info@suwar-magazine.org

أخبار العالم.. الوجه الآخر للسينما الأمريكية

أخبار العالم.. الوجه الآخر للسينما الأمريكية
Whatsapp
Facebook Share

 

عادة ما يتوقّف مشاهد الفيلم السينمائي لبرهة متأملاً متسائلاً، ماذا سيقدّم الفيلم؟ وما هي رسالته التي يريد صانعه إيصالها ؟ و ما هي ثيمته الأساسيّة التي ستترك بصمة الفيلم في الذاكرة؟، كل هذه الأمور والتساؤلات تحوّلت لشيء مغاير في فيلم "أخبار العالم" (News of the World)، الفيلم الذي خرج عن المألوف ووضع أمام المشاهد تساؤلاً هو، ما الذي لم يقله الفيلم؟ هذا الفيلم الذي أُخرج بلمسات إبداعيّة من قبل المخرج "بول جرينجراس"، الذي لعب فيه الممثل " توم هانكس" دوراً إبداعيّاً ذهب فيه لبعد آخر في التمثيل إلى جانب الطفلة "هيلينا زينجل"، ليحقّق هذا الفيلم نجاحاً منقطع النظير، وينال إعجاب النقّاد ومتابعي هذا النوع من أفلام الغرب الأمريكي "الويسترن".

 

قصة الفيلم:

 

تدور قصّة الفيلم في الولايات المتّحدة الأمريكيّة بفترة ما بعد الحرب الأهليّة، التي حصدت أرواح الملايين، يتناول الفيلم حياة الضابط الأمريكي النقيب "كيد"، يلعب دوره الممثل "توم هانكس" الذي شارك في الحرب الأهليّة، وقد كان سابقاً يمتلك مطبعة صحف وجرائد، خسر حياته المهنيّة فتحوّل إلى "قارئ أخبار"، يتنقّل من قرية إلى أخرى ليتقاضى 10 سنتات في كل أمسية له، وما زالت هذه القرى تشهد إرهاصات التغيير الاجتماعي والسياسي.

 

 

يقرأ الكابتن "كيد"، عناوين الأخبار ومقالات وتقارير صحفية يختارها بعناية من مجموعة صحف وجرائد كانت تصدر حينها، ويلقيها على مسامع تجمّعات من الناس شبه أميّين ومتعبين من الحرب والعمل الشاق، ويُسوّق لأفكاره التي تدعو للحريّة وتحرير العبيد ونبذ العنف والعيش بسلام. في سياق رحلاته تلك وبشكل سلس، وفي تطوّر يظهره مخرج العمل وكأنّها صدفة طبيعيّة وحدث هامشي، يلتقي بفتاة صغيرة ألمانيّة الأصل عاشت مع قبائل محليّة، قُتل كلّ أفراد عائلتها. تلك الفتاة كانت حمّالة رسائل عديدة وباتجاهات مختلفة، منها حقّ الطفل في التعلّم وفي العيش بأمان بظل كنف العائلة ومساواة البشر وتنوّع ثقافاتهم، وأنّ الثقافات مكتسبة واللغة أداة تواصل، وتتنوّع الشخصيّات السلبية والإيجابية في سياق سرد السيناريو وتنوّع خطوطه، لتسير قصة الفيلم في تصاعد درامي في محور السيناريو المتعلّق بفتاة الصدفة، على حساب تراجع المحور المتعلّق بقصة "قارئ الأخبار"، التي تتفكّك دراميّاً وتحل عقدتها في سياق تنازلي.

 

الفيلم مُفرط ومفعم بالرومانسيّة بالمشاعر الإنسانيّة الدافئة، رغم كلّ مشاهد العنف فيه وعمليّات القتل، والتوحش الذي يبديه الكثير من الناس، واستسهالهم القتل والسرقة والاغتصاب إلّا أنّه يخدش أداء توم هانكس الهادئ المتزن، الذي يضبط إيقاع الفيلم بل وإيقاع نبض قلب المشاهد.

 

ويتحدّث الفيلم عن تاريخنا الإنساني ككل من خلال تاريخ براري وصحاري ومدن أمريكا، التي كانت قيد الإنشاء والتأسيس على خرائب تجمّعات ومخيّمات السكّان الأصليّين، ويشرح كيفيّة وصول الإنسان لقناعاته ومثله، ويوضّح كم دفعت البشرية أثمان باهظة، لما نسميه الحياة الهادئة الطبيعيّة، وهو من صناعة الغرب، لا تتوقع منه للوهلة الأولى، إلّا استعراضاً للقوّة والهمجيّة والعنف وقصة حب بائسة، فيأتي أخبار العالم ليغيّر الكثير من أحكامنا المسبقة، ويقدّم لنا فيلم يحرك المشاعر، ويغوص عميقاً في النفس البشريّة، ليلقي الضوء على مكامن قوّة وضعف النفس البشريّة، وينحاز للخير، هو أقرب لتحفة فنيّة بديعة الصنع ومتقنة إخراجاً وقصة وتمثيلاً.

 

كان الكابتن "كيد" يعاني من أزمة نفسيّة بعد وفاة زوجته خلال الحرب الأهليّة، وتلاقى مصيره مع مصير الفتاة صدفة، الأمر الذي وضعه أمام تحدٍّ للعودة للحياة بقوّة والتمسّك بها، مواجهاً كافة الظروف والتحديّات التي يمر بها، في طريق صعب محفوف بالمخاطر يحذوه الأمل للتصالح مع الذات.

 

رحلة اكتشاف الذات والآخر

 

اتّبع الفيلم أسلوباً سرديّاً يحكي رحلة البطل ضمن إطار حكائي تصاعدي، حيث يسير البطل في رحلة لاستكشاف ذاته والعالم، في محاولة للعودة إلى الحياة التي فقدها، يعيش في حالة من التشتّت والضياع والبحث الدائم، محاولاً إعادة الحب المفقود، والتغلّب على المصاعب التي يواجهها، للحصول على السلام والأمان له، وللطفلة المرافقة له في رحلته، تلك الرحلة الممزوجة بإضاءات من اللفتات المفعمة بالروحانيّة والبوح الإنساني، حيث يسير البطل برفقة الطفلة في الرحلة وتجمعهما تقاطعات وقواسم مشتركة في العديد من نقاط البحث، مثل المشاعر والعائلة والثقة بالعالم، خاصّة أنّ الطفلة عاشت اليتم مرتين، الأولى بعد خسارة العائلة والثانية بعد خسارة العائلة الثانية التي عاشت في كنفها.

 

 

التصوير والإخراج

 

رغم انتماء الفيلم تصنيفاً لأفلام الويسترن الغربيّة، التي تعتمد عادة على الحركة والأكشن ومشاهد القتل المجاني والبطولة الخارقة، إلّا أنّ الفيلم انحاز للهدوء وانسيابيّة المشاهد وتنقلات سلسلة بين مشاهد عنيفة وأخرى رومانسيّة، كما تتنقل الكاميرا بين المشاهد الداخليّة والخارجيّة دون أي انقطاع حاد، وقد وظّف المخرج كافة أشكال وزوايا التصوير من استخدام عين الطائر أو النسر، والمشاهد المأخوذة جواً إلى استخدام الكاميرا الثابتة والمحمولة، مروراً بالمشاهد البانوراميّة والمتوسّطة والقريبة في رصد واصطياد ذكي لتعابير الوجه وحركات الجسد. أجاد أيضاً توظيف الأصوات الخارجيّة والموسيقى التصويريّة، فضلاً عن الأصوات البشريّة وغناء الممثلة الصغيرة، وجعلها من صلب الحكاية.

 

 كما أسهمت الموسيقى التصويريّة في توضيح الثقل العاطفي للأحداث التي تجري في الفيلم ومشاهده، لتلعب دوراً في استكمال حوار لا يمكن للصورة أن تجسّده، كون البطلين لا يتحدّثان باللغة ذاتها، وترسّخ فكرة أنّ الثقة أقوى من اللغة، ليترك الفيلم أثراً إيجابيّاً في نفس المشاهد في تركيبته الكليّة، بين السيناريو والتمثيل والإخراج وحتى ينقل المشاهد لحقبة قد تبعث الريبة في النفس بسلاسة دون إثارة الانفعال مع إضفاء لمسة من الدفء والشاعريّة.

 

ﺇﺧﺮاﺝ: بول جرينجراس (مخرج)

 

ﺗﺄﻟﻴﻒ: بوليت جايلز (اقتباساً عن روايتها) لوك دايفس (معالجة وسيناريو وحوار)

طاقم العمل: نيل ساندلاندس توم هانكس هيلينا زينجل توماس فرانسيس مورفي ميشيل كامبل ستافورد دوجلاس

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard