النظام السوري يستخدم تنظيم داعش لإحكام سيطرته على درعا
لا يكاد يغيب اسم محافظة درعا عن الأخبار حتى يعود مجدّداً للظهور على الشاشات، ويتربّع على عرش أهم الأحداث في سوريا، تارة بمظاهراتها السلمية القوية، وتارة بمقاطعتها للانتخابات الرئاسية، وتارة بكمّ الاغتيالات الكبيرة التي لا تتوقّف في عموم المحافظة منذ سيطرة قوات النظام عليها منتصف العام ٢٠١٨.
تتصدّر درعا اليوم المشهد من خلال المعركة التي أعلنت عنها فصائل محليّة بالاشتراك مع اللواء الثامن ضدّ تنظيم الدولة (داعش) في المحافظة، قاطعين الطريق على قوّات النظام السوري لاستغلال هذه الثغرة والقضاء على النفَس الثوري، ومؤيّديه بحجّة قتال (داعش).
استطاع أهالي محافظة درعا من جديد أن يُظهروا مستوى إدراكهم وفهمهم العميق لمخطّطات النظام وميليشياته، برفضهم تغلغل التنظيم المتطرّف (داعش) في درعا بمساندة غير علنيّة من قبل أفرع مخابرات النظام.
أثناء الاجتياح البرّي للمحافظة عام ٢٠١٨ قامت قوّات النظام بأسر عدد كبير من عناصر تنظيم (داعش) المتواجدين في حوض اليرموك، وفي أقل من عام واحد أخرج النظام عدد كبير من هؤلاء العناصر من السجون لأسباب مجهولة، وقبل أن يحاكموا وتتمّ محاسبتهم على جرائمهم السابقة بحقّ المدنيّين والعسكريّين من أبناء المحافظة.
وعلى إثر ذلك ازدادت عمليّات الاغتيال التي ينفذها مجهولون في المحافظة، وغالباً ما كانت هذه العمليّات تستهدف النشطاء والصحفيّين أو قادة فصائل سابقين. أدرك الأهالي نوايا قوّات النظام في تعميم حالة الفوضى ليتّخذ من ذلك ذريعة لتنفيذ مخطّطاته، والقضاء على كلّ من يعارضه في درعا.
التحرّك الأول في المحافظة كان بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي عندما أعلنت فصائل محليّة في مدينة جاسم شمالي درعا بدء عمليّة عسكرية تستهدف عناصر يتبعون لتنظيم (داعش) استمرت لأيام نتج عنها مقتل عدد كبير منهم، وخلال هذه المعارك تمّ أسر أحد القياديّين ويدعى "رامي الصلخدي" الذي كشف عن حدوث اجتماع سري بينه وبين رئيس جهاز المخابرات العسكريّة بدرعا "لؤي العلي"، حيث طلب الأخير منه اغتيال شخصيّات معينة من مدينة جاسم جلّهم من المعارضين والناشطين.
بعد هذا التحرّك العسكري هرب عدد من عناصر التنظيم باتجاه مدينة درعا، حيث يتواجد مقرّات يتحصن بها عدد من قيادات التنظيم وعناصرهم وبالتحديد في حي "طريق السد". وما هي إلّا أيام حتّى يقوم انتحاري بتفجير نفسه في منزل "غسان أبازيد" القيادي السابق في (الجيش الحر).
جرى التفجير أثناء اجتماع عدد من أبناء الحي لمتابعة إحدى المباريات الرياضية، ليتفاجأ الحاضرون بدخول الانتحاري للمضافة وتفجير نفسه على الفور، وعلى إثره قُتل خمسة أشخاص، وجرح خمسة آخرون بإصابات بليغة، يُذكر أنّ الأشخاص المستهدفين معظمهم عناصر سابقين في (الجيش الحر) قبل دخول قوّات النظام لمحافظة درعا.
بعد هذه العملية الانتحارية لـ (داعش) اجتمع أهالي المدينة بتاريخ 31 تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، وأطلقوا حملة عسكريّة للتخلص من داعش في درعا، بالتعاون مع مقاتلي اللجان المركزية في المنطقة الغربية واللواء الثامن.
تتواصل الاشتباكات بشكل مستمر منذ بداية العملية العسكرية، وحتّى لحظة إعداد هذا التقرير وسط تقدّم واضح للفصائل المحليّة، والسيطرة على أبنية ومقرّات كانت تتحصّن فيها داعش في منطقة "الحمادين" بالحي ومقتل عدد من عناصر التنظيم.
الجدير بالذكر أنّ المجموعات المنتمية لتنظيم داعش يقودها كلّ من "محمد المسالمة" الملقب بـ "هفو" و"مؤيد حرفوش" الملقب بـ "أبو طعجة" وهم من تجّار المخدّرات وفارضي الأتاوات في المنطقة، ويتخذ التنظيم من حي طريق السدّ مركزاً له وتحديداً منطقة الحمادين وصولاً إلى شركة الكهرباء.
وكانت المعارك توقّفت قبل أيام للسماح للمدنيّين بمغادرة المنطقة حفاظاً على سلامتهم، ولإعطائهم فرصة لمغادرة منطقة الاشتباكات، قبل أن يتم استئنافها بعد يومين عقب اجتماع عقده الوجهاء والقادة العسكريّين في مدينة درعا، والاتفاق على متابعة العمل العسكري ضدّ عناصر التنظيم وتجّار ومروّجي المخدّرات وفارضي الأتاوات.
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تداول عدد من التسجيلات المصوّرة تثبت انتماء "هفو" لتنظيم داعش، مع تورّطه خلال الأعوام الماضية في عدّة عمليّات تفجير واغتيالات، بالتحديد مسؤوليته عن تفجير معسكر جيش الإسلام قرب بلدة نصيب بريف درعا الشرقي عام 2017، والذي أدّى حينها لمقتل وجرح العشرات من عناصره.
كما أظهرت التسجيلات مسؤوليّة "هفو" عن تفجير مستودعات تابعة لغرفة البنيان المرصوص في درعا البلد عام ٢٠١٧، أثناء معركة "الموت ولا المذلة" في حي المنشيّة، حيث تمّ حينها اعتقال "هفو" وسجنه للاشتباه بمسؤوليته عن التفجير، وقام القيادي السابق في الجيش الحر معتز قناة "أبو العز" بالتحقيق معه، قبل أن يتمّ اغتياله مع القيادي عدنان أبازيد "أبو النور" في شهر آذار من عام 2020، فيما يبدو أنّها محاولة من قبل تنظيم داعش لمحو كافّة الأدلّة التي يمكن أن تدين هؤلاء الأشخاص.
كما تمّ نشر محادثة صوتيّة أخرى بين "هفو" والقيادي في تنظيم داعش "أسامة المسالمة" الملقّب بـ "الزير"، دارت حول إدخال عبوات وأسلحة لصالح تنظيم داعش إلى درعا البلد، كما أظهرت التسجيلات المسرّبة من موبايل أحد قتلى تنظيم داعش عن عمليّة رصد ومحاولة اغتيال القيادي السابق في لواء توحيد الجنوب التابع للجيش الحر سابقا "أبو حسن مسالمة" ورصد منازل قادة آخرين لاغتيالهم، ويظهر بوضوح اعتبارهم من الكفّار و"المرتدين" حسب زعمهم.
فيما بدا واضحاً تركيز عناصر تنظيم داعش على القضاء على الناشطين الإعلاميّين، ومنعهم من ممارسة عملهم بتغطية الأحداث الدائرة، خوفاً من سخط الحاضنة الشعبية بشكل أكبر وازدياد صعوبة تحركاتهم في المنطقة، حيث تمّ إرسال تهديدات لعدد من الصحفيّين في المحافظة منهم "آدم اكراد، ومحمد تاج الدين، وابراهيم الحريري" فيما قُتل الصحفي "عاطف الساعدي" خلال تغطيته للعمليّة العسكريّة في مدينة درعا.
كما وصدر بيان موقّع من وجهاء العشائر وأعيان المدينة يتبرأون فيه من كلّ شخص يثبت تورّطه مع (داعش) ويؤكّدون فيه دعمهم للعملية العسكريّة، حتّى القضاء على عناصر داعش بعد الجرائم الكبيرة التي ارتكبوها بحق أبناء درعا، وللمحافظة على النسيج الاجتماعي في درعان والرافض لهذه الجماعات ولكافّة العناصر المتشددة.