الطّلاق آخر الحلول ومؤشِّر لانهيار المنظومة الاجتماعية
الطلاق هو الحل الأخير والأصعب للمشاكل الزوجيّة التي عجز الشريكان عن إيجاد حلولٍ لها، وتترتب عليه نتائج على المستوى الشخصي والأسري والاجتماعي، وهناك أسباب اقتصاديّة واجتماعيّة وفكريّة... وغير ذلك قد تكون سبباً في حدوثه، وبالنسبة للمجتمع السوريّ لوحظت زيادة كبيرة في نسبة الطلاق مؤخراً، حيث يرى البعض أنّ سببها الحرب ومفرزاتها على كافّة الأصعدة.
في تصريح لمدير عام الأحوال المدنيّة في سوريا "أحمد رحّال" في صحيفة الوطن السوريّة، قال إنّه تمّ تسجيل 19 ألف حالة طلاق منذ بداية عام 2020 وحتّى مطلع الشهر التاسع منه.
وأوضح رحّال بأنّ 13300 حالة طلاق تمّ تسجيلها خلال النصف الأول من العام الفائت، مقابل 17 ألف حالة من نفس الفترة في عام 2019 مشيراً إلى تقارب النسب في العامين.
وذكر رحّال أنّه في نهاية عام 2019 وصلت أعداد حالات الطلاق إلى 34 ألف حالة. وكشف مستشار وزير الأوقاف، حسّان عوض، في إحدى مقابلاته الإذاعيّة في وقت سابق، عن ارتفاع نسب الطلاق في سوريا 5 أضعاف خلال فترة حظر التجوّل.
ما هي أسباب الطلاق ونتائجه على الصعيد الشخصيّ والأسريّ والاجتماعيّ؟
"ماهر راعي" ماجستير في علم الاجتماع:
يرى عالم الاجتماع الفرنسي "دوركايم" الطلاق كارثةٌ اجتماعيّةٌ تؤثّر على التماسك الاجتماعي عموماً، وقد جاء تفسيره للأسباب متّسقاً مع رأيه العام في تناول الظواهر، إذ يعتبر أنّ تفسير أي ظاهرة اجتماعيّة يجب أن يستند إلى أسباب اجتماعيّة، وفي العالم العربي هناك الكثير من الدراسات والأبحاث التي تتناول الطلاق وتدرس أسبابه ونتائجه، وهي عبارة عن رسائل جامعيّة أكاديميّة لنيل درجة الماستر أو الدكتوراه، لكنّها بقيت على الرفوف، ولم يتم ربطها علميّاً ببعضها لتصبح قاعدة بيانات يمكن الاستفادة منها.
تشترك هذه البحوث في الكثير من النقاط فيما يخص أسباب الطلاق أو نتائجه، مع وجود اختلافات تتعلق بزمن ومكان البحث أو ثقافة المجتمع المبحوث، فالأبحاث القديمة نسبيّاً ترّكز على عامل تدخّل الأهل في حياة الزوجين، بينما الآن ونتيجة التطور الاجتماعي والعلمي والتكنولوجي وتغيّر حال الأُسر وتغيّر الثقافة الاجتماعيّة نلاحظ طرح لمشكلة مواقع التواصل كأحد الأسباب الجديدة للطلاق، ولكن بالمجمل يمكن رصد مجموعة من الأسباب التي تمّ تناولها: اختلاف المستوى التعليمي والثقافي بين الزوجين، الفارق العمري الكبير، الاختلاف الشديد في الطباع، اختلاف المستوى الاقتصادي والمعيشي، عقم الزوجة، أو عقر الزوج، اختلاف أهداف الزوجين، وتقديم الأهداف الفرديّة على الأهداف الأسريّة، تدخّلات الأقارب في شؤون الزوجين الخاصّة، عدم اهتمام أحد الزوجين بنفسه من حيث النظافة، والنظام، والترتيب، غياب قنوات الحوار، غياب الزوج لفترات طويلة عن البيت لأسباب غير مبرّرة، الخيانة الزوجيّة، بُخل وشُحّ جيب الزوج، أو إسراف وتبذير الزوجة، عدم قدرة الزوج على تلبيّة متطلّبات الأسرة، وعدم تكيّف الزوجة مع الواقع الأسري الجديد، مُحاولة الأزواج والزوجات تقليد ما يروّج في المسلسلات والأفلام من صور خياليّة ومثاليّة عن الحياة الزوجيّة، الاستخدام السيء لوسائل التكنولوجيّا الحديثة، كالجوّال، ومواقع التواصل الاجتماعي.
ومن أهم النتائج التي تترتب على قرار الطلاق جاءت قضيّة التفكّك الأسري وما يترتب عليها من نتائج كارثيّة على حياة الأبناء، وبشكل خاص إن كانوا في مرحلة الطفولة أو المراهقة، كما لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار أنّ مجتمعاتنا ورغم التطوّر النسبي الحاصل إلا أنّها لا زالت تنظر بعين الوصم نحو المرأة المطلّقة، كما تزداد حدّة المشكلة فيما يخصّ الأطفال، حيث تعاني المرأة من مشكلات قانونيّة تخصّ حضانة الأطفال حين يقرّر الرجل إزعاج طليقته أو غيرها من الأسباب التي تخصّ تخليها عن حقوقها الماليّة".
هزار مخايل - روائيّة:
برأيي لا يمكن أن نحدّد أسباباً واضحةً للطلاق، كما كلّ الأشياء التي تخصّ العلاقات، فلكلّ تجربة أسبابها الخاصّة التي لا يمكن تعميمها على التجارب الأخرى. لكنّني على قناعة تامّة بأنّ الزواج لا يمكن أن يقوم على أساس الحب وحده، لذلك فالحب بين الشريكين إذا غاب عنه الاحترام والقدرة على تقبّل الآخر والانفتاح معه على كلّ عيوبه ومشاكله فإنّ موقف صغير يكون كفيلاً بتوصيل الزواج إلى طريق مسدودة، بالإضافة إلى العديد من الأسباب الأخرى كالأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة وغيرها.
أما بالنسبة لنتائجه أرى أن الأكثر تضرّراً غالباً هم الأطفال، الذين سيكونون الطرف الخاسر في الزيجات التي تسودها المشاكل والشجارات الدائمة بين الزوجين، وفي تلك التي تنتهي بالطلاق حيث سيعيشون في الحالتين في جو من التشتت والضياع وفقدان الأمان. وفي مجتمع كمجتمعاتنا العربيّة تأتي الزوجة في المرتبة الثانية من حيث التأذي، فهذه المجتمعات مازالت عاجزة عن تقبّل النساء المطلّقات دون النظر إليهنّ على أنّهنّ أجساد متاحة دوماً.
لكن رغم ذلك، وفي الكثير من الحالات يظلّ الطلاق حلّاً معقولاً بل وضروريّاً أحياناً لإنقاذ ما تبقّى من ود بين الشريكين.
زينة محمد - دكتوراه في الاقتصاد: سكان وتنمية
من أهمّ أسباب الطلاق برأيي: عدم القدرة على التواصل، فيصل الطرفان إلى طريق مسدود، وهذا يؤدي إلى التراكمات (المشاكل والانفعالات)، الأمر الذي يخلق حالة من التوتر والصراع الدائم على أتفه المواقف. كما أنّ عدم الوفاء بالوعود أو المتأخرة منها تدفع إلى مشاعر اليأس من العلاقة وتفضيل الانفصال.
على الصعيد الشخصي ينعكس الطلاق سلباً على الطرفين، فالرجل قد يجد نفسه عاجزاً عن تدبيرات الحياة اليوميّة التي اعتاد أن تؤديّها الزوجة في حال بقاء الأطفال معه، وفي حال بقائهم مع زوجته فقد يجد صعوبة في التواصل معهم، أما الزوجة نجدها تعاني من الصعوبات الماديّة وتصيبها بعض حالات الاكتئاب والشعور بالذنب تجاه أطفالها والتي تُعزّزها نظرة المجتمع إليها.
الطلاق يفكّك الأسرة، وهذا يُؤثّر سلباً على الأطفال وحياتهم وصحتهم النفسيّة، فشعور الخيبة سيصيب الأولاد بالإحباط تجاه أي ّ شيء يقومون به، وقد يُضعف ثقتهم بأنفسهم ويشعرون أنّهم غير مُحبّبون من أهلهم، وقد يطال الأمر تحصيلهم الدراسيّ الذي قد يتراجع نتيجة لهذا الأمر.
على الصعيد الاجتماعيّ: نجد تأثيرات الطلاق على البنية الاجتماعيّة للمجتمع، فزيادة نسب الطلاق قد تؤثّر على قرارات الشباب في الزواج وبالتالي يتأخّر سنّ الزواج، وقد يؤديّ إلى ارتفاع نسبة العنوسة عند الفتيات.
اقرأ أيضاً:
"أشرف الوالدين دِيناً" بموجب تعديلات قانون الأحوال الشخصيّة السوريّ لعام 2019
زياد جبيلي - شاعر:
لا أدري إن أصبح الطلاق بين الأزواج الشبّان تقريباً تريند.. غريب ما يحدث في عصر مواقع التواصل الاجتماعي.. لم أبحث عن الأسباب للأمانة لأنّه وبعلم الجميع حين يتم اتخاذ هكذا قرار يكون لدى كل من الطرفين أسبابه، وقد يقنعك كلّ منهما بها لدرجة تجعلك تتعاطف مع أحدهما أو كليهما. وحدهم الأطفال لا يقولون... يلزمهم ربما الوقت إلى أن يصبحوا في عمر آبائهم حتى ينتقمون لأنفسهم أولاً ولأطفالهم ثانياً... لا يوجد ثالثاً كي ينتقموا له.
آية الدباغ - طبيبة:
أعتقد أنّ أهم أسباب الطلاق هو التعنيف لأنّ هناك الكثير من الشركاء وخاصّة الإناث يغضّون النظر أحياناً عن الخيانة والإهمال... البخل قد يكون سبباً للطلاق، وموضوع الإنجاب أيضاً، إضافةً إلى الغيرة والشكّ المبالغ بهما، والمشاكل والخلافات التي تحدث مع أهل الزوج والزوجة. وأرى أن نتائج الطلاق على الصعيد الشخصي متعلقةٌ بسبب الطلاق؛ فهناك طيف واسع من المشاعر والأحاسيس التي يمكن أن يشعر بها الشخص وخاصّةً الأنثى نظراً لطريقة تعامل المجتمع ونظرته لها، فقد تشعر بالندم واليأس والوحدة وعدم القدرة على التأقلم مع نمط الحياة الجديد... وغير ذلك. أما الذكر فلا يبدو أنه يشعر بهذه الأمور بنفس المقدار، لأنّه أكثر الأحيان يبادر وبشكل سريع إلى الزواج مرةً أخرى.
وبالنسبة لنتائج الطلاق على الصعيد الأسريّ، فأرى أنّ الأمر متعلّق بالوضع المادي وعدد الأطفال وأعمارهم... وبرأيي أنّ غياب المشاكل ولو كان لفترةٍ وجيزةٍ بعد الطلاق هو مكسبٌ للأطفال، على الرغم من أنّ وقع الطلاق قد يكون أقوى من كلّ المشاكل عليهم نظراً لكونه نقطةً فاصلةً في حياتهم.
فارس خدوج - سينمائي:
برأيي فإنّ الطلاق هو حلّ لمشكلةٍ أكثر من كونه مشكلةً بحدّ ذاته، فحين تصل الحياة بين الزوجين إلى مرحلةٍ يصعب فيها التفاهم ينتج عن ذلك تأثير على كلّ نواحي حياتهما، وبالطبع الضغوط الماليّة لها دور أيضاً في الطلاق. على الصعيد الأسريّ قد يكون الطلاق كارثيّاً على الأطفال في حال لم يتعامل الزوجان بطريقةٍ ناضجةٍ فيها اهتمام ورعاية لأولادهم، ولكن إن تعاملا بنضجٍ فسيكون الأمر صحيّ لأطفالهم أكثر من بقائهم معاً وبينهما مشاكل تنعكس آثارها السلبيّة على الأسرة.
أما على الصعيد الشخصي: من جهةٍ يحصل الطرفان على نوعٍ من الحريّة والراحة من المشاكل، ومن جهةٍ ثانيةٍ يكون هناك منغّصات وسلبيّات، كالشعور بالوحدة وعدم الأمان والندم، وبالطبع الأنثى هي الأكثر تضرّراً بسبب الأعراف والتقاليد الاجتماعيّة".