info@suwar-magazine.org

درسٌ قاسٍ آخر من أفغانستان

درسٌ قاسٍ آخر من أفغانستان
Whatsapp
Facebook Share

 

 

يقول أحمد وهو ناشط أفغاني، ومؤسّس لمنظّمة محليّة تشجّع على ممارسة الأطفال للفن بهدف محاربة التطرف، "إنّنا قبلنا بطالبان كجزء من واقعنا الحالي ونحن منفتحون للتحاور معها، ولكن هل تقبل طالبان بنا كجزء من واقعها، وهل هي مستعدّة للتحاور معنا كما نحن بأنماطنا غير الدينيّة؟"

كان ذلك أثناء مشاركتي في اجتماع حواري في بداية ٢٠٢٠ تحت عنوان "ضمان الشموليّة في عملية سلام مستقبليّة في أفغانستان" في مدينة بروكسل، على هامش الحديث عن الاتفاق الجديد التي رعته الولايات المتحدة بين طالبان والحكومة الأفغانيّة.

اليوم وبعد أكثر من عام على انطلاق هذا الحوار انسحبت الولايات المتّحدة الأمريكيّة من أفغانستان، وسيطرت حركة طالبان المتشدّدة (المصنّفة على قوائم الإرهاب) على الحكم، ومعها بدأت المقارنات بين الحالة الأفغانيّة والسوريّة، وبدأ الجميع يتساءل ماذا لو انسحبت الولايات المتّحدة من سوريا؟ وعلى الرغم من أنّ السؤال مشروع جداً، ولكن غايته تختلف من طرف إلى آخر، فالبعض يرغبون في تنجنّب مصير أفغانستان والبعض يهدف  توجيه رسائل مبطّنة إلى حلفاء الولايات المتّحدة بأنّنا قادمون.

في البداية أودّ التوضيح أنّ الولايات المتّحدة فشلت فشلاً ذريعاً على المستوى السياسي والعسكري في بناء بلد ديمقراطي يتمتّع بالاستقرار، ولكن ليست وحدها من فشلت بل لديها شركاء كُثر في هذا الفشل ولعلّ أكبر  الفاشلين هي الحكومة الأفغانيّة، لذلك تحليل العلاقة بين أمريكا والفرقاء السوريّين وحلفائها سيكون مفيداً لإدارة أيّ انسحاب محتمل من سوريا، حيث لا يخفى على أحدٍ أنّ الكثير من أطراف المعارضة هم مع الولايات المتّحدة شكلاً وضدّها بالمضمون، هم يرون في الولايات المتحدة قطاراً للوصول إلى السلطة وبعدها تبدأ حرب التحرير، كما حدث في العراق.

 

ولكن يبدو أنّ الولايات المتّحدة استفادت من تجربة العراق في فهم العلاقة مع معارضة في منطقة الشرق الأوسط، وأدركت تماماً أنّ تلك المعارضات لا تمتلك رؤية ديمقراطيّة وغير قادرة على إجراء تغييرات عميقة في بنية مجتمعاتها التقليديّة، وإنّما يتمّ الاعتماد على الولايات المتّحدة الأمريكيّة للوصول إلى السلطة، وبالتالي تقوم هي بدورها  باستخدام تلك المعارضة لتحقيق أهدافها.

 

 

الولايات المتّحدة في أفغانستان لم يكن لديها استراتيجيّة طويلة لبناء بلد ديمقراطي مستقر فجميع خططها لا تتجاوز  أربع سنوات موعد الانتخابات الرئاسيّة المقبل، كما لم يكن لشركاء الولايات المتّحدة رؤية في بناء علاقة استراتيجيّة مع الولايات المتّحدة واستمرت بالاعتماد عليها مثل الابن المدلل الذي يعلم أنّ والديه ليسا خالدَين، ولكن بذات الوقت يستمر في إقناع نفسه بوهم الاستمراريّة، كما الحال في سوريا.

الولايات المتّحدة غيّرت من استراتيجيّتها من خلال الانتقال من التواجد العسكري إلى استخدام النفوذ السياسي، فالتواجد العسكري لم يكسبها سوى أعداء من جميع التيّارات السياسيّة (يمين، ويسار، وليبراليّين)، ومخطئ من يعتقد أنّ الولايات المتّحدة ليس لديها استراتيجيّة لحماية أمنها القومي ومصالحها السياسيّة، بايدن اليوم يقوم بتطبيق ما كان يُوعِد به ترامب، فقط هناك اختلاف في الدبلوماسيّة لأنّ سحب الجيوش الأمريكيّة من الشرق وتغيير صورة أمريكا، شعار بدأه أوباما وسعى إلى تطبيقه كلّ من ترامب وبايدن، فهي مطالب شعبيّة وليست حزبيّة وما على القادة إلّا تنفيذها بالأدوات التي يرونها مناسبة.

هناك مقولة سياسيّة مبتذلة يتم تداولها في الشأن العام تقول "إنّ الولايات المتّحدة لها مصالح في سوريا" وكأنّ ليس لدى السوريّين أيّة مصلحة مع الولايات المتّحدة، الحقيقة أنّنا نعلم ويعلم الجميع، أنّه لا يوجد أيّ شركاء أو شراكة حقيقيّة في سوريا مع الولايات المتّحدة، شراكاتها لا تتعدّى علاقة استراتيجيّة تكتيكيّة مؤقّتة، كلّ طرف يجب أن يقوم بدوره.

والسؤال هل قامت الأطراف السوريّة بدورها بعد حروب التحرير؟ هل أسّست مجالس حكم محليّة قويّة وشفّافة؟ هل عزّزت مشاركة المواطنين في الحكم؟ هل عزّزت حقوق الانسان؟ هل كافحت الفساد أم عزّزته... الخ.


هناك الكثير من الأسئلة الأخرى التي يجب أن نجيب عليها قبل تحديد الأطراف المسؤولة عن الإخفاق، علينا أن لا ننتظر الانسحاب الأمريكي أو غيره بل علينا السعي إليه من خلال بناء بلد ديمقراطي مستقر وتحويل العلاقة مع الأطراف إلى علاقة استراتيجيّة قائمة على تحقيق المصالح المتبادلة.

هناك سؤال آخر لا يقلّ أهميّة عن السؤال الأول "ماذا لو انسحبت روسيا من سوريا؟" وعلى الرغم من أنّني أستبعد جدّاً انسحاب روسيا من سوريا، بسبب العلاقة الاستراتيجيّة القويّة والقديمة التي تربط النظام السوري مع روسيا، ولكن يبقى احتمالاً ممكناً في حال خسرت روسيا وحلفاؤها أمام الولايات المتّحدة سواءً عسكريّاً أو اقتصاديّاً، وهذا لن يحدث في سوريا، ولكن قد يحدث إن دخلت روسيا في حرب جديدة مثل العودة إلى أفغانستان من جديد، وهذا مرشّح الحدوث، وقد نشهد آستانة أفغاني يكون لكلّ من روسيا، الصين، تركيا، إيران بالإضافة إلى باكستان دور  في  إدارة الصراع وضمان ألّا تصل تهديدات طالبان إلى خارج حدود أفغانستان.

الخلاصة؛ سقوط أفغانستان لم يكن سببه فقط انسحاب الولايات المتحدة الأمريكيّة، بل أيضاً فساد شركائها المحليّين والخلايا النائمة لطالبان في العديد من المدن الكبرى وضمن مؤسّسات الدولة الذين شكّلوا حصان طروادة لطالبان، واليوم بعد سيطرة طالبان على كامل الأراضي الأفغانيّة نجد الكثير من الدروس المستفادة للتعلّم منها وتجنيب السوريّين مصير أسوء من المصير الذي يعيشونه حالياً.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard