخفيض أعداد القاطنين في المخيمات، من خلال تحقيق الاستقرار في المدن والبلدات التي شهدت عمليات النزوح الأخيرة، وتحسين جودة الخدمات المقدمة في المخيّمات وخاصة البنية التحتية من إصلاح شبكات الصرف وتعبيد الطرقات وعزل المخيّمات، إلى جانب زيادة فعالية القطاع الطبي.
أُنشئت المخيّمات لتوفير مسكن مؤقت للهاربين من أهوال الحرب في سوريا، إلا أنّ هذا المسكن المؤقت أصبح مسكناً شبه دائم، فإذا استمرت الحرب سيبقى وضع النازحين سيئاً، وستبقى المعاناة مستمرة.