info@suwar-magazine.org

هاجر صانعة الخبز... لا تعرف اليأس

هاجر صانعة الخبز... لا تعرف اليأس
Whatsapp
Facebook Share

 

بيدين تملؤهما التجاعيد مفصحةً عن سنوات العمر الذي أنهكه التعب والمرض، تُقلّب هاجر عجينة الخبز بصبر وعزيمة أمام موقد النار لكي يصبح رقيقاً، فتضعه بهدوء على الصاج حتى ينضج، هذا دأبُها كلّ صباح منذ سبعة أعوام.

 

تستيقظ في الصباح الباكر لتتوجّه إلى السوق وتشتري بما تمتلكه من مال الفطور لأبنائها، وتعود إلى المنزل تتفقّد عجينتها التي تحضِّرها قبل خروجها، فتوقد النار تحت صاجتها الصغيرة وتخبز طلبيّة الخبز وتقبض ثمنها.

هاجر عبد القادر تبلغ من العمر ٦١ عاماً، من مدينة الدرباسيّة الحدوديّة التابعة لمحافظة الحسكة في شمال شرق سوريا، واحدة من عشرات النساء اللواتي أصبحن معيلات لأسرهنّ يسعين الحصول على لقمة العيش وتأمين قوت أبنائهنّ في ظلّ الأزمة المعيشيّة والاقتصاديّة الخانقة التي تعرَّضَ لها السوريّون خلال سنوات الحرب.

 

 

كانت تعمل هاجر وزوجها في فلاحة الأراضي وزراعتها في قرى الدرباسية كباقي سكّان المنطقة، ويعيشون منها، لكنّ تراجع القطاع الزراعي في السنوات الماضية دفعت الكثير من سكّان تلك المناطق لهجرة الأراضي والزراعة، كما أصيب زوجها بجلطة دماغيّة جعلته مُقعَداً ولا يستطيع الحركة، ما دفعها للبحث عن عمل في مدينة الدرباسية، لتستطيع شراء دواء لزوجها المريض، وتدريس ابنتها الصغرى آيندا وابنها الوحيد عبد الملك، بعد أن زوَّجت ابنتيها الكبيرتين وفقدت أثر إحدى بناتها بعد التحاقها بأحد الأحزاب.

 

تعيش هاجر مع أبنائها في بيت صغير استأجرته من أحد أقربائها بمبلغ ٢٠٠ ألف ليرة سوريّة سنويّاً في الحي الغربي من المدينة، تقول وهي تجلس بقرب ابنتها الصغيرة التي تدرس: "قبل سبع سنوات عندما قدمت إلى المدينة، لم يكن هناك أحد في الدرباسية يبيع أو يخبز خبز الصاج ".

 

في زاوية صغيرة من باحة المنزل أقامت هاجر موقد النار، تغطّيه بخيمة صغيرة مفتوحة الأطراف صنعتها بنفسها من القماش القديم والحصير لتحمي نفسها وصاجة الخبز الصغيرة من شمس الصيف ومطر الشتاء، تخبز عليها يوميّاً لزبائنها ممن يحبون هذا النوع من الخبز أو من هؤلاء الذين لم يحالفهم الحظّ في الحصول على ربطة خبز من الأفران، لتبيعه وتؤمّن بثمنه مصروف أسرتها الصغيرة.

 


تقول هاجر لـ مجلة صور أنّها تشتري حاجتها من الطحين من التجار في المدينة بسعرٍ غالٍ يصل أحياناً سعر الكيلو إلى 8 آلاف ليرة سوريّة أي ما يعادل أكثر من دولارين وذلك بسبب فقدان الطحين.


تخبز هاجر كل يوم بحدود 100 رغيف كحدّ أدنى بحسب الطلب، إذ يخبرها الزبائن في المساء بالكميّة التي يحتاجونها، لتحضّرها هي في اليوم التالي، وتبيع الرغيف ب 125 ليرة، ليصل متوسط ما تجنيه في الشهر إلى ما يقارب 30 ألف ليرة أي ما يعادل 10 دولار تقول هاجر: "ماذا يمكنني أن أفعل بـ 30 ألف بالشهر؟ كيف يمكنني أن أُوفّر احتياجات أسرتي بهذا المبلغ في هذه الظروف الاقتصاديّة المتدهورة؟!"

 

 

أصدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في 18 شباط بيانات وطنيّة جديدة مثيرة للقلق عن سوريا، تفيد بأنّ 12.4 مليون سوري -ما يقرب من 60 في المائة من السكّان– يعانون من انعدام الأمن الغذائي. أوضح البرنامج الأممي أنّه خلال ما يزيد قليلاً عن عام واحد، أصبح 4.5 مليون سوري إضافي يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

 

"الوضع أسوأ من أي وقت مضى"، بحسب ممثّل برنامج الأغذية العالمي، والمدير القطري في سوريا شون أوبراين الذي أوضح أنّه "بعد عشر سنوات من الصراع، استنفذت العائلات السوريّة مدّخراتها في الوقت الذي تواجه فيه أزمة اقتصاديّة متصاعدة".

 

تُكلّف المواد الغذائيّة الأساسيّة مثل الخبز والأرز والعدس والزيت والسكر ما لا يقل عن 120 ألف ليرة سورية -وهو ما يتجاوز بكثير متوسّط الرواتب- لإطعام عائلة لمدة شهر.


تضطر هاجر إلى التوقف عن العمل في بعض الأحيان، والإنفاق مما ادخرته، بسبب النقص الحاد في مادة الطحين، إلى جانب افتتاح عدّة محال لخبز الصاج في المدينة.

 

 

واجهت هاجر أيّام صعبة وفقدت زوجها بعد سبعة أعوام من المرض ولم تكن قادرة على إنقاذه، ها هي الآن تصارع الحياة كلّ يوم وتجابه المصاعب لتطعم أبنائها الذين ليس لهم من معيل سواها.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard