سلطات الأمر الواقع في سوريا
يتم تدول "مصطلح سلطات الأمر الواقع" بكثرة بين السوريين في النقاشات الدائرة خاصة بين الفاعلين والنشطاء في الشأن السوري بهدف انتقاص من شرعية السلطات المحلية في سوريا، بما في ذلك سلطة النظام السوري. على اعتبار أن وصول تلك المجموعات إلى سدة الحكم لم تكن نتيجة لصناديق الاقتراع، أو انتخابات نزيهة وشفافة، أو يحكمها عقد اجتماعي متفق عليه بين المواطنين والمواطنات. وهذا التوصيف فيه من الصحة الكثير، لكن بالعودة إلى تاريخ تشكيل الدول نجد أن جميعها مرت بذات السياق من حيث فقدانها للشرعية الدستورية والانتخابية في بداية تأسيسها.
سوريا اليوم أرض متنازع عليها بين الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، لذلك لم تكن استثناءً أو شذوذاً عن القواعد التي حكمت تشكيل الدول، ورغم ذلك خضعت هذه القاعدة للانتقائية من قبل الأطراف السورية نتيجة للاستقطاب السياسي، وأصبحت الشرعية هي نتيجة للمصالح السياسية لطرف على حساب آخر، وتم ربط عمليات السيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري بالتحرير كشكل من أشكال إعطاء شرعية السلاح رغم ما رافق هذه العمليات من عنف، وانتهاكات وتهجير واستيلاء على الملكيات العامة والخاصة.
ولكن هل يمكن لهذه السلطات (سلطات الأمر الواقع ) أن تتحول إلى سلطات شرعية؟ وكيف يمكن تحويل سلطة السلاح إلى سلطة ديمقراطية تستمد شرعيتها من الدستور، ومن أصوات الناخبين؟
هذا التحوّل الديمقراطي ليس بالعملية السهلة، وهو يحتاج إلى إطار زمني طويل ليأتي بنتائج ملموسة إذا ما توفرت الإرادة السياسية لإنجاح التحوّل الديمقراطي، وهو يحتاج إلى مراحل مترابطة سواء كانت ذات تسلسل متتابع أو بشكل متداخل.
المرحلة الأولى هي تلك التي تلي عملية التحرير أو السيطرة على منطقة ما، التي يجب يتم التركيز أثناؤها على توفير الاستقرار الأمني والخدمات الأساسية للمواطنين بدون نقصان، وتسمح للذين دفعتهم دوامة العنف للنزوح، للعودة إلى مدنهم وقراهم وممتلكاتهم، فلا شرعية لسلطة غير قادرة على توفير الخدمات الأساسية، والأمان لمواطنيها حتى لو كانت منتخبة.
وفي المرحلة الثانية يجب أن يتم التركيز على حماية وتعزيز الحريات الشخصية، لجميع المواطنين بدون تمييز، من خلال حرية تشكيل التجمعات والأحزاب، وحرية التعبير، وحق المشاركة في الحياة العامة، وحرية التجمع وتنظيم الاحتجاجات.
من الطبيعي أن يرافق تحقق المراحل السابقة (السيطرة، الاستقرار وتوفير الخدمات، حماية الحريات) وضع مجموعة من القوانين، والسياسيات، وتشكيل أو إعادة هيكلية عدد من مؤسسات الدولة لإحكام السيطرة، ولكن يمكن أن تكون من أجل الوصول إلى شرعية حقيقية، وهنا نحن بحاجة إلى عقد اجتماعي متفق عليه يتم من خلاله تداول سلمي للسلطة، وتصان الحقوق والحريات، وتُفصَل السلطات، والذي بموجبه سوف يتاح للمجتمعات المحلية انتخاب ممثليها وحكوماتها المحلية.
وفي الواقع السوري لا يمكن النظر إلى المشهد بدون أخذ التعقيدات التي ترافق تشكيل سلطات شرعية، فالكثير مما تم ذكره تداخل مع بعضه البعض واختلف ترتيبه الزماني والمكاني، وبعض هذه التجارب فشلت وانتهت وبعضها الآخر مازال قائماً، ففرصة التحوّل الديمقراطي قائمة إذا ما توفرت الإرادة السياسية وتوفرت الحكمة لدى القادة السياسيين، وقادة الرأي العام.