info@suwar-magazine.org

الموالاة وتقيُّح الذّات

الموالاة وتقيُّح الذّات
Whatsapp
Facebook Share

 

في بلدنا اليوم.. عندما ما تجلس مع بعض الأشخاص تجدهم في أغلب الأحيان محبطين متذمرين غاضبين لدرجة الانفجار، ويكاد صوت شكوى الواحد منهم (من نظام الحكم)، وشكوى همومه وخوفه يصل إلى أقاصي الأرض بسبب انهيار الأوضاع الشامل في البلاد، وغياب أي انفراج على المدى المنظور. هذه حال أغلب الناس في هذا البلد الغارق في أزمته!

 

لكن عندما تنظر إلى ذاك البعض في مكان عام، تجده شخصاً مختلفاً تماماً، وينقلب كل مَقْتِه وحقده على (حاكمه) ولاءً ومحبة، ويتحول هذا الذي كان قبل قليل طاغية ومجرم، وعدو للشعب بنظره إلى بطل وقائد، ومنقذ للشعب والوطن، وينقلب اليأس والخوف والإحباط بقدرة قادر إلى "فرح بالنصر الكبير، وإصرار على مواصلة مسيرة الصمود والمقاومة مع القائد العظيم"، ويتجاوز صوت التشبيح أيضاً أطراف العالم.

 

وهنا يكاد أن يغمى عليك من شدة الصدمة والدهشة والاستغراب، ويتوقف عقلك عن العمل مستسلماً عاجزاً عن تحليل وفهم هذا النموذج العجائبي من التفكير، وينتابك شعور بأنك في حالة هلوسة، وأن المشهد الذي يحدث أمامك ليس واقعاً، بل هو وهمي، وتعتقد أنك أصبت بالفصام من جراء أثقال وأهوال ما ترى!

هذا باختصار ما يمكن قوله عن حال أغلبية الموالين للنظام على الساحة السورية، ولا يمكن للأسف أن نقول أن من هم في مثل هذه الحالة قِلّة نادرة!  

 

يحتار المرء في إيجاد وصف مناسب لهذه التصرفات، ويشعر بأنه لن يعثر عليه، لأن هذه الحالة إن لم تكن غائبة عن التاريخ البشري، فهي نادرة وعابرة فيه لدرجة أن التاريخ لم يسجلها، وهكذا تقول لنفسك فلنبسّط الأمر إذاً، ولنسمّ حالتهم بـ "تقيح الذات"، لأن سلوكهم هذا لا يمكن أن ينشأ عن ذاتٍ سليمة صحيحة الحال، بل عن ذات غارقة في المرض إلى درجة التقيح.

 

اقرأ أيضاً:

 

هل يمكن للانتخابات الرئاسية القادمة في سوريا أن تصبح مخرجاً للأزمة السورية؟

 

مع ذلك يبقى عقلك غير راض عن استعصاء هذه الحالة على التفسير المنطقي، فيحاول جاهداً عندها أن يضع الفرضيات!

 

وخلاصة ما يتوصل إليه أن هؤلاء المرضى بمثل هذا الولاء غير السليم هم أنواع مختلفة، ولكنهم جميعاً يشتركون في صفة واحدة أساسية، وهي أنهم جميعاً من نتاج "هذا النظام"!

 

وهؤلاء الذين أعلنوا ولاءهم:

 

  • منهم من يشعرون بأن مصالحهم مرتبطة تماماً بهذا النظام- بكل ما فيه من طغيان وفساد- ويشعرون بالتالي بأن مصالحهم مرتبطة ليس فقط ببقاء النظام بشكل عام، بل ببقائه على حاله ودون أي تغيير، فكل تغيير إصلاحي- بفرض أن مثل هذا التغيير ممكن - يشكل تهديداً لمصالحهم، وهذه الفئة تدرك تماماً ضرورة الوقوف مع نظامها والدفاع عنه، وهي عندما تفعل ذلك فهي فعلياً تفعله دفاعاً عن مصلحتها وحمايةً لها وحسب!

 

  • ومنهم من تربطهم مصلحتهم وحدها بالنظام، ولكنهم بخلاف سابقيهم يربطون مصلحتهم بالنظام طالما أنه الطرف الأقوى، لكن عندما يضعف النظام فهؤلاء يتخلون عنه، ولا يقفون معه، فهم فقط ودائماً مع الطرف الأقوى، وأتباعُ له.

 

  • وهناك من يقوم ولاءهم للنظام على معايير طائفية، فيقفون معه إما بسبب تعصب الانتماء الطائفي، أو لأنهم يعتقدون أنه يحمي طوائفهم من خطر الطائفة الأكبر العدوانية.

 

  • هناك فئة ليست قليلة من العوام الذين تَسهُل برمجتهم وتجييشهم في العديد من مناطق سيطرة النظام، ولا يمكنهم بسبب بساطتهم فهم ما يجري، وطبيعة ودور النظام الأساسي فيه، فتنطلي عليهم خرافة "المؤامرة الكونية"، وما لها من ذيول المقاومة والممانعة والوطنية والصمود والانتصار إلى غير ذلك.

 

  • وهناك فئة لديها حالة مستفحلة من الخوف الذي تأسس بسبب عنف وبطش النظام، وخوفهم هذا هو ما يدفعهم إلى التظاهر بالولاء والإكثار من هذا التظاهر، وهم بذلك يعتقدون أن النظام سيصنفهم في خانة أتباعه، أما في الحالة المعاكسة، فهو سيشك بتبعيتهم وينتقم منهم بعنف بسبب ذلك.

 

  • وهناك فئة تدرك جيداً أن النظام هو نظام بطش وفساد، ولكنها يائسة من إمكانية التخلص منه، وقد ازداد وتنامى يأسها بعد الحال المأساوي الذي وصلت إليه الثورة في سوريا، التي تحولت إلى كارثة مدمرة على كافة الصعد، وهي مع ذلك لم تنجح في تخليص سوريا من كارثة هذا النظام، ولذا ترى هذه العينة أنه من الأفضل لها التظاهر بموالاة النظام لأنه لا أمل في الخلاص منه أو تغييره.

 

  • وأخيراً هناك فئة من الموالين توهمت يوماً وطنية النظام وتحالفت معه، ثم أدركت بعدها أنها تورطت ورطة لا تستطيع الخروج منها، ولكنها لم تعترف بورطتها، واستمرت في التورط فيها أكثر فأكثر، ولم يعد أمامها إلا الكذب وتزوير خرافات المواقف الوطنية للدفاع عن ورطتها، وهي تعلم تماماً أنها كاذبة، وأن الجميع يعلم بدورها أنها كاذبة، ومع ذلك تواصل الكذب لأنه ليس لديها أي بديل، أو قدرة عن الخروج من قفص النظام الذي أفلسها، وحولها إلى مجرد أدوات يستخدمها لاستكمال زعمه بالوطنية.

 

واليوم نجد كل هؤلاء في مسرحية الانتخابات الرئاسية الواضحة التزييف، يتحدثون بصوت عال عن ولائهم لسيدهم الحاكم، ومحبتهم له وثقتهم به، وإصرارهم على مواصلة المسيرة تحت زعامته وهلم جرى، وهم والحاكم، يدركون تماماً أن كل ما يجري كذبة يجب أن تُكذَّب!

 

على أية حال، هذه الكذبة بالرغم من أن أنصارها ما يزالون كثراً، فهم لم يعودوا أكثر من مخلفات مرحلة بائدة، لا يمكنها قطعاً أن تعود، ولم يبق منها إلا أنقاضها، التي تستطيع أن تعرقل قيام البديل إلى حين، ولكنها لا ولن تستطيع قطعاً أن توقف عجلة التغيير!

 

وختاما لكل ما ذكر يبقى أن نقول إن رياح التغيير قادمة لا محالة، فلا أحد إن لم يكن جاهلاً أو شريكاً فيما يحدث، يمكنه أن يتحدث عن ولاء ومحبة وثقة بزعيم أغرق بلاده في كارثة لا شبيه لها في عالمنا اليوم، وهؤلاء الذين وصلوا إلى درجة كارثية من الفقر والجوع والحرمان، ولا يستطعون الحصول على لقمة الخبز، وصار من أحلامهم الكبيرة الحصول على جرة غاز أو القليل من المازوت، وباتوا يعيشون بدخل يحتاجون إلى أكثر من عشرة أضعافه ليحصلوا على أدنى قدر من حاجات عيشهم الرئيسة، في وقت خسرت فيه بلادهم مئات الآلوف من القتلى، وأضعافهم من المصابين في حرب بربرية ارتكبت فيها أبشع أشكال الجرائم، وصار بسببها أكثر من نصف شعبهم مشرداً بين الداخل والخارج، وانهار فيها اقتصادهم عشرات المرات، ودُمِّر القسم الأكبر من البنى التحية في بلادهم، ويبقون على ولائهم -أياً كانت أسبابه وبواطنه- لمن تسبب لهم بكل ذلك البلاء العظيم، وفوق ذلك يعتبرونه قائداً عظيما سيكملون معه الطريق، وهم يعلمون تماماً أن هذا الطريق سيضاعف كل ما تقدم من بلايا، ويؤدي إلى خراب ما تبقى من البلاد، يحق لنا نحن الذين يحترقون بنار جرائم سيدهم، وما جلبه من خراب ودمار على البلاد والعباد أن نضعهم في خانة النظام من حيث المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في البلاد لأنهم يتحملون مسؤولية ما حدث ويحدث.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard