تكثيف البحث العلمي حول ظاهرة التغير المناخي
أمطار طوفانية، فيضانات مدمِّرة، موجات من الحرّ والجفاف، أمراض وأوبئة، عواصف وأعاصير تعصف وتطيح بأرجاء المعمورة تشير قطعاً إلى مرحلة حرجة قادمة في عصرنا الحديث، فقد أثارت ظاهرة التغيّر المناخي وقضاياها الاهتمام العالمي والدولي والمحلي؛ لما لها من تداعيات خطيرة على حياة البشر وأنشطتهم التنموية، وكافّة الكائنات الحية والموارد المجتمعية المتاحة واستدامة التنمية في دول العالم، ووفقاً لذلك فقد حذّرت العديد من الدراسات البحثية من الآثار الهائلة لمشكلات التغيّر المناخي، حيث تعتبر هذه الظاهرة تهديداً أمنيّاً لدول العالم كافّة، خاصّة وأنّ مفهوم الأمن اتسع ليشمل الأمن البيئي والاقتصادي والإنساني.
تعدّ ظاهرة التغيّرات المناخية من أكثر المواضيع التي تشغل أذهان الباحثين والعلماء وصنّاع القرار في العالم، وتعدّ من أخطر التحديات البيئية التي تهدّد الدول المتقدّمة والنامية في العالم، وللتغيرات المناخية أثر كبير على أنشطة الإنسان مثل: راحة الإنسان، ونقل الأمراض، والبيئة، والإنتاج، ومصادر المياه، ولذلك أصبح موضوع التغيّرات المناخية من أكثر المواضيع التي تشغل حديث السياسة الدولية في العالم، خاصّة بعد تعاظم حدوث الجفاف والمجاعات والفيضانات الناتجة عن التغيرات المناخية التي تسبّبت في حدوث أضرار بالغة التأثير لحقت بالإنسان والبيئة.
يُجمع العديد من الباحثين على صعوبة تحديد السبب المباشر لظاهرة التغيّر المناخي، إلّا أنّ المؤكّد وجود مجموعة من الأسباب التراكميّة التي أثّرت على المناخ منذ سنوات طويلة، يُرجع العلماء حدوث التغيّرات المناخية إلى مجموعة من الأسباب الطبيعيّة التي تعود إلى فترات طويلة من الزمن ليس للإنسان دخل في حدوثها، ومجموعة العوامل البشرية التي يرجع للإنسان الدور الكبير في حدوثها، والتي ينتج عنها انبعاث الغازات مثل: ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان والكلورفلوروكربون، وهذه العوامل قصيرة المدى التي تؤدّي إلى حدوث التغيّرات المناخية، حيث لعبت الثورة الصناعية والتكنولوجية دور بارز في حدوثها، وأدّت إلى زيادة معدل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وزيادة تركيزاتها بالغلاف الجوي وعدم امتصاصها نتيجة التصرفات البشرية، كظاهرة التصحّر وتقليص المساحات الخضراء والغابات، وظاهرة الاحتباس الحراري حيث يسرف الإنسان في استهلاك الوقود (الفحم والنفط) سواءً في المصانع أو المناجم أو المعامل، والأدوات التكنولوجية المختلفة.
في سوريا التي مرّت بحرب مدمِّرة منذ 10 سنوات بدأت تظهر آثارها السلبيّة على البيئة بجميع مكوّناتها مما أوقفت العمليّة التنموية إذ تتعرّض لأسوأ موجة جفاف منذ 70 عاماً نتيجة انحباس الامطار في معظم المناطق، وفي مناطق أخرى كالمناطق الساحلية تتعرض للعواصف المطريّة ممّا أدّى الى ضرر المحاصيل والمزارعين. بالإضافة الى موجات الحر العالية في معظم المناطق.
في الواقع فلم تثير مشكلات تغيّر المناخ وآثارها البيئية الاهتمام الدولي العالمي فقط، ولكنّها أثارت جدلاً وحواراً مستمرّاً حول التغيّرات المناخية وأسبابها وأثارها وطرق مجابهتها والتكيف معها ومع أثارها، كما لوحظ في الفترة الأخيرة اهتماما متزايداً من قبل وسائل الإعلام المختلفة بظاهرة التغير المناخي باعتبارها قضية أصبحت تطرح نفسها، كما أصبحت تنال اهتماماً متنامياً من قبل الباحثين والمؤسسات التعليمية، وبدأت تتوالى المؤتمرات والندوات العلمية التي تركز وبشكل كبير على موضوعين هما التلوث البيئي وتأثيراته على الإنسان والبيئة، والتغير المناخي باعتباره ناتج عن عوامل عديدة منها ظاهرة الاحتباس الحراري وتأثيراته على الإنسان والحياة على الكرة الأرضية.
ومع هذا الاهتمام الدولي والاقليمي لظاهرة التغير المناخي، يتعاظم الدور والمسؤولية على صناع القرار والباحثين والمؤسسات العلمية والمراكز البحثية في الوطن العربي لتكثيف الجهود البحثية المتعلقة بقضايا بالبيئة والمناخ، والاهتمام في غزارة البحث العلمي المتخصص بشؤون البيئة والمناخ، من حيث إنتاج الكتب والمؤلفات والأبحاث العلمية الرصينة، والعمل على إنشاء لجان متخصصة لدراسة هذه الظواهر ووضع السيناريوهات المحتملة لتأثيرها على الدول العربية والإسلامية، والعمل على عقد المؤتمرات العلمية لمناقشة كيفية مواجه هذا الخطر والتعامل معه، والتنسيق المشترك الفعال بين الدول والمؤسسات العربية والعالمية، والعمل على توقيع الاتفاقيات المختلفة للحد من أسباب وأثار هذه المشكلات والتكيف معها، ونشر الوعي البيئي والمناخي، وسن القوانين والتشريعات اللازمة، وتوجيه الباحثين بالتعاون مع الهيئات المحلية والدوليّة لاستنباط نموذج لقياس توقعات آثار التغيّرات المناخية خاص بمنطقة الشرق الأوسط، واعتماد نتائج البحث العلمي كأولويّة في التخطيط وحسن الإدارة لحماية البيئة والمناخ.