عن الزلازل وقصور العلم
في آخر أعماله "عسر في الحضارة" كان فرويد متشائماً حيال مستقبل البشرية، وكان هو نفسه قد قسَّمَ المعارف التي أنتجها البشر إلى ثلاث مدارس كبرى، أولها السحر وثانيها الدين وثالثها العلم.
فقد كان هاجس الإنسان منذ الأزل فهم ما يجري من حوله والسيطرة على مصيره ومعرفة المجهول.
ما يهمنا في خطاطتنا هذه أن نسلط الضوء على المدرسة الأحدث، أي العلم، الذي ساد منذ قرنين أو أكثر في مقابل تراجع مكانه الدين وقبله السحر.
إنَّ الكوراث الأخيرة التي تعرضت لها البشرية وما زالت، ومنها الزالازل الأخيرة في تركيا وسوريا، كشفت، إلى حد بعيد، عجر العلم وقصوره.
هذا العلم، الذي وصلت أقماره الصناعية ومكوكاته الفضائية الى الكواكب البعيدة، والذي يفاجئنا كل يوم تقريباً بمعلومات وصور جديدة عن المجرات والنجوم البعيدة، وما يجري فيها، عاجز حتى اللحظة عن التنبوء بالزالازل فما بالك بتفاديها أو إيجاد حل لمشكلتها والى الأبد، فما فائدة العلم ما لم يساعدنا في ضمان حياتنا وسلامتنا.
لقد كان العلم بمؤسساته البحثية والأكاديمية والتقنية سباقاً باختراع أدوات القتل والتدمير ومنها القنابل النووية والهيدروجينية، ولكنه ما زال عاجزاً عن التنبّؤ بزالزلٍ يحدث تحت أقدامنا، وليس على سطح المِرِّيخ أو في المجرات البعيدة، فلماذا؟ وهل يخفي هذا العجز قصوراً بنيوياً أم أنه نتاج نقطة عمياء لم تصلها مدارك العلماء؟
لقد استطاع العالم الهولندي، وفقاً لدراساته التي ربطت بين حركة الكواكب في مجرتنا وحدوث الزالازل، التنبؤ بها، أي بالزلازل، قبيل وقوعها، ورغم صدق تنبوأته إلا أن حال الكثيرين منا، وبالأخص العلماء، يشبه حال قوم موسى في قصة البقرة.
بالعودةإلى فرويد يكثر في أدبيات التحليل النفسي الحديث عن عقدة الأب، أي الصراع بين الأجيال، هذا الصراع الذي يأخذ ثلاثة أشكال لا رابع لها.
الشكل الأول هو المسار التقليدي حيث يتبع الابن أباه ويراه مثالاً لا غبار عليه فيحذو حذوه بلا تجديد أو تمرد.
المسار الثاني هو المسار الإبداعي الواقعي حيث ينظر الابن إلى أبيه على أنه كائن عادي مثله يصيب ويخطئ، فيأخذ منه ما يراه إيجابياً ويطرح ما يراه سلبياً.
أما المسار الثالث، فيسمى بالأب المعكوس، ولسبب ما يرفض الابن كل ما جاء به الأب، ويعمل عكسه تماماً…
من رحم هذا المسار خرج العلم الحديث، ولذلك أدار ظهره لكل المعارف القديمة وحطَّ من شأنها.
لقد كان لدى المصريين القدماء ولدى الإغريق، على سبيل الذكر وليس الحصر، نظريات عدّة تربط بين حركة الكواكب والنجوم، وما يحدث من ظواهر على سطح كوكبنا، وكان لهم باع طويل في مجالات عدة منها الطب والهندسة والفنون لم يأخذ بها العلم الحديث، بل قطع معها بشكل كامل.
أما في الكتب المقدسة، فقد جاء، على سبيل المثل، في الذكر الحكيم: " فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76).