info@suwar-magazine.org

(الأسد.. وحرق البلد) الفصل الماقبل الأخير للمأساة السوريّة

(الأسد.. وحرق البلد) الفصل الماقبل الأخير للمأساة السوريّة
Whatsapp
Facebook Share

 

 

عذراً محمود درويش، نيرون لم يمت،

"إذا تسلحت تأسلمت وإذا تأسلمت تطيفت"

 

هل وُفّق الصحفي الأمريكي سام داغر، مراسل صحيفة وول ستريت جورنال في عنونة كتابه بـ"الأسد أو نحرق البلد"، الشعار الذي صِيغ بالأصل في الغرف الخفية لخلية الأزمة للنظام، ليُسوّق على أيدي شبيحته!

 

ومن ثم يمهر كتابه بعنوان فرعي "كيف قادت شهوة السلطة لدى عائلة إلى تدمير سورية".

 

وهل جانب التوفيق الصحفي في عنوانه الفرعي، لتُختزل مأساة سورية ومهزلة حكم استبدادي في عائلة واحدة فقط!

 

هذا الصحفي الذي بدأ عمله في دمشق بتشرين أول/ أكتوبر 2012، حيث اعتقل لفترة وجيزة في أقبية مخابرات النظام السوري. وطرده النظام من سوريا في نهاية عام 2014.

 

منذ البداية يحدد المؤلف زاوية الرؤية للصراع الدائر في سوريا، زاوية المقهورين المهمشين في الحياة، ولكن لا يخفى على المتابع بالنهاية بأن هذه الرؤية من الخارج، والتي ساهم في تأسيسها إعلام النظام، ووقع في شراكها العديد من النخب السياسية السورية المعارضة، ودعمها إعلام إقليمي عربي ساهم في استباحة الدم السوري، وذهب ضحيتها أولائك المهمشين في تاريخ الحكم التسلطي السوري ما ينوف على الخمسين سنة.

 

النظام جزء من الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي

 

عندما صدحت ألوف الأصوات السورية في ساحات التظاهر عام 2011، بهتافات: "يلعن روحك يا حافظ". وهمست عشرات ومئات الأفواه: "باع الجولان ابن الحرام"، منذ ما ينوف على نصف قرن من الزمان، بعيد هزيمة حزيران 1967، وما تلاها من أحداث، واغتيالات طالت مدنيين وعسكريين، وتسريحات لعشرات ومئات العسكريين من الجيش السوري آنذاك، بهدف مزدوج، طمس معالم هزيمة بطعم الخيانة، وتمهيداً لتبوّء صاحب البلاغ 66 سدة الحكم في سوريا "للأبد"!

 

هذا البلاغ الذي أذيع من إذاعة دمشق بتاريخ 10حزيران 1967، وأُعلن فيه عن سقوط القنيطرة بديباجة استهلّت بـ:"إن القوات الإسرائيلية استولت على القنيطرة بعد قتال عنيف دار منذ الصباح الباكر في منطقة القنيطرة ضمن ظروف غير متكافئة.." وكان قد وقعه وأرسله وزير الدفاع آنذاك "حافظ الأسد"، في الوقت الذي كانت فيه أقرب آلية إسرائيلية تبعد عن القنيطرة 4كيلومترات، حسب رواية وزير الإعلام السوري آنذاك محمد الزعبي عن رئيس الأركان السوري..؟ وهو ما أكدته تصريحات العديد من المسؤولين من طرفي الصراع السوري- الإسرائيلي.

 

 

وعبر مفاوضات سرية (حسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية)، استمرت ما ينوف على عشرين سنة بين "الأسدين" والحكومات الإسرائيلية، بما فيها حكومة نتنياهو التي كانت جادة في ذلك المسار التفاوضي، وتضمنت سيناريوهات وخرائط متفق عليها حول الانسحاب الإسرائيلي من مرتفعات الجولان إلى ماقبل خطوط 1967.. ولكن "نظام الأسدين" عرقل ذلك؟! 

 

كُتب الكثير عن دور الأسد الأب، الذي أعلن سقوط القنيطرة، ودور البعث وقيادة الجيش في تلك المنطقة، ولكن الأهم التفاصيل الميدانية التي بقيت مكتومة، وما توفر منها مبعثر في بعض المذكرات، وشهادات متناثرة لبعض المسؤولين!

 

ويبقى كتاب "سقوط الجولان" الذي كان السبب في موت مؤلفه خليل مصطفى في سجون الأسد بعد خطفه من لبنان، ذلك الضابط السوري الذي كان رئيساً للاستطلاع العسكري في الجولان لمدة خمس سنوات، والذي سرح بعد انقلاب البعث في 8 آذار، مارس 1963، ذلك الكتاب الذي ألقى الضوء على تحصينات الجبهة العسكرية، وتموضع القوات العسكرية السورية، ومزاياها الجغرافية، في ذلك الوقت، بحيث يصعب إن لم يكن من المستحيل سقوطها الهزيل، وبأن ما جرى لا يمكن أن يكون إلا "مؤامرة متقنة وجريمة مدبرة أعدت على سنوات". وبأن هذه الجريمة نفذت على مرحلتين، قبل تسليم الجولان، والتي تم خلالها إقصاء وتصفية الكثير من الكوادر العسكرية، وبلغت ذروتها مع انقلاب 8 آذار/ مارس 1963. كما تم خلالها ترفيع العديد من الضباط البعثيين دونما تأهيل..، والمرحلة الثانية في حرب 5 حزيران/يونيو 1967، وانتهاءً ببيان 66 الذي أعلن فيه سقوط الجولان.

 

وكان الخطاب الرسمي خلال يومي الإثنين-الثلاثاء 12-13 حزيران 1967 قد ركز على الانتصار الذي حققه بعدم "سقوط النظام التقدمي الذي يقوده حزب البعث"! وهو ما أكده وزير الخارجية آنذاك ابراهيم ماخوس من خلال تصريحه لـ العديد من المسؤولين العرب، والسوريين بأنه ليس من المهم احتلال العدو لدمشق أو حمص وحلب، إذ يمكن تعويض الأرض واستعادتها، أما إذا قضي على حزب البعث، فكيف يمكن تعويضه، وهو أمل الأمة العربية!؟

 

 هذه الهزيمة التي وسمت تاريخ سوريا المعاصر، ولعقود طويلة، مازالت نتائجها راهنية، وأسئلة الاستفهام حولها تؤرق، وبالأخص ما دور الضباط -والتجار الذين وقفوا وراءهم- اللذين توجوا "العاهل" الجديد في الألفية الثانية؟!

 

ومربض الفرس الأقوى، الذي دار في فلكه النظام الذي أعلن الحرب على الشعب السوري، والذي لم تستوعبه وتهضمه المعارضة السورية بشكل عام، استند على ركيزتين:

 

أولاهما: التزامه كحارس للحدود مع إسرائيل، على مدار العقود الماضية.

ثانيهما: بناء شبكة معقدة -وعلى ذات الأرضية- من العلاقات الإقليمية والدولية ذات المصالح في الجغرافيا السورية.  

 

اقرأ أيضاً:

 

السوريّون بين الخوف والرعب.. وحلم الحرية

 

عرش الدم والخراب

 

ما بين تصريح ماخوس، وخطاب الأسد الابن في مجلس الشعب بتاريخ 30-3-2011، بعد نصف شهر من اندلاع الاحتجاجات: "لا مكان لمن يقف في الوسط، فالقضية ليست الدولة، بل الوطن"! وفي خطاب آخر: " لا خيار لنا سوى الانتصار، وإلا لن تبقى سورية"!

 

ما يجمع القولين هو الذهنية الاستبدادية، التي وسمت شعوب المنطقة منذ ما يزيد على 1400 عام، وتعيد إنتاج نفسها في كل مرحلة أو حقبة حضارية، بعد أن تكون هضمت التحولات والتغيرات الحضارية، وبأدوات ووسائل منبثقة عن تلك التحولات. وما تولده تلك الذهنية المَرَضيّة من إحساس بالتفوق والتميز، اللذين يتجليا في السيطرة على الدولة، وتحويلها لأداة قمع وقيادة للمجتمع بآن واحد.

 

فتاريخ المنطقة منذ تكون الدولة الأموية إلى السلطنة العثمانية، تاريخ للدم المسفوك قرباناً للعرش السلطوي، وطال أول ما طال الأقربون، ومن ضمنهم روابط الدم. فالعصبية العائلية لا تَسلمْ من الدم المسفوك أمام شهوة السلطة، وإن اعتمدت عليها في مرحلتها الأولى. ولن يكون النظام السوري استثناء عن القاعدة، وإن كان أكثر دموية ووحشية.

 

وسلوك النظام يعبر عن تلك الإيديولوجية التسلطية التي محورت الفضاء العام السوري حولها، وحولت كافة الرموز المجتمعية والمعايير الحضارية لتدور في فلكها، وأي نشوز ما هو إلا مروق على السنن الطبيعية والمجتمعية، وذلك من خلال اختزال تلك الرموز في الوطن، واختزال الوطن في الشخص. وكانت الضحية الدولة بأهم مقوماتها الشعب والجغرافيا.

 

وعلى هذه الأرضية يمكن تلمس الأخطاء القاتلة للمعارضة السورية -في العهدين- فذات السلاح (العنف والطائفية) الذي سخره النظام لإحكام قبضته وتفرده، تُكرر تلك المعارضة استخدامه، ولكن بنسخته الكاريكاتيرية.

 

واستطاع النظام من خلال جرها لملعبه وبأدواته أن يتفوق عليها. وخسرت بذلك أهم عوامل قوتها وحدة الاختلاف، وقوة السلام. وحتى الموت لم يوحد القاع الاجتماعي، صاحب المصلحة الحقيقية في التغيير. وأخرج النظام من المعادلة نصف الشعب بين قتيل وجريح ومهجر ونازح،  والنصف الآخر على شفا حفرة من الموت جوعاً. فما تبقى، وعلى من سيّشيد النظام نصره المؤزر..؟! وعلى من ستستند المعارضة في بناء قوتها ؟!

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard