القوة الناعمة
إن مصطلح القوّة الناعمة “Soft power” هو مفهوم جديد صاغهُ أستاذ العلوم السياسية جوزيف ناي العميد السابق لمدرسة جون كينيدي الحكومية في جامعة هارفارد لوصف القدرة على الجذب والضم دون الإكراه، أو استخدام القوّة كوسيلة للإقناع.
ولها العديد من الأدوات مثل وسائل الإعلام، الموسيقى، الفن، السينما، والرياضة... إلى آخره.. وقد تمّ استخدامها من قبل العديد من الحكومات والأطر السياسية في استراتيجيتها من أجل التأثير في سلوك الآخرين.
وعلى سبيل المثال عند وصول حزب العدالة والتنمية للحكم ووضع سياسة صفر مشاكل استخدم السينما والدراما التركية للتأثير على سلوك المجتمعات المحيطة بها، وخاصّة العربية منها، وبدأت ترّكز على إظهار جوانب التطوّر الاجتماعي والاقتصادي والبنية السياحية في تركيا، وبعد سيطرة أردوغان المطلقة بدأنا نشاهد نمط مختلف إلى حدٍ ما يركّز أكثر على التاريخ العثماني، باتساق ملحوظ مع توجّهات أردوغان السياسية في إعادة الأمجاد العثمانية، وترسيخ الحكم الديني، خامنئي، صدّام، الأسد استخدموا هذه الأدوات لتوطيد حكمهم، وحتّى داعش استخدمت السينما والموسيقى، والأغاني للتأثير على سلوك الأفراد لنشر عقيدتها وتجنيد مقاتلين في صفوفها. ويبقى الغرب الديمقراطي الأكثر براعة في استخدام القوة الناعمة لتنفيذ استراتيجياته.
الأدوات الناعمة اليوم هي من أساسيات العمل السياسي والاستراتيجي، والكرد كغيرهم من الشعوب استخدموا الموسيقى، وتناقلوا القصص الشفوية عن تاريخهم، وألّفوا اللوحات الفلكلورية الراقصة والمسرحيات في أعياد النوروز كأدوات ناعمة للنضال، ومنذ سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على شمال وشرق سوريا لم يبخل بجهد من أجل نبش وتعزيز التنوّع القومي والديني في اتساق تام مع فلسفته السياسية التي أصبحت تعرف بأمّة الشعوب، ومن الإنصاف القول أنّه تفوّق على جميع الأطراف الأخرى، ولكن بذات الوقت لم يختلف عنها في استخدامها السياسي والسعي من أجل صهر جميع هذه المكوّنات المجتمعية في عقيدتها السياسية، فاستخدمت الموسيقى والفن والرياضة ومؤخراً السينما.
مناسبة الحديث عن هذا الموضوع هو النقاش الدائر حول الأغنية الجديدة التي أصدرتها مجموعة (هونرگها ولات) بعنوان (li herî jorî)، والتي هي عبارة عن مزيج جميل من الألوان والألحان والرقصات، وفي الحقيقة المجموعة منذ انطلاقتها وهي تقدّم أعمال جميلة رغم أنّه يعاب على الفيديوهات التي يقدمونها كثرة التقليد، والانتقاد الموجه إليها اليوم لا يرتبط بجوانب فنيّة أو موسيقية رغم ظاهريّتها، بل بسبب ارتباط المجموعة الأيدلوجي بحزب الاتحاد الديمقراطي، وهذا هو الأساس في سيل الانتقادات الأخيرة.
هذه المساءلة المجتمعية وهذا النقاش الدائر لا يمكن النظر اليه بعين سلبية فقط فهي تندرج ضمن إطار حرية التعبير (وإن كانت افتراضية) وهي عنصر من عناصر الحكم الديمقراطي، كما لا يمكن النظر إلى نبش التنوّع بعين سلبية، لكن يجب ردفها بحريّة ممارسة العمل السياسي بشكل فعلي خارج عباءة عقيدة الحزب الحاكم ليكتمل عنصراً آخر من عناصر الديمقراطية.